عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2010, 04:18 AM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لمن تُـهدى آيات الله ومعجزات قرآنه العزيز ؟

غفل المنتقدون لوجود الإعجاز العلمى فى القرآن عن الهدف والحكمة من الإعجاز الشامل للقرآن الكريم فى نقطتين ..
الأولى

وهى الأهم .. أن آيات الإعجاز تظهر لجميع الخلق لكنها تتفرع فى التأثير والبيان باختلاف الفئة الناظرة إليها كما سنرى
والثانية
عندما ظنوا أو اتهموا أننا قائلون باعتبار القرآن مرجعا للعلوم وهو قول ننزه أنفسنا منه لأنه ينزل بالقرآن لمفردات منطق البشر ..
والقول باعتباره مرجعا للعلوم محاولة تسطيح لقضية الإعجاز أو لخلق تناقض بين العلم المتغير واليقين الثابت بالقرآن وهى قولة الحق التى أُريد بها الباطل كما سنرى فى تفصيل هذا العنصر

فبالنسبة للنقطة الأولى وهى ظهور آيات الإعجاز للجميع واختلاف النظرة إليها

فالقرآن مرجع للإيمان وتطبيقه فليس الإيمان ـ كما عرفه الرسول عليه الصلاة والسلام ـ
ما وقر بالقلب وفقط بل يلزم له تصديق العمل كشرط أساسي ولهذا فهدف الإعجاز هنا زيادة إيمان القلب وتثبيته بالإضافة إلى كشف بعض خوافي الحياة من حولنا بالتدبر فى آيات الله الكريمة
لمن آمنوا .. تزيدهم إيمانا .. ولمن كفروا تصديقا للتحدى القائم بالقرآن منذ نزل فمن شاء آمن ومن شاء كفر
والفئات التى فى قلوبها مرض فتلك يزيدها الله مرضا ..
وهم أولئك الذين أخضعوا آيات الإعجاز لمقياس الإختبار والموازنة وكأنى بهم يبحثون عن الإثبات أولا قبل أن يقولوا بالإعجاز رغم انتمائهم لعقيدة الإسلام التى يمثل القرآن فيها حجر الزاوية ويُخضعون فرائد الإعجاز للنقد والمناقشة مع أسبقية التشكك والإنكار باعتبار أن فكرهم قائم على اعتبار الدين الاسلامى عقيدة لها مجالها المحصور فى نطاق العبادة وفقط أما بقية شأن الدنيا فللعقل حُكمه الحر فيها !
وتلك الفئة من المستحيل أن توقن بآيات الإعجاز حتى لو نطقت عيونهم بتصديقها وذلك تنفيذا لوعد الله فى القرآن الكريم عندما أشارت آيات القرآن العزيز صراحةً إلى أن هدى القرآن للمتقين وحدهم الذين يؤمنون بالغيب ويوقنون بتنزيه القرآن عن شبهة القصور وذلك فى أكثر من موضع .. بينت فى تفصيل الإختلاف بين الفئات الثلاث
تأتى الآية الكريمة من سورة الأعراف فتبين بوضوح أشد باستحالة هداية من يتكبر .. إلى هدى الآيات الإلهية
يقول تعالى
" سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق

