عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
8083
 
عبدالسلام حمزة
كاتب وأديب

اوسمتي


عبدالسلام حمزة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,945

+التقييم
0.57

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8997
10-17-2010, 06:53 PM
المشاركة 1
10-17-2010, 06:53 PM
المشاركة 1
افتراضي لقاء الأديب : عبده وازن مع الشاعر محمود درويش

محمود درويش : قصيدة النثر حازت شرعيتها وعلى شعرائها أن يعترفوا بالآخرين
14/03/2007
حاوره : عبده وازن


تحار من أين تبدأ الحوار مع محمود درويش. أتبدأ من شعره الذي يشغل المعترك الشعري العربي الراهن، بأسئلته وقضاياه، أم من السياسة التي مارسها وكأنها فعل إبداعي؟ أم من تقاطع الذاكرة الخاصة مع الذاكرة العامة أو الوجدان الذاتي مع الوجدان الشعبي؟

لا يحتاج الحوار مع محمود درويش الى ذريعة. تاريخ هذا الشاعر هو أكثر من تاريخ وحاضره أكثر من حاضر. هو الآن أكثر الشعراء العرب رواجاً وانتشاراً، لكنه في الوقت نفسه من أشد الشعراء انطواء على أنفسهم وإصغاء الى صمتهم الداخلي. هذا الشاعر «الجماهيري» هو شاعر حديث جداً وطليعي وذو نزعة اختبارية. أمسياته التي تجذب دوماً جمهوراً غير متوقع، في عاصمة عربية وأخرى، تدل على قدرة قصائده على اختراق الذاكرة والمخيلة معاً. لكن الشاعر، عوض أن يستسلم لجمهوره الكبير يرتقي به الى مصاف التلقي الحقيقي. فالتصفيق المدوي تظل تردده الصالة الكبيرة، لكن
الشعر وحده هو الذي يفعل فعله. وربما لم يُؤتَ لشاعر أن يكون جماهيرياً ونخبوياً في آنٍ واحد، وأن يكون قريباً من قرائه وبعيداً منهم، مثلما أوتي
لمحمود درويش. هذا الشاعر التراجيدي المنبت استطاع أن يكون شاغل الناس وشاغل الشعراء والنقاد والقراء على اختلاف أمزجتهم. لا يحب محمود درويش كلمة «جمهور» أو «جماهير»، يفضل كلمة قارئ أو قراء. هذا ما بات واضحاً الآن تمام الوضوح. يحس الشاعر انه يكتب لنفسه مثلما يكتب لقارئه. انها المعادلة الصعبة التي حققها محمود درويش، صانعاً من الشعر ذاكرته وذاكرة قرائه، ذاكرته وذاكرة الأرض المجروحة. ولئن كان ولا يزال شاعر القضية فهو نجح في تحمل عبء هذه الصفة أو الكناية من غير أن يتخلى عنها لحظة. بل هو عمّق هذه الصفة حتى أضحت مغروسة في تراب الماضي - الحاضر. انه الشاعر أولاً وأخيراً وربما الشاعر فقط، سارق النار ومضرمها، الشاعر السري المتجذر في أرض الحلم والمنفتح على شمس الرؤيا. الشاعر الذي جعل من مأساته التي هي مأساة أرضه، ملحمة تراجيدية، تمتزج فيها النبرة الغنائية العالية والصوت الانساني الخافت.

حياة صاخبة، شعراً وسياسة وأمسيات وأضواء، تقابلها حياة هادئة جداً مفعمة بالصمت والتأمل.

