عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2012, 07:07 PM
المشاركة 268
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
غائب طعمة فرمان .. بين المرتجى والمؤجل

حملت الاقدار الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان الى موسكو عقب فترة اغتراب طويلة تنقل فيها ما بين القاهرة وبيروت ودمشق وبكين لدى اضطراره للنزوح من العراق ونشره كتابه " الحكم الاسود في العراق" في عام 1956 . وعاد اليها في عام 1958 لكنه غادر البلاد مرة اخرى في مطلع الستينيات حيث استقر به المقام في موسكو حين بدأ العمل مترجما في دار النشر السوفيتية"التقدم" ومن ثم في دار " رادوغا".
ويعتبر الابداع الادبي لغائب طعمة فرمان ظاهرة فريدة من نوعها حيث ان الكاتب كتب رواياته الرائعة بعيدا عن الوطن وفي موسكو بالذات، وبالرغم من اجواء الغربة فقد نجح في تصوير المجتمع العراقي بصورة دقيقة وعميقة ربما لم يفلح بتصويرها مثله من عاش في داخل العراق. علما ان الكاتب بدأ مسيرته الابداعية بكتابة القصص القصيرة في الفترة بين عامي 1949 و1960 ، واعترف في حينه بتأثره بأعمال الكاتبين الروسيين مكسيم غوركي وانطون تشيخوف، ونشر مجموعتي قصص هما "حصاد الرحى " و" مولود آخر". وكتب فرمان عن مجموعة القصص الاخيرة: "انني كتبتها بعيدا عن العراق في اعوام 55 و56 و57 .. وفرغت من كتابة احداها على مصطبة في احد شوارع دمشق ..... في يوم من يناير القارس البرد، وانا شبه متشرد. وعملت في قصة " دجاجة وادميون اربعة" وانا عائد الى رومانيا بعد ان توسط خليل كنة(وزير عراقي في ايام حكم نوري السعيد) لمنعي من دخول سورية ثم اكملت القصة في قصر الطلائع في بخارست".
وقد اعتمد الكاتب نهج تصوير واقع المجتمع العراقي على حقيقته وكتب بهذا الصدد يقول:" اذكر انني سألت ذات مرة احد القصاصين المصريين الكبار : لماذا لم تعد تكتب يافلان؟ فأدجابني مندهشا : الله .. كيف اكتب عن الفاقة والجهل والحياة البائسة ، كما كنت في الماضي بينما أرى حكومتي الآن تكافح ضده. ذلك سيكون طعنة في صدر حكومتي".ويومها (في عام 1956) جادلته قائلا : "لو اخذ بنظريتك ادباء العالم ، لمحي نصف الادب العالمي". وكتب د.عبدالعظيم انيس عن قصص غائب طعمة فرمان يقول " ان قراءتي لقصص غائب طعمة فرمان مع حوراها العامي قد زادتني فهما للمجمتع العراقي ومستقبله".
ولم تكن حياة غائب نبضا فحسب له ايقاعاته عن " حياته في العراق" التي بقيت تلازمه حتى النفس الاخير.ولم يكن هذا الكاتب روائيا كبيرا فقط بل كان ايضا انسانا كبيرا . وعرف ذلك كل من خالطه من ابناء جلدته في اللقاءات مع " الخرفان " – حسب تعبيره تحببا لهم ، فقد كان يعتز بكل عراقي يلتقي به في مقهى فندق " موسكفا" بوسط العاصمة العراقية. وكان يصغي بأهتمام الى احاديثهم عن همومهم ومشاكلهم واخبار الوطن. فأن حنينه الى هذا الوطن وحياته هناك كان يزداد كلما امتدت به الغربة. كما كان يتعاطف مع كل من يعاني من المشاكل في هذه الغربة.
ولد غائب طعمة فرمان في بغداد في عام 1927 في اسرة متواضعة في حي المربعة الفقير. وقد اصيب بمرض التدرن الرئوي في سن مبكرة، وسافر فيما بعد الى القاهرة للعلاج . وهناك تأثر كثيرا بالحركة الادبية في مصر وحضر مجالس الزيات وسلامة موسى ونجيب محفوظ في مقهى الاوبرا. ونشر اولى قصصه في العراق(مصرية في العراق) في مجلة " الجزيرة" ، ثم نشر ثلاث قصص في مجلة "الرسالة" المصرية لأحمد الزيات منها (قلب محروم) و( بيت الذكريات). وتخرج غائب من كلية الاداب ببغداد في عام 1954. وعمل في قسم " شكاوي الناس" في جريدة " الاهالي" لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي حتى اغلاقها في عام 1954.وقد ساعده ذلك على معرفة احوال بسطاء الناس ومشاكلهم والتي استخدمها في قصصه ورواياته لاحقا. وغادر العراق في العام نفسه الى لبنان حيث عمل مدرسا للغة العربية. وفي فترة وجوده في الصين حيث عمل مترجما في دار للنشر هناك ترجم مجموعة من اعمال الشاعر الصيني لو شين. وبعد قيام ثورة 14 تموز/يوليو 1958 في العراق شارك في نشاط اتحاد الادباء العراقيين وفي اصدار الصفحة الادبية لجريدة " اتحاد الشعب". وفي مطلع الستينيات بدأت حياة غائب في موسكو حيث خصصت له شقة من غرفة واحدة بالقرب من محطة مترو" الجامعة". وكان يقضي صباح كل يوم في ترجمة شتى النصوص من اجل دار النشر " التقدم" واغلبها لم يكن من الاعمال الادبية.