والآية قطعية الوضوح ودلالتها بالغة الدقة باختيار الله سبحانه للفظ " آياتى " وكأنها تتحدث عما نتحدث عنه اليوم من أن الله عز وجل سيصرف عن آياته ومعجزاته الذين يتكبرون ويجعلون من آيات الله مجالا للإختبار أو التشكيك أو التساؤل .. فإن نجح صدقوا وإن فشل كذَبوا !
ولذلك ..
وإذا عدنا للدقة المطلقة فى الآية الكريمة السابقة سنجد أن الله تعالى استخدم تعبير " سأصرف عن آياتى " ولم يستخدم تعبير " سأحجب آياتى "
بمعنى أن الآيات الموجودة والفاعلة والظاهرة لن يختل بها هذا الظهور بل سيكون الإختلال عند الـمُستقبل المختل الإدراك بصرفه عن رؤية هذا الوضوح
كما لو أن الآية الإعجازية تكون مشهدا قائما فمن الناس من يراها واضحة نظرا لوجود العافية فى بصره .. ومنهم من يراها مشوشة نظرا رمد فى بصره يدفعه للتشكك .. ومنهم من لا يدركها نظرا لكَفٍ فى بصره
نخلص من هذا إلى حقيقة فلسفية بسيطة وهى أن وجود وظهور الآيات الاعجازية شيئ .. والإعتراف والتأثر بها شيئ آخر تماما ..
فالآيات الإعجازية بكلتا حالتيها حال ظهورها علميا ومطابقتها بالقرآن أو حال اكتشافها عن طريق التدبر والتفكر بالقرآن وبالنسبة للجميع سواء موقنين أو مرتابين أو ملحدين هى ظاهرة وواضحة .. أما الإختلاف الذى تحدثنا عنه ورأيناه واضحا وقطعيا بآيات القرآن العزيز .. هو إدراك حكمة الخالق فى تلك الآية الظاهرة ..
وهو الشيئ الذى يختلف بإختلاف ردة فعل العين إزاء هذا الظهور المعجز ففي حالة اليقين المسبق ينصرف المؤمن إلى عين اليقين بعد حق اليقين .. وفى حالة المتكبر لا تزده الرؤية البرهانية إلا تكبرا ومكابرة ومحاولة لتثبيت وجهة نظره بالتصديق أو بالتكذيب .. وبالنسبة للملحدين فيختلف التأثير حسب أعماق كل منهم وما بها فمنهم من يشهد لله مؤمنا موقنا وقد رأى رسول ربه فى آياته برهانا قاطعا ومنهم من ينصرف عنه
ويمكننا تفصيل الفئات الثلاث كالتالى

الفئة الاولى / المؤمنون الموقنون لهم آيات الإعجاز هداية

يقول عز وجل
( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون )
فالآية الكريمة صريحة فى الإشارة إلى وجوب توافر اليقين المسبق والثقة المطلقة بالله عز وجل ليتوافر الإدراك بما يكشفه الله تعالى من آياته لأن الله سبحانه وتعالى أجَل وأعلى من أن يقبل الخضوع لإختبارات البشر لأنه الغنى العزيز عن ذلك
فالهدف من رؤية إعجازية القرآن ـ بالنسبة للمؤمنين ـ ليس الفخر بذلك وليس للتيقن من وجود الله أو التثبت من أن القرآن قد نزل محكما من عنده ..
يقول تعالى
( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين )

أى أنه كان للتأمل الإيمانى لزيادة الإيمان عند من يملكه فعلا .. فيصبح علم اليقين هو عين اليقين ولذا يلزم لإطمئنان العين استقرار إيمان القلب أولا وإلا استحال الوصول للإدراك ..
ولنتأمل العتاب الربانى البالغ الرقة الممزوج بالنصح الإلهى للمؤمنين ألا يكونوا كأهل الكتاب طال عليهم الأمد فقست القلوب وعمت عن إدراك الحق وهم أول العارفين به
يقول تعالى
( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )
من هذا الذى يتمالك نفسه أمام هذا العتاب المباشر من رب العزة سبحانه والنصح القاطع المشفق على عباده المؤمنين أن يكون الحق بينهم ولا يتمسكون به موقنين ..
فالإيمان هو مبدأ الطريق لزيادة استقرار الهداية بآيات الله عز وجل ,,
فعندما سأل سيدنا ابراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى بادره الله عز وجل بالسؤال والتثبت من إيمانه فأجابه إبراهيم عليه السلام أن الإيمان واقرٌ بالقلب والسؤال لإطمئنان العين فقط كما فسره المفسرون وكما تروى الآيات الكريمة هذا الموقف بقولها