عندما دخلت بيت محمود درويش في عمان، فوجئت بالهدوء الذي يرين عليه، وبالصمت الذي يحياه هذا الشاعر – الرمز. وحين سألته عن المصعد المعطل في البناء، استغرب، واستغربت أكثر عندما قال لي انه لم يخرج من البيت منذ ثلاثة أيام. يعيش محمود درويش وحيداً بين بيته في عمان وبيته في رام الله. هذه الوحدة لا تكسرها سوى الخادمة الفيليبينية التي تقصده ظهر كل يوم لتنهي الواجبات المنزلية وتغادر. إلا ان بيت الشاعر ليس بارداً ولا خاوياً مثل بيوت العازبين عادة. ثمة ضوء في هذا المنزل ولو كانت الشبابيك مغلقة، وثمة دفء روحي وطمأنينة. مع ان الشاعر الكامن في أعماق محمود درويش لا يعرف الاطمئنان ولا السكينة. شاعر قلق، لا يضع المفتاح في قفل الباب عندما يستسلم للنوم ليلاً. وكي يبدأ نهاره يحتاج الى المزيد من الوقت. الصباح المتأخر قليلاً هو إما للكتابة أو للقراءة. أما النهار فيبدأ بعد الظهيرة.

لا ذريعة لمحاورة محمود درويش وإن صدرت قبل أيام أعماله الكاملة في أربعة مجلدات، وفي طبعة هي الثامنة عشرة. وقبلها صدر ديوانه البديع «كزهر اللوز أو أبعد» وفيه تتجلى تجربته الفريدة التي وضعته في مقدم الشعراء المحدثين والجدد والباحثين عن معادلة شعرية جديدة، وعن لغة مجهولة وجماليات ملؤها الدهشة. وقبل هذا الديوان كانت صدرت أيضاً أعماله «الجديدة» في مجلد خاص (دار رياض الريس).

يظل محمود درويش متجدداً باستمرار، والحوار معه أشبه بالرحلة الى عالم ملتبس بين الواقع والتاريخ والحلم والجمال... وها هو يفتح «دفاتره» لـ «الحياة».



الآن مع صدور مجموعتك الكاملة للمرة الثامنة عشرة كيف ترى إليها؟ ما الذي تحبه فيها وما الذي تكرهه؟ كيف تنظر الى البدايات التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الفلسطينية؟
- حين اضطر الى قراءة أعمالي الأولى من أجل تصحيح الأخطاء الطباعية استعداداً لطبعة جديدة، وليس من قبيل مراقبة تطوّري أو مراقبة ماضيّ الشعري، أشعر بكثير من الحرج. أي انني لا أنظر الى ماضيّ برضا، وأتمنى عندما أقرأ هذه الأعمال، ألا أكون قد نشرتها كلها، أو ألا أكون نشرت جزءاً كبيراً منها. لكنّ هذه مسألة لم تعد منوطة بي، انها جزء من تراثي. لكن تطوري الشعري تم من خلال هذا التراكم وليس من خلال القفز في الفراغ. لذلك عليّ أن أقبل بطاقة الهوية هذه كما هي، وليس من حقي اجراء تعديلات إلا بقدر المستطاع، أي تعديلات على بعض الجمل وعلى بعض الفقرات أو حذف بعض الأسطر، من منظور الاعتبار الجمالي وليس من أي منظور آخر. ولو أتيح لي لكنت دائم التنقيح في أعمالي. ولكن لو أتيح لي أيضاً أن أحذف لكنت ربما حذفت أكثر من نصف أعمالي. لكن هذا الأمر ليس في يدي وليس من حقي على ما يبدو. هذا أنا في مراهقتي الشعرية وفي صباي وفي شيخوختي، أنا كما أنا. وأعتقد أن كل شاعر لديه حاسة نقد ذاتية، ينظر النظرة نفسها الى أعماله. وأريد أن أقول هنا إن الشعراء يولدون في طريقتين: بعضهم يولد دفعة واحدة، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. ففي التراث العربي مثلاً عندنا طرفة بن العبد وفي التراث العالمي هناك رامبو. ثم هناك شعراء يولدون «بالتقسيط» وأنا من هؤلاء الشعراء. ولادتي لم تتم مرة واحدة. وأرى أن مشكلة الولادة في دفعة واحدة عمرها قصير.



هناك ظاهرة عجائبية في مثل هذه الولادات !

