عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
4416
 
سعاد البدري
من آل منابر ثقافية

سعاد البدري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
58

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2012

الاقامة

رقم العضوية
11526
11-03-2012, 03:04 AM
المشاركة 1
11-03-2012, 03:04 AM
المشاركة 1
افتراضي خواطر على حوض الأبيض المتوسط


رحل الأصدقاء الإخوة و رحل معهم الفؤاد و الفكر و جميع الحواس التي تنبض بحب أرض مباركة ستطأها أقدامهم و سيلمسهم هواؤها …. بقدر ما كنت فرحة عند لقاءهم الشيق و الذي تضمن جلسات عملية مهمة بقدر ما حزنت حين أقلعت الطائرة التي نقلتهم من على أرض التراب الوطني المغربي …. أصبت بكآبة و تزامن الوضع مع موعد الطبيب من أجل إجراء آخر الفحوصات حيث كانت النصيحة بعدها : عدم الجلوس كثيراً و عدم الوقوف كذلك أي عدم الإطالة في هذا الوضع و في ذاك .... و مع حبي لكم ، متأكدة من عدم قدرتي على الإبتعاد عن حاسوبي هذا لذا قررت السفر كحل للإبتعاد شيئاً ما خصوصاً أن إجازتي دنت من الإنتهاء .....

سافرت إلى شمال المغرب الحبيب و تم السفر في أحسن الظروف .... هنا تجدد الوصال بيني و بين حبي الوحيد فلسطين ،كيف ؟ ... ككل مرة و منذ كان سني إثني عشر عاماً حين وعيت من هي فلسطين و ما هو جوهر القضية .... كان أبي حفظه الله يأخذنا إلى تلك المناطق و كنت دائما أفضل الإستجمام بحوض البحر الأبيض المتوسط و كأنني بذلك ألامس ماءً يلامسه الأحباب هناك ، كبرت معي هذه العادة إلى اليوم .... نعم ، نزلت كل يوم من سفري هذا إلى مياه الحوض و لامستها و غسلت وجهي و أطرافي و استنشقت هواءها و كأنني أقاسم ذلك مع الأحباب هناك .....

مرة على المسنجر سألتني الحبيبة الغالية منى أسعد إن سبق و زرت تلك الأرض أو لا .... هي تعرف جوابي و أنا لازلت أحتفظ بتعليقها بذاكرتي و اليوم أزيد على جوابي أنني مجنونة تلك الرقعة المقدسة بفعلي هذا .... نعم لامست مياها من الممكن أن يكون الإخوة : بسام أو اشتياق أو سماهر أو رائد أو أحمد أو أهلنا جميعا هناك قد لامسوه ..... قولوا هذا جنون أو فرط من الحب أو ما ترونه يليق بهكذا تصرف ........ و يا ليت أمامي و لو شبراً من البحر الميت لأحيا على خاطرة من أجل الضفة الأخرى .... الضفة الغربية ......

أعلم جيداً المثل القائل : " البعد جفاء " و هذا بالفعل ينطبق على كثير من مواقف الحياة و العلاقات الإنسانية العادية ، و لكن حين يؤمن إنسان بقضية ما و يتعلق بها فكرياً و وجدانياً و مصيرياً فيكون المثل هذا ظلماً في حقه ... فكان لابد أن نستخدمه بتصرف حتى يبقى حبنا لفلسطين استثناءً لا يقبل الشك و الإنكار و إن عشنا بعيداً عنها ...

كنت أرى البحر دائماً على الخريطة الورقية حيث رسخت صورته في مخيلتي تماماً . لذلك حين أتجه إليه لم تكن أفكاري الجغرافية وحدها التي تسبقني إليه بل كانت مشاعري أيضاً .... و فيضاً قوياً من شوقي يسبقني إلى معانقته ... أحس حينها و كأنني قريبة من أرضي الحبيبة التي طالماً تلوع قلبي بحبها كما انتابني و ككل مرة إحساس رائع و شعور غريب دافىء ، اشتعل في قلبي و امتد ... لينساب عبر أنفاسي و نظراتي و عبر كل جزء من جسدي .... ليمضي بروحي نحو شاطىء غزة القريب البعيد ... و مازال حلمي بأن أراها حباً نابضاً لا يراوده أي شك أو ريب ....

مع كل حركة طفيفة لموج الحوض يزداد جلال الموقف و هبته و كأن شيئاً ارتد إلي و لم أشك في ذات الوقت أن تلك الأرض الحبيبة قد شعرت بوجودي و بادلتني مشاعري و أشواقي فكان حقا التواصل الروحي بيننا و أخذنا معاً نهزأ بكل الحدود و الحواجز التي لا تملك من أمر وصالنا شيئاً .....

و مضيت في الحديث معها : آه يا بلدي الأسير و كأنني أرى دموعك و إحساسي بأحزانك يمزقني كل يوم و أنا أرى ذلك يرتسم فوق سماءك و كأن المآذن و القباب تلوح بشكواك من بعيد لكل اتجاه .. لتبعثها مع كل نسمة هواء لأبنائك في كل مكان ، آه يا حبي الحزين كم تجتاحني الرغبة في الإطلالة من أعلى أسوارك لأرى ما يدور في رحابك الواسعة سعة صدرك ، بل لأرى كل ما يدور في فلسطين المحتلة المغتصبة كلها ، فلعل المساجد تمتلىء الآن بالمصلين لأداء فريضة ما و قد يهاجموا أو يقتلوا بغتة و هم سجود على أيدي الطغاة ... و لعل مدينة ما أو قرية ما تشتعل نيراناً ربما من أجل إغلاق عسكري أو هجوم وحشي أو ربما من أجل جنازة شهيد .. و لعل بطلاً مجاهداً يمضي في طريقه في هذه اللحظة ليطلق النار على المحتل أو ليضع حزاماً ناسفا حول جسده ..... راح تفكيري بكل أهل فلسطين الحبيبة و عشقي و حبي الذي لا ينازعني فيه أحد ، نعم أفكر هكذا كل يوم و ليلة فكم من عيون مسهدة تتجافى عن النوم و كم من جنوب موجعة تتجافى عن المضاجع ... و كم من ذكرى إبن شهيد ... أو زوج أسير أو أخ جريح ... أو زوج مبعد أو زوجة منفية ....

فيا أهل فلسطين الحبيبة إني أعلم علم اليقين أنكم تتألمون في كل يوم و مع كل طارىء ، كما أعلم المعاناة التي بحياتكم اليومية لهذا أتمنى أن تتقبلوا مني أن أشارككم المأساة و أنا راضية كل الرضى أن أعيشها معكم و أن أحاول الشعور و لو بالقليل من آلامكم و تذمركم و أن أعمل قدر المستطاع على نصرتكم و الوقوف إلى جانبكم ..... آه يا أغلى الأراضي لقد هيجت في جسدي كل هذه الأشجان و أنا أقف هنا على شاطىء حوض الأبيض المتوسط و ما زالت الحدود و المسافات بيننا ....


خيم الليل و أظلم الأفق إلا من أنوار القمر و النجوم بالسماء ، و تعلقت عيناي بتلك الأضواء المتلألئة التي تتناثر أمامي مشيعة جواً من الأنس فأحسست بشيء من الراحة في نهاية يومي هذا و الأخير من رحلتي و قمت بخطوات متثاقلة لأعود إلى بيت أختي لأغادر شمال المغرب في الغد باتجاه بيتي القابع بين جبال الأطلس المتوسط و سهل تادلة الغني ......




من أرشيف مدونتي