( َ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

وبالتأمل فى الآية الكريمة السابقة نكتشف أن الإيمان المسبق كان شرط البيان من الله عز وجل ولو لم يجب إبراهيم عليه السلام بالإيجاب لما كشف الله له وأجابه إلى طلبه مطلقا لأنه وكما سبق القول هو الأعز الأحكم المنزه المستغنى عن اختبارات وشكوك عباده
ولو دققنا فى خاتمة الآية سنجد أن الله تعالى فى محكم بيانه قد ختم الآية بقوله " واعلم أن الله عزيز حكيم " وهو إخبار وتنويه بالعزة المطلقة لله تعالى فى خطابه لإبراهيم عليه السلام تحمل ما معناه " أننا أجبناك إلى طلبك لتطمئن ونحن فى عزة وغنى عن ذلك "
يقول عز وجل
" والذين آمنوا زادهم هدى " .....
فما أبعدنا عن آيات الله عز وجل ووضوحها
واليقين المطلق الذى لم يهتز ولم يتذبذب كان هو المعيار الذى رجح به الصديق أبا بكر سائر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقدم عليهم بالفضل واستحق أن يكون ثانى اثنين إذ هما فى الغار وبهذا الشأن قال رسول الله عليه الصلاة والسلام
( ما من أحد دعوته إلا وكانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم )
وقال أيضا
" لو وزن إيمان أمتى بايمان أبي بكر لرجح إيمان أبو بكر "
وقال أيضا
" لا يفضلكم أبو بكر بصلاة أو صيام ولكن بسر وقر فى قلبه "
وموقفه المشهود عندما أُسري بالنبي عليه الصلاة والسلام وكذَبه وتلجلج فى الأمر حتى الرجل الذى كان مجيرا له اما أبا بكر ..
فقد صدح بالإيمان المطلق كما تروى أحداث الواقعة كالتالى
وقالوا له .. أسمعت ما يقول صاحبك؟ قال: وما يقول؟
قالوا:
يزعم أنه أسرى به إلى بيت المقدس ورجع من ليلته!!
فقال رضي الله عنه
إن كان قال ذلك فقد صدق والله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فكيف لا أصدقه في ذلك؟

وتأملوا العبارة يا أهل الفكر " إن كان قال فقد صدق .. "
دون ذرة واحدة من التردد وأمام قول من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام لا كما يفعلون اليوم أمام آيات بالغة الوضوح بالقرآن الكريم ذاته
وينضم إلى فئة الموقنين المؤمنين من أراد الله بهم خيرا من غير المسلمين فوصلوا للحق عن طريق استقبال الإشارة الربانية على جانبها الإيجابي بخلاف القسم الثانى من نفس الفئة والذين رأوا الآيات بأعينهم وطرقهم فما زادهم هذا إلا كفرا .. فما من بشري على وجه الأرض إلا ويتلقي تلك الإشارة فى مدى عمره ومن آية إلهية تناسب حياته لكى لا يدعى على الله ظلما يوم القيامة أنه وُلد فى مجتمع كافر ولم يكن لديه ما يشير إليه بخالق أو بإسلام
وهم الذين نجد وصفهم فى القرآن العزيز بأولى الألباب الذين تفكروا فى خلق السموات والأرض فكان التعبير التلقائي المنبهر " ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك .. " يتبعه الشعور الجارف بالخشية فيكون الإستطراد " فقنا عذاب النار "
يقول تعالى ..
‏( ‏إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب‏*‏ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) .........