- هناك عبقرية خاصة وربما مأسوية. فالشاعر الذي يولد دفعة واحدة لا يستطيع أن يواصل عمره الشعري. أما الشعراء الذين يولدون على مهل فتتاح لهم فرصة من التجربة والكتابة لا تتاح لمن يصبّون تجربتهم في دفعة واحدة، ويصمتون مثلما فعل رامبو. هذا السؤال صعب أصلاً على كل شاعر يستطيع أن يكتب شعراً في العشرينات، ولكن هل يستطيع كل شاعر أن يكتب بعد الستين؟ هذا هو السؤال الصعب.



ولكن هناك أمثلة متضاربة في هذه القضية!
- كل شاعر يملك جواباً خاصاً أو ربما هو يملك حظاً خاصاً. وأعتقد ان الحظ في آخر الأمر هو الذي يلعب دوراً في نشأة الشاعر، وفي قدرته على التطور. ولكن قبل الحظ هناك انتباه الشاعر الى عيوبه الشعرية، انتباه الشاعر الى مأزقه الشعري. وكل شاعر يحل مأزقه في طريقته الخاصة، ولكن ليس التكرار هو أفضل الطرق، أي تكرار ما قاله الشاعر أو كتابة تنويعات على ما كان كتب من شعر.

> ما رأيك بالمبادرة التي يقوم بها شعراء بحذف شعرهم الأول وانكاره؟ وهذا ما قام به مثلاً الفرنسي رينه شار أو الشاعر أدونيس؟ هل أخفيت أنت قصائد أولى، لك وخصوصاً عندما كنت في فلسطين؟
- أنا لم أنشر في كتب كل ما كتبت من شعر. بعضه نشر في الصحافة، وبعضه لم ينشر. مجموعتي الشعرية الأولى حذفتها كلياً ولا أعترف بها البتة وكانت صدرت في فلسطين أيام الفتوّة. وهي عبارة عن قصائد مراهقة شخصية وشعرية. وأنا أتمنى أن أواصل الحذف. هذه هي المسألة الشائكة. حتى في مرحلتي الراهنة، كتبت قصائد عدة لم أدرجها في مجموعاتي الشعرية. نشرتها في الصحف ولكنني لم أضمّنها كتبي. من حق الشاعر أن يحذف ما يشاء من شعره. لكن السؤال هو: هل رأيه هو الصواب أم لا؟ هناك رأي القارئ أيضاً.



> بودلير يتحدّث دوماً عن الناقد الكامن في الشاعر والذي يوجهه!
- صحيح. ولكن قد يؤثر الشاعر نصاً له على آخر، وقد لا يشاركه القارئ هذا الإيثار بل قد يخالفه فيه.



> ما كان عنوان مجموعتك الأولى التي أسقطتها من أعمالك؟
- كان عنوانها «عصافير بلا أجنحة».



«سجّل أنا عربي»
> ماذا تعني لك اليوم قصائد راسخة في ذاكرة الجمهور مثل «سجّل أنا عربي» و «جواز السفر» بعدما اجتزت ما اجتزت من مراحل شعرية؟
- هذا النوع من الشعر كتبته تلبية للنداءات الداخلية والخارجية. كان سؤال الهوية هو السؤال الملح في شبابي الشعري أو صباي. وهو ما زال مطروحاً حتى الآن، ولكن في طرق مختلفة، وفي أشكال تعبير مختلفة. كانت ظروف الحياة هناك تقتضي ربما مثل هذه المخاطبة المباشرة. هذا أولاً. ثانياً أصبحت هذه القصائد جزءاً من ذاكرة جماعية لا أستطيع أن أتحكم بها أو أتصرف في شأنها. إنها لم تعد ملكي أبداً. وهي ساهمت أيضاً في انتشاري شعرياً. ويجب ألا أكون مجحفاً أو ناكراً للجميل في حق هذا النوع من الشعر. هذا إذاً ساهم في شق الطريق أمامي، وفي تمهيدها لكي أضيف تجارب شعرية جديدة ومختلفة عما سبقها، من حيث التناول الشعري واللغة الشعرية والاسلوبية. لكن التأسيس الذي تم في العلاقة بين القارئ وبيني أذن لي في أن أتتطور، وأتاح للقارئ أن يقبل هذا التطور. فنحن نكبر معاً، أنا وقارئي.



