عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2010, 03:10 PM
المشاركة 3
مريم جبران عودة
شاعـرة لـبنانيـة
  • غير موجود
افتراضي حاتم الصكر .. حلم فراشة يمتدّ مابين الشعر وقصيدة النثر-خضر الأغا

بداية نشكر الاستاذ الشاعر حسن الشيخ ناصر على هذه الصفحة المضيئة

والتي من شأنها فتح آفاق هامة للتعرف على قصيدة النثر وماهيتها وتطورها


من ثم أبدأ بالشعاع الأول

وإن شاء الله لنا عودة


~~~~~~~~


حاتم الصكر .. حلم فراشة يمتدّ مابين الشعر وقصيدة النثر-خضر الأغا

في قصيدة من الشعر الصيني القديم، تستيقظ المرأة الحالمة فلا تعلم إن كانت فراشة حلمت أنها امرأة، أم امرأة حلمت أنها فراشة. وهكذا تتماهى المرأة بالفراشة، فتغدوان كائناً واحداً، بحلم مشترك.
بهذه المقدمة يبدأ الكاتب د. حاتم الصكر كتابه المسمى "حلم الفراشة"، حيث يعتبر أنه بين الشعر وقصيدة النثر وشيجة حلمية شبيهة بذلك أيضاً. حيث لا ندري هل أصبح الشعر نثراً أم النثر هو الذي حلم أنه صار في القصيدة شعراً؟ ويقول إن هذا كان دافعه لاختيار عنوان الكتاب "حلم الفراشة" المخصص لقصيدة النثر، ولما يتصل بتقنياتها، خاصة: إيقاعها الداخلي البديل للوزن والموسيقى التقليدية والقافية، ولاشتغالها على "الأثر" الذي تخلقه القصيدة وتتركه في تلقي قارئها. والذي يتحقق بطرق عديدة ليس الوزن إلا واحداً منها، ولاعتمادها على السرد كعنصر أساس في شعريتها وقراءتها معاً، وعلى كتابتها وهيأتها الخطية على الورق بديلاً للنزعة الغنائية القديمة التي أرى أن الإنشاد أبرز مظاهرها التي نسعى، كما يرى، لإبعادها عن استقبال النصوص الشعرية كي لا تلخّص أو تختزل في آنية زمنية أو لحظة انفعالية تمثلها عملية الإلقاء والتلقي الشفهيين. مع التذكير بما يفرضه الإنشاد من استحقاقات وخسائر عند كتابة النصوص المعدة للإلقاء كارتفاع الصوت، والجنوح للغنائية والخطابية والموسيقى العالية. وأحسب، والكلام للكاتب، أن هذه الموضوعات تتصل من قريب بالحكم على قصيدة النثر بالرفض والقبول في الذائقة الشعرية العربية.
يرى أيضاً أن الدارسين لاحظوا ما في مصطلح "قصيدة النثر" من تناقض ظاهر وتشويش. إذ أنه يجمع نقيضين بالإضافة، وكان المصطلح يمثل التناقض المفهومي لهذا النوع الحديث، فمفهوم قصيدة النثر كان مختلطاً في المحاولات الغربية والعربية المبكرة بالنثر الشعري، أو الشعر المنثور القائم على التداعيات، والمناجيات، والفضاءات الصورية، وبلاغات العبارة، والصياغات المجنحة، المميزة بسيل من الهيجانات اللغوية والعاطفية والخيالية.
كما أن الازدواج والتناقض كامنان في قوانينها المقترحة، كما شاعت أوائل الستينيات لدى شعراء مجلة "شعر"، وتبريرهم النظري لمحاولاتهم المبكرة. حيث نقلوا ملخصاً لما رأت سوزان برنار أنه مميزات أو خصائص لقصيدة النثر جرى النقاش حولها وتصويبها. مثل الكثافة والإيجاز والتوهج والمجانية.
دون الالتفات إلى سلسلة تناقضات أكثر أهمية تبدأ من اسم قصيدة النثر المحيل إلى ضدين: قصيدة/ نثر، وتمر ببنائها العام الذي يقرن النظام بالفوضى، وصولاً إلى دلالتها القائمة على إشراقيتها الداخلية بمقابل نزوعها الشكلي المجرد واستبدالها الغنائية بالسرد.
ولم ينتبه الكتاب المبكرون إلى ميزة أخرى أشارت إليها برنار، تكمن في طبيعة قصيدة النثر التي تقودها إلى «التواطؤ باستمرار مع أجناس قريبة منها كالأقصوصة» فهي إذ تنازلت عن الإيقاع الخارجي تماماً، أفسحت حيزاً كبيراً لاستضافة السردي في الشعري، انطلاقاً من جوهرها الدلالي. حيث «إن العناصر الدلالية وحدها تكفي لخلق الجمال المطلوب». كما يلاحظ كوهين الذي يصف قصيدة النثر بأنها "قصيدة دلالية".