ومن أمثلة الموقنين الذين أسلموا لله عز وجل عقب إدراكهم للعظمة الربانية فى آيات إعجازه .. ملايين الأمثلة منذ عصور الاسلام الأولى لدى الموقنين والمستجيبين من غير المسلمين ومن أقطار لم تعرف ولم تدرك وما زالت تتكرر حتى الآن
فبمطالعة التاريخ الاسلامى نجد أن غزوة اليرموك قد احتوت على صور متعددة من صور الإشارة الهادية لواحد من قواد الجيش الرومانى نفسه إضافة على احتوائها لصور إعجاز الله تعالى بشكل أوضح من أن يُوَضح ..
والقصة ـ كما ينقلها بقلمه الفاتن كاتبنا الكبير خالد محمد خالد ـ بدأت عندما كانت جيوش الخلافة الإسلامية تدك حصون الرومان والفرس الإمبراطوريتان العظميان فى ذلك اليوم وتخوض القتال مع الدولتين فى ذات الوقت وفى أكثر من سبع جبهات كاملة بقيادة كبار القواد فتولى أمر جبهات الفرس المثنى بن حارثة وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد فى بدايات فتح فارس .. ثم تولى الجبهات الرومانية عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان ثم خالد بن الوليد بعد تركه القيادة للمثنى بن حارثة بالعراق ثم معاوية بين أبي سفيان
وكان الفرس قد توالت هزائمهم أمام الجيوش الإسلامية الفقيرة عدة وعدة الممتلئة بالعقيدة عزما ومضاء .. وبشكل جعل قلوب الرومان تنخلع رعبا بكل تاريخهم العريق وخبراتهم العريضة بالقتال .. فتردد الإمبراطور الرومانى فى خوض الحرب بالشام لكن وزراءه بالغوا فى التصميم على إنهاء الدولة الاسلامية الفتية ذاتها وليس مجرد ردها عن حدودهم .. فأشاروا على الإمبراطور بتوحيد الجيوش الرومانية وقوادها تحت لواء واحد عقدوه لأعظم قوادهم " ماهان " ..
وبلغت الأنباء الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قواده القلقين بالشام فلم يزد أن قال لمن حوله " والله لأشفين وساوسهم بخالد " وأصدر أوامره لأعظم القواد العسكريين فى التاريخ " خالد بن الوليد " بترك الجبهة الفارسية وسرعة الإنطلاق لقيادة الجيوش العربية التى توحدت فى انتظاره بالشام لمواجهة جيش الروم العملاق والذى بلغ زهاء مائتى وأربعين ألف مقاتل مع دعم واحتياطى استراتيجى يبلغ نفس العدد تقريبا إضافة إلى عدة وعتاد ومؤن تكفي ضعف الجيش مع أسلحة ـ فى عصرها ـ كانت أسلحة القوة الغاشمة
وفى الشام عقب وصول خالد بن الوليد رضي الله عنه اجتمع مع قواد المسلمين الذى اتحدوا فى انتظاره وبدأ حديثه بتعديل قرار الخليفة الذى جعله قائدا للجيوش الموحدة وأشار على رفاق السلاح بتبادل موقع الإمارة كل يوم بحيث يتسيدها الجميع .. وتلك الفلسفة المعجزة من بن الوليد كان لها مفعول السحر لإبطال أى فتنة تلوح ولو من بعيد بأذهان القواد المقاتلين
وقام خالد بعدها بتقسيم جيشه إلى فرق منتظمة ثم قسم نفس الفرق إلى كتائب وجعل منها كتائب فدائية للعمليات المستحيلة قوام الكتيبة الواحدة منها لا يتعدى مائة فرد فى جيش المسلمين الذين لم يبلغ أكثر من عشرين ألف مقاتل أى ما لا يجاوز 4 % من جيش الروم خلافا للفارق العتادى والنوعى بالأسلحة الغير متصور ..
ووضع خالد خطته الحربية للمعركة بشكل دقيق كان سيثير ذهول الروم لو أدركوه قبل المعركة لأنه استفاد من تجارب الحرب مع الفرس وأيقن أن مبادئهم واحدة فى استراتيجية القتال فتوقع ـ إلى حد التطابق ـ كل انسحاب وكل خطوة وكل هجوم فعله الروم حتى قيل فى ذلك الوقت أنه لو توقع عدد ضربات السيوف لما خاب فى ذلك ..!
وجعل للنساء الملحقين بكتائب الجيش دورا حربيا لأول مرة حيث أسلمهن السيوف وطالبهم بالوقوف فى مؤخرة الجيش مع أمر صارم بقتل كل من تسول له نفسه الهرب أثناء المعركة وشدد أكثر من مرة على هذا ليقينه الثابت منذ أربعة عشر قرنا أن انسحاب جندى واحد من معركة يعود بالسلب على الروح المعنوية لسائر الجيش
وبدأت الجولة الأولى للمعركة وتساقط الروم كالذباب بالرغم من كل براعتهم وقوتهم وأساطيرهم التى ملأت كتب تاريخهم ولا زالوا يفاخرون بها حتى اليوم بأوربا على الرغم من الزمن السحيق قبل الميلاد الذى شهد تلك الوقائع عن حضارة الرومان والإغريق ..
ولا زالت الأساطير التى تحكمها الخرافة تسيطر على العقول الأوربية فى شأن تاريخهم العتيق وهو ما نراه فاعلا فى إنتاج الأفلام السينمائية عن تلك المرحلة بشكل متجدد وكان آخر تلك الأفلام ـ فيلم مائتى مقاتل ـ الذى يحكى عن قائد جيش اسبرطة القديمة الذى تمكن من وقف زحف الفرس على مدينته بمائتى مقاتل قُـتلوا جميعا بعد صمود لأيام لتخرج اسبرطة بجيش قدره عشرة آلاف مقاتل ..
ولا زالت أساطيرهم تروى عن هرقل " هيركليز " وأخيل " أخيليس "وفوارسهم الذين ملئوا العالم رعبا وكل تلك الأقاصيص التى اتسمت بمبالغات رهيبة عن قوة إلهية تسكن أجساد هرقل من أثر والده كبير الآلهة ليتصدى لمؤامرات زوجة أبيه " هيرا " .. وأخيل الذى اكتسب قوته من أثر غمس أمه له بالنهر المقدس وكانت تمسك به من كعبه فكان هذا الكعب هو نقطة ضعفه الوحيدة والتى قتله أعداؤه من خلالها !
ـ تلك الأساطير التى يتمسكون بها بعنف بالغ واعتزاز شديد .. لسنا ندرى أين هى عندما نريد أن نفعل نفس الشيئ ونتمسك بتاريخنا فإذا بالمغيبيين فى أوطاننا يتهموننا بالغرق فى أوهام التاريخ بينما نفس الفعل مع الغرب يعدونه تذكارا بفضل الحضارة .. ولله فى خلقه شئون ..! ـ