> ماذا باتت تعني لك القصيدة السياسية؟
- القصيدة السياسية اليوم لا تعني لي أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة. إنها تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي ودورها الاجتماعي. أي على الشاعر أن ينتبه الى مهنته وليس فقط الى دوره. القصيدة السياسية استنفدت أغراضها في رأيي، إلا في حالات الطوارئ الكبرى. ربما أصرخ غداً غضباً، تعبيراً عن أمر ما، ولكن لم تعد القصيدة السياسية جزءاً من فهمي المختلف للشعر. أعتقد إنني الآن في مرحلة، أحاول فيها أن أنظف القصيدة مما ليس شعراً إذا أمكن التعبير. ولكن وما هو الشعري وما هو غير الشعري؟ هذه مسألة أيضاً. السياسة لا يمكنها أن تغيب تماماً من هوامش القصيدة أو خلاياها. لكن السؤال هو كيف نعبر عن هذه السياسة. كل انسان فينا مسكون بهاجس سياسي، ولا يستطيع أي كاتب في أي منطقة من العالم أن يقول: أنا نظيف من السياسة. فالسياسة هي شكل من أشكال الصراع، صراع البقاء وصراع الحياة. ومن طبيعة الأمور أن يكون هناك سياسة. والسؤال هو: هل تكون القصيدة سياسية أم ان عليها أن تحمل في كينونتها بعداً سياسياً؟ أو هل هناك إمكان لتأويل سياسي للنص الشعري أم لا؟ اما أن تكون القصيدة عبارة عن خطاب مباشر بتعابير مستهلكة ومستنفدة وعادية فهذا لم يعد يعني لي شيئاً.

> ما رأيك بظاهرة الشعر السياسي الجديد الذي يكتبه شعراء جدد عرب أو في العالم أو الذي كتبه شعراء مثل ريتسوس وغينسبرغ وجيل «البيت» جنريشين وقد أعادوا النظر في القصيدة السياسية وفي الواقعية؟
- ريتسوس يجب أن نميزه عن الآخرين.



> لكنه كتب قصائد سياسية عبر لغة مختلفة.
- حاول ريتسوس أن يكتب اليومي، لكنّ هذا اليومي الذي يبدو لنا عادياً يخبّئ بعداً اسطورياً ما. ولعل القصيدة التي تسمى يومية لدى ريتسوس ليست قصيدة يومية، ففي هذا «اليومي» بُعد أسطوري وميتافيزيقي. أما في شأن ألن غينسبرغ وبعض الشعراء الأميركيين فهم يكتبون شعراً سياسياً في المعنى المباشر للكلمة. لكن الشعر الغربي والأميركي مشبع بالجماليات، وقد انتهى البحث في هذا الموضوع، الموضوع الجمالي. وحاول الشعراء أن يعودوا الى ما هو مختلف، محاولين أن يجعلوا الشعر يمارس دوراً سياسياً واجتماعياً، على خلافنا نحن. فنحن خارجون من تراث شعري سياسي مباشر في محاولة لتطوير هذا الشعر ورفعه الى مستوى جمالي أفضل. والطريقان متعاكسان ومختلفان. ربما عندما تبلغ الجمالية العربية مستوى أرقى بكثير، قد نحنّ الى أن نهجو الواقع، في المعنى السياسي، في معنى الاحتجاج والرفض. وشعر الاحتجاج أصلاً لم ينته في العالم، ولكن هل يحتج الشعر بكونه شعراً أم بكونه كلاماً أو موقفاً؟



