عرض مشاركة واحدة
قديم 06-21-2016, 06:03 PM
المشاركة 46
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إلى أكادير رافقت أمّي لتحضر عرسا لأحد أقربائها ، وجدت المدينة مقطّبة ، تنسج حكاية شوق ، حكاية أرملة تجمّدت الرّقة في أوصالها ، غيّم الشحوب على أساريرها، برك القنوط على قلبها وأثقل على صدرها فشقّ عليها زفر الآهات ، كان العرس عند أصحابه مريحا ، الحنّاء يشعّ من الأيادي والأقدام ، الأطفال كما النساء في صعود وهبوط بين الدورين ، وجوه الصبايا تشرق منها البهجة ، أمّا أنا فهذا كله عبث في عبث ، في الدور العلوي من هذا المنزل كان يسكن عمّي ، في غرفة الزّاوية ، كان سريره ، مكتبه ، أوراق و أقلام من النوع الرفيع ، صورة لصديقته التي تسكن هناك في المهجر ، رسائلها متناغمة الحروف كلوحات عجيبة . أحسست بأنّني فقدت الكثير بذهابك ، بعض الأشخاص لا ندرك أهميتهم حتى نفتقدهم . عبد السلام ليس شخصا عاديا ، بدأ رحلته التعليمية من أساكي ، و التحق بأولوز ، تذكرون حفلة البيرو ، هناك حصل على الشهادة الابتدائية ، ثم رحل إلى أولاد برحيل ، و منها إلى تارودانت و هوارة و إنزكان ، كان علميّ التوجّه ، كان نجيبا وكان ذكيا ، لكن الحظ خانه في انتزاع الباكلوريا ، حاول مرة أخرى لكنه فشل ، ليترك التعليم متجها إلى التكوين ، حصّل على ديبلومه ، واشتغل في القطاع العام ، لم يكمل هناك سنتين حتى قرر الرحيل .
أوربا حلم الشباب المغربي ، شيء طبيعي ، فمن غير المعقول أن تكون جار الجنّة و ترضى بالنار ، قصة الكوخ والقصر تلك ليست إلا أكذوبة أخرى ، هي الحياة واقع ، لا يمكن أن تكون معك سيارة و تسافر بالجمل ، لا يعقل أن تمتلك طائرة و ترضى السفر بسيارة . الهجرة يرى فيها العديدون الحلّ ، قريب أمّي هذا يوجد هو أيضا في فرنسا ، أولاده بسيطون تعليميا وثقافيا ، لكنهم لا يعانون مع لقمة الخبز ، أولاده الصغار في مثل سنّي تحسّ البلادة تقطر من معارفهم ، لكن يوما سيكونون أفضل وضعا منّا بدرجات كثيرة حتى ونحن نكابد . إنه منطق المكان يفعل فعلته .
لذلك لا بد أن أكون متجهما ، أشعر بحياتي ، أحسّ دقائقها ، أعيش اللحظة بكل تفاصيلها ، أعيش الفراق فراقا ، أعيش اللاعدالة كلاعدالة و ليست كشيء يجب التعايش معه ، أنا لن أتعايش حتى وإن كنت قادرا على التظاهر بانّي متعايش إلى أقصى الحدود ، فألعب مع إخوة العريس ، و أطوف معهم أيت ملول ، و نتسكع ، و نتحرش بالبنات ، و ..و .. ، لكن هذا كله شيء و الإحساس بعدم الأمان هو القاعدة ، هو الحقيقة . فعندما يستسلم الجميع للنوم ، هنا نور الدين يجب أن يعرف ماذا يجري ، يجب أن يرتّب يومه وإلا ضاع إلى الأبد ، يجب أن يهضم هذه المتناقضات و يحاول أن يجعلها تتواءم . محادثة النفس ، تكاد الذات تكتفي بعالمها لوحده ، يكاد يكون العالم الخارجي ، هينا ضعيفا ، تكاد تكون الدنيا كلها لا تساوي جناح بعوضة ، في حضور الذات ، في حضور النفس ، تسير معها ، تطوف العوالم الجميلة.
لا أحتاج أن أقول لكم أنّني نجحت في الإعدادي و انتقلت إلى الثانوي ، أنهينا الدّرس و جمعنا الحبوب والتبن و جنينا الأركان و سلوى معاندة ، حتى ونحن في الجبل ، و أنا أحدّث صديقتها لترغبها في الحديث معي ، لكنها تكتفي بضحكة ماكرة أحيانا أو تتجاهلنا نحن الإثنين وتذهب نحو شجرة أخرى لتلتقط الحب هناك ، طبعا فأنا لا أملّ ، بعد حين سأعاود الكرة ، لكنها هي أيضا ستفعل الشيء ذاته أو تبقى بلا حراك .
في هذا الصيف بالذّات بدأت أدوّن بعض ملاحظات في مذكرة صغيرة ، غايتي طبعا ليست الكتابة بدقر ما وضعت معايير معينة لأرى منسوب سعادتي صيفا ، و هي الفترة الأكثر سعادة في السنة ، أدون ماحدث كل يوم ، و عند النوم أسجّل النّقطة ، أنا أمتحن أيّامي ، لم أعرف أنّني بخيل إلا في تلك الفترة ، لا أحد من أيّامي نال المعدّل ، عرفت مقدار كآبتي ، وتركت تلك اللعبة المريضة .