فأين أساطير الغرب الخيالية تلك من أساطيرنا الحقيقية والتى رواها تاريخهم ذاته قبل تاريخنا عن خالد بن الوليد القائد العسكرى الذى لم يُهزم قط طيلة عمره ولم يخسر معركة سواء مواجهة فردية أو جماعية .. هذا القائد الذى نقل لنا التاريخ الأوربي مقولة تكفينا عنه فخرا فقد قال المؤرخون الغربيون " لم يخلق فارسٌ كخالد بن الوليد كى يقاتل فى البدوية لأجل الإبل والضأن بل كان قائدا ملهما حقيقيا "
وهو نفس القائد الذى أثار انبهار الجيش الرومانى كله من وقائع موقعة اليرموك والتى شهدت أعاجيب الفدائية الإسلامية وأثر ما تصنعه العقيدة بأعماقهم فقد شهد الروم حوار عكرمة بن هشام والذى وقف مناديا فى صحبه " هل لكم حاجة عند رسول الله فإنى قد عزمت على الشهادة " ..
فصاح به أحدهم " أبلغه منا السلام وقل له أننا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا "
وانطلق عكرمة وبعض رفاقه إلى صفوف الروم واخترقوها مجندلين أضعاف عددهم قبل أن ينالوا الشهادة من رب العالمين .. كما شهد الروم كتيبة الصاعقة التى بلغ قوامها مائة قاتل وقادها خالد بنفسه إلى للإنقضاض على ميسرة الروم والتى بلغ عددها أربعين ألف مقاتل فأفنوا منها من أفنوا وفر الباقي لتتصدع ميسرة الجيش الرومانى كله وتنتهى ..!
كل هذا القتال وكل تلك العقيدة أثارت شتى المشاعر فى أعماق الروم فمنهم من زادتهم حقدا ومنهم من لفتت نظره إلى شيئ آخر وهو يشاهد قائدا بدويا مثل خالد لم يمارس القتال المنظم ولم ينشأ فى كتائب العسكرية ومع ذلك أعطاهم دروسا وابتكارات عجزت مداركهم عن متابعتها فى فن التخطيط وهم يرون أصحابه ينادونه بسيف الله فقام واحد من قواد الروم وهو " جرجه الرومانى " ووقف فى أرض الحياد أثناء إحدى فترات الراحة داعيا خالد لحواره .. فذهب إليه خالد فوجده يقول له " اصدقنى القول ـ فالحر لا يكذب ـ يا قائد المسلمين هل أنزل عليكم ربكم سيفا من السماء فأعطاه لك فبه تقاتل ؟! "
( وهى نفس نظرية عقار الشجاعة التى فتكت بعقول الاسرائيليين فى أكتوبر ! )
فهز خالد راسه نافيا .. وقال " إنما بعث الله رسولا منا إلينا فمنا من كذَبه ومنا من صدقه وكنت فيمن كذبوه حتى أخذ الله بقلوبنا إلى الإسلام وهدانا للرسول عليه الصلاة والسلام فبايعناه فقال لى أنت سيف من سيوف الله فبذلك سمُيت "
فواصل جرجه أسئلته عن الإسلام وعقيدته ثم تساءل " هل يكون لمن يسلم اليوم نفس المثوبة والأجر .. ؟!"
فقال خالد " بل له أكثر .. لأننا عشنا وشاهدنا معجزات الله تعالى فى رسوله الكريم بينما غيرنا آمن به ولم ير ما رأينا .. "