> ماذا بات يعني لك وصفك بشاعر القضية أو شاعر المقاومة وفلسطين؟
- المسألة لا تتعلّق بي ولا أستطيع أن احتج إلا على محاولة محاصرتي في نمطية معينة. هذه التسميات بعضها بريء، وينطلق من حب القضية الفلسطينية وحب الشعب الفلسطيني، وبعضها نوع من اضفاء الاحترام والتشريف على القول الشعري المتعلق بالقضية. لكن الرأي النقدي هو أخبث من ذلك. الرأي النقدي يحاول أن يجرّد الشاعر الفلسطيني من شعريته ليبقيه معبّراً عما يسمى مدونات القضية الفلسطينية. هناك طبعاً اختلاف جوهري كبير بين النظرتين: نظرة بريئة ونظرة خبيثة. طبعاً أنا فلسطيني وشاعر فلسطيني، ولكن لا أستطيع أن أقبل بأن أعرّف بأنني شاعر القضية الفلسطينية فقط، وبأن يدرج شعري في سياق الكلام عن القضية فقط وكأنني مؤرّخ بالشعر لهذه القضية.



الشاعر - الرمز
> ولكن شئت أم أبيت أنت الشاعر - الرمز!
- كل شاعر يتمنى أن يكون صوته الخاص معبّراً عن صوت عام أو جماعي. قلائل هم الشعراء الذين يلتقي داخلهم بخارجهم في طريقة تخلق التباساً بين رمزية الشاعر وشعريته. لكنني لم أسع شخصياً الى ذلك. ربما هو الحظ الذي وفّر لي هذه المكانة. اما ان أسعى الى أن أكون رمزاً وأحرص على أن أكون رمزاً، فأنا لا أريد ذلك، أريد أن ينظر إليّ من دون أن أُحمّل أعباء رمزية مبالغاً فيها، ولكن يشرّفني أن ينظر الى صوتي الشخصي وكأنه أكثر من صوت، أو أن «أناي» الشعري لا تمثل ذاتي فقط وإنما الذات الجماعية أيضاً. كل شاعر يتمنى أن يصل شعره الى مدى أوسع. وأنا لا أصدّق الشعراء الذين يحددون القيمة الشعرية من خلال عزلتهم عن القراء. أنا لا أقيس أهمية الشعر بمدى انتشاره ولا بمدى انعزاله.

ولكن أن تتحقق المسألتان أي الانتشار مع الجودة الشعرية، فهذا ما يتمناه أي شاعر، وإلا لماذا يقرأ الشعراء شعرهم في الأمسيات؟ لماذا يطبعون دواوينهم إذا كان القارئ لا يهمهم؟



> تجاوزت الستين لكنك تزداد نضارة شعرية.
- سرّي بسيط جداً.



> لا أشعر بأنه بسيط.
- بسيط في كلامي العام عنه وليس في المعنى الشعري. أولاً أنا لا أصدق شعري. وأشعر بأنني في حاجة الى لغة شعرية تعبيرية تحقق الشعرية في القصيدة في شكل يجعلها أكثر شعرية إذا أمكن. أي انني أحاول أن أخفف من ضغط اللحظة التاريخية على جمالية الشعر، من دون أن أتخلّى عن الشرط التاريخي. السر الثاني انني لا أصدق التصفيق. فأنا أعرف انه عابر أو آني، وقابل للتغيير والتعديل وللاعتذار أيضاً وللتمرّد على الشعر. انني مسكون بهاجس هو عدو كتابتي حتى الآن ما أريد أن أكتبه. تسألني: ما الذي تودّ أن تكتبه؟ فأقول لك: لا أعرف. إن رحلتي هي الى المجهول الشعري بحثاً عن قصيدة ذات قدرة على أن تخترق زمنها التاريخي وتحقق شرط حياتها في زمن آخر. هذا ما أسعى إليه، ولكن كيف أعرّف بهذه المسألة؟ هنا أيضاً لا جواب نظرياً ولا فكرياً. الجواب هو جواب ابداعي. كل الاسئلة حول الشعر لا تقنعنا إلا اذا تحققت شعرياً أو في الكتابة الشعرية. فأنا دائم القلق وهذا سرّي، ومتمرّد على نفسي. وأقول لك إنني لا أقرأ شعري بيني وبين نفسي، لا أقرأه البتة، فلا أعرف ما كتبت. لكن كل ديوان لي أعيد قراءته قبل طباعته عشرات المرات وأنقحه عشرات المرات، الى أن أشعر بأنه أصبح قابلاً للنشر. وعندما يصدر الديوان أتحرر منه كلياً ويصبح ملك غيري، ملك النقد وملك القارئ. وهنا يكون السؤال الصعب: ماذا بعد؟ الآن أشعر بأنني خالي الوفاض كما يقال، ومسكون بقلق ربما يكون وجودياً. هل أستطيع أن أكتب من جديد، أم لا؟ دائماً عندما أصدر كتاباً أشعر بأنه الكتاب الأخير.