وذكر لأحد اصدقائه مرة وهو يقلب الاوراق على طاولته : انا لا افهم شيئا في تربية الاغنام فكيف اترجم مثل هذا الكلام؟ علما ان لغته الروسية كانت ضعيفة واعتمد كثيرا على المعاجم او المقارنة مع النصوص الانكليزية. وكان يفعل ذلك حتى لدى ترجمة اعمال الادباء الروس مثل بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي. وكان يلتقي مع الشخصيات الثقافية الموجودة بموسكو او تزور روسيا ومنها الرسام محمود صبري وعبدالوهاب البياتي وفريدالله ويردي ومحمود درويش وعبدالرحمن الخميسي وسعيد حورانية. كما لم يكن غائب يفوت اية مناسبة يقيمها العراقيون او العرب سواء امسية ثقافية او مجرد لقاء في المناسبات الوطنية.وشارك بنشاط في جمعية الكتاب والفنانين العراقيين في الاتحاد السوفيتي التي تولى رئاستها. وفي تلك الاعوام من الستينيات تعرف غائب على رفيقة حياته في المستقبل اينغا فرمان التي كانت طالبة دراسات عليا متخصصة بالادب الالماني. وتم التعارف في احدى قاعات مكتبة لينين كما روى غائب لأصدقائه. ورزقا فيما بعد بولد هو سمير غائب فرمان . وكان غائب غالبا ما يزور المكتبات بموسكو لمطالعة كتب التراث العربي مثل " الاغاني" و"مقامات الحريري" وغيرها بالاضافة الى الكتب التاريخية والاجتماعية.
وتعتبر مرحلة السبعينيات من اهم مراحل حياة غائب طعمة فرمان بموسكو حيث بدأ فجأة وبدون سابق انذار بكتابة روايته " النخلة والجيران".وحدث ذلك بعد ان اجريت له عملية استصال الرئة المصابة بالتدرن. وخرج من المستشفى بروح جديدة اذ كان غالبا ما يتذكر والدته واخيه علي واشتد حنينه الى الوطن الذي لم يستطع الرجوع عليه بسبب الظروف السياسية. ولدى كتابة الرواية كان يلح ايامذاك في توجيه الاسئلة على العراقيين المحيطين به حول القضايا المتعلقة بالحياة في بغداد وازقتها ومحلاتها. وكان لصدورها صدى كبير في الاوساط الادبية العراقية والعربية.
لأنها اعلنت عن مولد روائي عراقي من المستوى الرفيع. وتعتبر هذه الرواية بحق اول رواية عراقية صميمية ذات بنية ادبية متينة ورسم دقيق للشخصيات وسلوكياتها.واعقبت هذه الرواية الاعمال الروائية الاخرى . علما ان احداث جميع الروايات تجري في العراق وليس في روسيا، وعندما سئل مرة لماذا لا يمكتب رواية او مسرحية عن الحياة في الغربة اجاب بأن السلبيات في مجتمع المغتربين كثيرة ولا يريد استثارة احد. علما ان جميع شخصيات روايات غائب تقريبا مستوحاة من شخصيات واحداث حقيقية عاشها او عرفها الكاتب.
وقد انتقل غائب طعمة فرمان الى جوار ربه في 17 أغسطس/آب عام 1990 ودفن في مقبرة " تريوكوروفا" بضواحي موسكو .
أعمال غائب طعمة فرمان القصصية والروائية :
- حصاد الرحى / مجموعة قصص / 1954
- مولود آخر / مجموعة قصص / 1955
- النخلة والجيران / رواية / 1966
- خمسة أصوات / رواية / 1967
- المخاض / رواية / 1973
- القربان / رواية / 1975
- ظلال على النافذة / رواية / 1979
- آلام السيد معروف / رواية / 1980
- المرتجى والمؤجل / رواية / 1986
- المركب / رواية / 1989