فطلب جرجه من خالد أن يعلمه الإسلام .. وبالفعل قام خالد إلى صاحبه الرومانى فعلمه وتوضأ جرجه وصلي ركعتين فقط هما كل ما صلاه فى حياته لأنه انضم للمسلمين بعد ذلك واستشهد فى الجولة التالية لإسلامه مباشرة !
وضرب المثل بمسلم تابعى سابق فى الإيمان ورتبته التى تلت إسلامه مباشرة ثم احسانه الذى تلى إيمانه فى نفس الوقت و أنزله مرتبة الشهداء الأُول بعد ركعتين فقط فى كامل حياته ..
فهل كان السبب فى تفوق العرب هنا وتكوينهم لدولتهم تلك فى فترة مثل فترة تكوين الدولة الاسلامية .. أمور تعتمد على المقاييس الدنيوية .. ومنجزات الإنسان كما نسمعها اليوم .. !
بالطبع لا ..
وإلا لوقفنا فى حيرة أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ بكل ما اشتهر عنه من صلابة ـ وكان قبل اسلامه متأثرا بثقافة قومه التى كانت تُـعد حلفاء فارس والروم من قبيل الجيوش القاهرة فما بالكم بالروم وفارس ذاتها !
فقد كان العربي إذا أُوقظ من نومه فجأة يهتف فى من أيقظه منزعجا .. " ماذا حدث .. هل هجمت غسان ؟! " ..
فأين تلك الثقافة وما شابهها من ثقافات العداء والتناحر بين القبائل العربية المختلفة قبل الإسلام .. من تأثير الإسلام وعقيدته والتى خلقت من العرب قوة عظمى خارقة .. تمكنت من دحر أساطير الدول التى لها فى عمق التاريخ آلاف السنوات من العسكرية والقدرة ..
وهل يمكن القول بأن العرب تجمعت هنا بمنجزات بشرية .. وأنهم لولا تفرقهم هذا لأصبحوا قوة عظمى لصبرهم وجلدهم على القتال؟
كلا بالطبع
والا لوقفنا بلا تفسير أمام حروب الردة التى واجهها أبو بكر الصديق خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد تنوعت جيوش الفتنة بآلاف مؤلفة فى شتى أنحاء الجزيرة العربية وكان المقاتلون عرب أشداء .. بل وكان أخطرهم مسيلمة الكذاب الذى تمكن من حشد ضعف ما حشد خالد بن الوليد لحربه ..
ومع ذلك اندحرت جيوشه وجيوش الفتنة كلها بالرغم من أنها كانت جيوشا متعددة فى مواجهة جيش المسلمين الذى تم تقسيمه بعدد الجبهات التى تفجرت
فكيف يمكن القول بأن العقيدة ينحصر دورها فى فترات عبادة وفقط ..؟!
وكيف يمكن القول بأن الإسلام ليس هو المرجع الرئيسي بل والوحيد للحضارة الاسلامية بأكملها ؟!
وكيف لا يمكن إدراك التعبير القرآنى الواصف لحال هؤلاء الأفذاذ الذين بلغوا القمة فى كل شيئ وهم يرددون
( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) .....
وأيضا تلك الحكاية التى يرويها لنا التراث العربي فى أكثر من موضع ـ منها المستطرف للأبشيهى ـ عن إحدى الجوارى الغربيات والتى كانت لأحد أئمة المسلمين فى العصر العباسي وكانت رومية لا تحسن من القرآن حرفا واحدا ففوجئ بها سيدها وقد أتت إليه مستيقظة من نومها فزعة تستنجد به قائلة " يا مولاى علمنى فاتحة الكتاب .. "
فذهل الإمام لطلبها الغريب وجلس يستفسر منها فقصت عليه حُلمها الذى استيقظت منه توا وكيف أنها رأت كأنه يوم القيامة والناس وقوفٌ صفا أمام الجنة يستعدون للدخول وهى من بينهم تتابع الحاجب الذى استمع من كل وافد إلى سورة الفاتحة كشرط لدخوله فلما جاءت سألها فأجابت بأنها لا تحفظ فاتحة الكتاب فقال لها لا يدخل الجنة إلا من حفظها .. فاستيقظت باكية تطلب للإمام تعليمها ..
فتمالك الإمام نفسه وعلمها الفاتحة حتى أتقنتها وما إن تمكنت من قراءتها كاملة حتى انتفضت وصعدت روحها إلى بارئها !