ويتعين علينا هنا ألا نفهم الدلالة كنتيجة حتمية لوجود الدال والمدلول احتكاماً إلى المعاني القريبة، وتنضيد النص خطياً. ففي الشعر تختزن القصيدة دلالتها في منطقها الخاص، وبنائها، ووحدتها، وفي بلاغة الصياغات، وما في لغة القصيدة من توترات صورية، وتوازيات إيقاعية، ومطابقات، وتكرار، وتعينات سردية تعكسها ضمائر التلفظ، أو المحاورات، والوصف، وسوى ذلك مما يقوم باكتشافه القارئ الذي يتولى تنظيم المقروء وبناء الدلالة.
ومن أبرز مهمات القارئ التي ينجزها بفعل القراءة، إظهار قوة التناص التي يدخل فيها النص المكتوب بعلاقات متنوعة ومختلفة السبل مع سواه من النصوص المتعددة والمختلفة بدورها، والمتسعة للإشارات، والتعليمات، والتضمينات، والمعارضات، والمفارقات، وسواها من أشكال التناص الممكنة، وهي تشكل عبئاً على القارئ، وتتطلب جهداً معرفياً وخبرة وإحاطة تعوز الكثير من القراء، فتفوتهم حكمة القصيدة ودلالتها وبلاغتها، فيرمونها بالغموض غالباً أو المجانية والفوضى.
يرى الصكر أنه لا شك في أن تقنيات السرد المجتلبة من النثر أساسياً، تتطلب تنظيماً يناقض الفوضى الظاهرية في قصيدة النثر. وهذا مظهر آخر لتناقض قصيدة النثر وصعوبة تقبلها وتلقيها. ومن أبرز مظاهر التنظيم في السرد ذلك الانضباط الواضع في الضمائر وتسلسل القص، وإحكام الوصف، وإدارة التلفّظات والمحاورات بكثافة تجافي الترهل الصوري، والهيجان اللغوي والسيولة العاطفية في الشعر الموزون.
وأوضح تنافر يحسه القارئ بين الشعر والنثر، هو رفض الغنائية كوجهة نظر أو موقع يتموضع فيه الشاعر بأناه الضخمة، مسلطاً ذاته على الموضوع، مسخراً تراكيب اللغة والصور والدلالات والإيقاعات لإنجاز المهمة الغنائية لقصيدته، فيما يدعو السرد لتهدئة مظاهر "أناه" بإزاء "أنا" النص و"أنا" العالم كقطبين لازمين- إلى جانب "أنا" الشاعر- في كل عمل شعري.
ويميل المنظور السردي إلى البحث عن تجسّدات أو تعيّنات للأفكار المعبر عنها سردياً، فيما يسِم التجريدُ كتابةَ الشعر، وتصنع اللغة فيها فضاءاتها الخاصة التي تتحصن، عبر الأنساق، بسياق خاص لا تُفهم إلا من خلاله.
ويجر هذا التمركز الفضائي المجرد قصائدَ الشعراء إلى مزيد من التجريد، بمقابل التمدد الثقافي المكثف الذي يهبه النثر للأفكار، وهي في حالة تعين وتجسد. وهذا ما يدعونا للقول بثقافة النص الشعري الحديث، كبديل للغنائية التلقائية والفجة.
ويلزم الأمر تكثيفاً واقتصاداً، حيث تُشتت الترهلاتُ اللغوية والاستطرادات مراكزَ السرد وبؤرته وأصواته وفضاءه وتسمياته. ويكون النثر في حالة كهذه متجهاً إلى "أثر" المكتوب في القارئ لا إلى "القصد" من البناء الأدبي، وإنجاز برامج النص وخططه المسبقة؛ رغبة في الاندراج الآلي ضمن المألوف والشائع، أو المكرس.
وأخيراً، يكون قطب النثر في مصطلح "قصيدة النثر" ومفهومها؛ داعياً لإنجاز "قراءة" أو تحقيق نص كتابي على مستوى التوصيل الفني والتلقي الجمالي. فيما يتجه الشعر إلى مناطق المشافهة في الإرسال والتقبل لتحقيق المهمة المقصودة من نَظْم الشعر.
وذلك يدعو إلى تحقيق موسيقى خارجية في الشعر تحف بالأفكار والدلالات والبنى النصية، وتنقل الرسالة الشعرية بمواصفات هذه الموسيقى ومستلزماتها، سواء أكانت داخلية كالمجانسات والتصادي اللفظي والتراكيب اللغوية، أو خارجية تتعين بالوزن الشعري وثوابته العروضية، وبالقافية وتراتبها البنائي الضدي.
بينما يقدم النثر "إيقاعات" تنجزها النصوص داخلياً، وتكون في العادة وراء المكتوب أو داخله، لا أمامه أو خارجه. وهذا الفرق بين موسيقى الشعر وإيقاع النثر هو الذي يخلق مساحات الأثر المتحصّل في أفق قراءة المتلقي، ويدعوه إلى ملاحظتها، لا كما تقدم نفسها في الشعر بخطابية ومباشرة وغنائية حادة، بل بهدوء وتسلسل ومنطق يتسم به النثر خاصة.
وعلى هذه الطريقة الهادئة في تقديم الأفكار، يواصل الصكر تقديم أفكاره فيما يراه ضرورياً لإزالة التناقض بين مفهومي القصيدة والنثر.


الكاتب: حاتم الصكر.
الكتاب: حلم الفراشة- الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر.
الناشر: دار أزمنة- الأردن-2009-