> لكنني أشعر أن كل كتاب لديك يحمل معه بداية ما...
- إذا كان رأيك هذا مصيباً فهو يفرحني.



> أنت شاعر مراحل، وإذا عدنا الى أعمالك الكاملة نشعر بأن هناك محطات وأن كل محطة بداية...
- أجل هناك مراحل ومحطات.



> وأعتقد ان ثمة خيطاً داخلياً يربط بينها.
- أجل، انها مراحل متصلة، ومن خلال مراقبتي لعملي الشعري ألاحظ أن في كل كتاب جديد تستطيع أن تجد بذرة كانت في كتاب سابق أو كتب سابقة. لكن البذرة هذه تجد إمكان تفتح، ورعايتها في طريقة جديدة تحوّلها نصاً جديداً. الشاعر يتوالد من تلقاء نفسه، من تلقاء تجربته ومن علاقته بالعالم وعلاقته بالوجود وبثقافته ومن وعيه الشعري، وكذلك لا وعيه الإبداعي. أما كيف يولد الشعر؟ أو ما هو الشعر؟ مثل هذه الأسئلة أشبه بالأسرار. فالشعر سر، والسر هو ما يجعل الشعر مستمراً. ليس هناك من اكتشاف شعري نهائي وكل كتابة هي محاولة إجراء تعديل على مفهوم عام للشعر. ولكن كل كتابة جديدة تملك اضافات ما، هي عبارة عن إعادة التعريف بالشعر.



أنا شاعر غير مكرّس
> صفتك شاعراً مكرّساً وصاحب سلطة شعرية، هل أثرت عليك؟ ماذا تعني لك هذه الصفة؟
- إذا كنت شاعراً مكرّساً، فأنا مكرّس في الحياة الثقافية أو لدى القارئ. ولكن في العلاقة بيني وبين نفسي لست مكرّساً. أنا لم أكرّس نفسي حتى الآن. وقد يبدو هذا الكلام ادعاء للتواضع، ولكن هذه حقيقة ما أشعر به. أنا لم أكرّس نفسي في معنى إنني لم أطمئن الى تجربتي الشعرية، لم أطمئن اليها أبداً، وما زلت أعتقد بأنها في حاجة الى تجربة وتجريب جديدين، والى تطوير دائم والى التمرد على ما نسميه الانجاز الراهن. أنا لست راضياً عن نفسي أو لست أشارك الآخرين في المكانة التي احتلها في الذائقة العامة أو الوعي العام.

> هل تخشى أن تتوقف ذات يوم عن الكتابة؟
- نعم.



> هل أحسست هذه الخشية فعلاً؟
- هذه خشية دائمة خصوصاً عندما أنهي عملاً جديداً. إنني دائم الخوف من هذه القضية. إنها بمثابة هاجس. وأعزّي نفسي بأنني عندما أشعر، أو عندما اعترف بجفاف الماء في تجربتي الشعرية أو في لغتي، أجد المناسبة حسنة لأكتب النثر. فأنا أحب النثر كثيراً.