وفى العصر الحديث ظهرت الإشارة لمختلف البشر وتنوعت النتيجة بين المؤمنين والكافرين ..
ولعل من أوجه الغرابة الحقيقية والتى تشي بعظمة هذا الدين القيَم وعظمة كتابه ما حدث من تشويه رهيب ومرَََََكز على الإسلام والمسلمين ووصْمِهم بالإرهاب عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 م بالولايات المتحدة ونظرا لقوة الضربة التى نالت من الولايات المتحدة نفسها لأول مرة فى تاريخها القصير وهى التى لم تشهد تخريبا حتى أثناء الحرب العالمية الثانية .. كان من الطبيعى مع حملات التشويه أن يزداد فضول المواطن الغربي للتعرف على تلك العقيدة التى نفذ معتنقوها ـ كما يتصورون ـ مثل هذا الحادث الرهيب ..
فماذا كانت النتيجة ؟!
جاءت النتيجة مذهلة ومؤكدة على غياب الوعى عنا نحن أصحاب البادئة فى هذا الدين .. فقد انضم نحو مائتى ألف أمريكى للإسلام عقب دراساتهم الموسعة فى الدين والفكر الاسلامى ومعرفته حقا ومع كل حرف قرأه كل واحد منهم لأجل أن يحارب تلك العقيدة .. اكتشفوا أن هذا الدين وهذا الفكر كان أعمق وأغزر مما تخيلوه ولطبيعتهم العملية رفضوا التلقين الإعلامى وازدادوا تعمقا فكانت النتيجة أن أسلم معظمهم لله عز وجل لا سيما وأن ملايين المسلمين بالولايات المتحدة وعددهم الذى يفوق خمسة ملايين مسلم لهم الدور الفاعل هناك فى تبصير وتعليم من يسأل بالحيادية الهادفة للمعلومة
فى نفس الوقت الذى شهدت فيه الأوطان المسلمة أمثال سلمان رشدى المحتمى منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بأسوار اللجوء السياسي ببريطانيا عقب فضيحة كتابه آيات شيطانية ويشاهدون أمثال فرج فوده ونصر أبو زيد وخالد منتصر ـ وهذا الأخير لا زال فى زمرة المنتظرين المشتاقين للفت نظر السادة فى واشنطن عبر معاركه بالقاهرة داعيا مخلصا أن تستجيب السفارة الأمريكية له فتلفت إلى طواحين الهواء التى يثيرها بغبار حروفه .. وهو أول المكفوفين بهذا الغبار
وأخيرا على سالم المؤلف المسرحى المصري الذى فصله اتحاد الكتاب المصري عقب تصميمه على التطبيع مع إسرائيل ورحلاته المتوالية إلى عاصمتهم .. شاهدناه فى العاصمة الأمريكية واشنطن وقد استقبله اليهود هناك وأفردوا له صفحات أكبر جرائدهم فكتب فى الواشنطن بوست اعتذارا من عربي مسلم متحضر عانى الأمرَين من عروبته وإسلامه وناء ضميره الإنسانى بجريمة قومه فى أحداث 11 سبتمبر فجاء منزها نفسه عن تلك الوصمة التى دمغت بلاده بالإرهاب وتسببت فى ألم للشعب الأمريكى الهادى للحضارة !
ولسنا ندرى لماذا لم يكمل ضِمْنا ويعلن البيت الأبيض بيتا حراما جديدا للمسلمين المتحضرين من أمثاله ؟!
وليس هذا بغريب عليه لأن التاريخ الاسلامى و العربي نقل لنا كلام النبوة الأولى " أنه إن لم تستح فاصنع ما شئت .."

ومن أمثلة الموقنين المستجيبين لهداية آيات الله تعالى وهم زرافات عدة ..
مجموعة العلماء التجريبيين والنظريين والمفكرين الذين قادتهم نظرياتهم ومعاملهم ونظراتهم لمعرفة مدى قدرة الله فى خلقه فأيقنوا أولا بوجود الله .. ثم شاهدوا القرآن نصا صريحا على ما سبق أن اكتشفوه فأعلنوا التقديس للواحد الأحد بالإسلام فكانت علومهم طريقهم للإيمان ومنهم من كانت طريقه لمزيد من عمى البصيرة ولعل أشهر المناظرات التى دارت فى هذا الشأن .. المناظرة الشهيرة التى جمعت الشيخ عبد المجيد الزندانى أمين عام هيئة الإعجاز العلمى السابق بباكستان مع البروفيسور " ج ـ س ـ جورنجى " أستاذ علم الأجنة " الإمبريولوجى " بجامعة جورج تاون الأميريكية .. وكان موضوع المناظرة تحقيق بحث البروفيسور جورنجى حول مراحل خلق الجنين والتى ناظره فها الشيخ عبد المجيد مثبتا مرجعية تلك المراحل للقرآن العزيز وذلك فى إطار فعاليات المؤتمر العالمى الأول للإعجاز العلمى والذى انعقد بمدينة إسلام أباد الباكستانية عام 1987 م
هؤلاء هم المؤمنون حقا .. الموقنون أبدا .. من تتملكهم الخشية والمهابة إذا ذكر اسم الله تعالى .. لأنهم عرفوا جلاله ووحدانيته وعظمته المطلقة .. هؤلاء هم الذين عرفوا للإسلام حقه ولرسوله عليه الصلاة والسلام فضله ولكتابه العزيز معجزاته ومهابته التى تكفيهم شر أنفسهم .. لا كخلفائهم اليوم يتحدثون عنه كما لو كانوا يتحدثون عن مؤلفات موهبة تنتظر منهم الوجود على درب الإحتراف
هؤلاء هم من قال فيهم عز وجل
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )
ألا ما اعظمها من بشري .. بشري المؤمنين