ظلمت نثري
> لكنك لم تكتب قصيدة نثر مع انك كتبت الكثير من النثر؟
- كتبت الكثير من النثر لكنني ظلمت نثري لأنني لم أمنحه صفة المشروع. أكتب نثراً على هامش الشعر أو أكتب فائضاً كتابياً أسميه نثراً. ولكن لم أُولِ النثر الأهمية التي يستحقها،. علماً انني من الشديدي الانحياز الى الكتابة النثرية. والنثر لا يقل أهمية عن الشعر. بل على العكس، قد يكون في النثر مساحة من الحرية أكثر من النثر. فإذا جفّ نصّي الشعري فقد ألجأ الى النثر وأمنحه وقتاً أكثر وأولية جدية أكثر. عندما كنت أكتب نثراً كنت أشعر أن النثر يسرق مني الشعر. فالنثر جذاب وسريع الانتشار، ويتحمّل أجناساً أدبية أكثر من الشعر. ويستطيع أن يهضم الشعر ويعطيه مساحة وحركة أكبر. وكنت عندما أكتب النثر انتبه الى انني نسيت القصيدة وأن عليّ أن أعود اليها. هكذا أكون بين النثر والشعر، لكنني معروف بأنني شاعر ولا أسمّى ناثراً.



> لكنك لم تكتب قصيدة النثر، لماذا؟
- ما دمت أكتب نثراً فأنا أكتب النثر، من دون أن أسميه قصيدة. لماذا ننظر الى النثر نظرة دونية ونقول انه أقل من الشعر؟ صحيح أن النثر يطمح الى الشعر والشعر يطمح الى النثر... يعجبني قول للشاعر باسترناك: "أجمل ما في القصيدة ذلك السطر الذي يبدو نثرياً". انني لا أريد أن أفرّق كثيراً بين الشعر والنثر، ولكن انطلاقاً من التجنيس الأدبي ما زلت أعطي للنثر اسمه وللشعر اسمه. لكن السؤال هو: كيف تتحقق الشعرية في قوام قصيدة؟ وأعتقد أن علينا أن نوقف النقاش حول الفارق أو الاختلاف أو الائتلاف أو الابتعاد أو الاقتراب بين قصيدة النثر والقصيدة. هذا السجال تجاوزه العالم. أما إذا سألتني عن رغبتي في كتابة قصيدة نثر فأرجو أن أكتب نصاً نثرياً من دون أن أسميه قصيدة نثر.
> ولكن من الملاحظ في شعرك ولا سيما في المرحلة الأخيرة أن ثمة حواراً بين النثر والشعر، وقد عرفت تماماً كيف تستفيد من قصيدة النثر، لا سيما أنك شاعر تفعيلة، وقد استشهدت بجملة بديعة لأبي حيان التوحيدي في ديوانك الأخير "كزهر اللوز أو أبعد"! وما يميز القصيدة لديك هو هذا الفضاء الرحب، الفضاء النثري والموسيقى الداخلية القائمة على تناغم الحروف!
- أولاً، أود أن أقول ان ليس لدي أي تحفظ على قصيدة النثر. والتهمة التي لاحقتني في انني ضد قصيدة النثر زمناً هي باطلة.

قلت وأقول دائماً ان من الانجازات الشعرية المهمة في العالم العربي بروز قصيدة النثر، أي تأسيس طريقة كتابة مغايرة للشعر التقليدي والحداثة التقليدية. قصيدة النثر تريد أن تميز نفسها وتريد أن تطور أو أن تضيف نصاً مختلفاً عن القصيدة الكلاسيكية وعن القصيدة الحديثة التي صنعها جيل الرواد. هذا أولاً. ثانياً، أنا من المعجبين جداً بشعراء كثيرين يكتبون قصيدة النثر. وأقول دائماً إن هناك أزمة في ما يسمى قصيدة التفعيلة، وأنا أكره هذه التسمية، ولكن لا بديل لها. والأزمة أصلاً تكمن في الكتابتين.