عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2012, 06:14 AM
المشاركة 370
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
.... ألَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرَاً بِنَوْمٍ ....

قالوا : إن أول مَنْ قال ذلك ذو رُعَيْن الحِمْيَري ، وذلك
أن حِمْيَر تفرقت على ملكها حَسَّان ، وخالفت أمره لسوء
سيرته فيهم ، ومالوا إلى أخيه عمرو ، وحملوه على قَتْل
أخيه حَسَّان ، وأشاروا عليه بذلك ، ورغَّبُوه في المُلْك ،
وَوَعَدوه حسن الطاعة والمؤازرة . فنهاه ذو رُعَيْن من بين
حمير عن قتل أخيه ، وعلم أنه إن قتل أخاه ندم ونَفَر
عنه النوم وانتقض عليه أموره ، وأنه سيعاقِبُ الذي أشار
عليه بذلك ، ويعرف غشهم له ، فلما رأى ذو رُعَيْن أنه
لا يقبل ذلك منه وخشي العواقب ، قال هذين البيتين
وكتبهما في صحيفة وختم عليها بخاتم عمرو ، وقال :
هذه وديعة لي عندك إلى أطلبها منك ، فأخذها عمرو
فَدَفَعها إلى خازنه وأمَرَه برفعها إلى الخزانة والاحتفاظ بها
إلى أن يَسْأل عنها ، فلما قَتَل أخاه وجلس مكانه في الملك
مُنِعَ منه النومُ ، وسُلِّطَ عليه السهر ، فلما اشتدَّ ذلك عليه
لم يَدَعْ باليمن طبيباً ولا كاهناً ولا منجماً ولا عرَّافاً ولا عائفاً
إلا جمعهم ، ثم أخبرهم بقصته ، وشكا إليهم ما به ، فقالوا
له : ما قَتَل رجل أخاه أو ذا رَحِمٍ منه على نحو ما قتلت
أخاك إلا أصابه السهر ومنع منه النوم ، فلما قالوا له ذلك
أقبل على مَنْ كل أشار عليه بقتل أخيه وساعده عليه من
أَقْيَالِ حِمْيَر فقتلهم حتى أفناهم ، فلما وصل إلى ذي رُعَين
قال له : أيها الملك أن لي عندك بَرَاءةً ممّا تريد أن تصنع
بي ، قال : وما براءتك وأمانك ؟ قال : مُرْ خازنك أن يخرج
الصحيفة التي استودعتكها يوم كذا وكذا ، فأمر خازنه
فأخرجها فنظر إلى خاتمه عليها ثم فَضَّها فإذا فيها :

ألَا مَنْ يَشْتَري سَهَرَاً بِنَوْمٍ
سَعِيدٌ مَنْ يَبِيْتُ قَريرَ عَيْنِ

فإما حِمْيَرٌ غَدَرتْ وخَانتْ
فَمَعْذِرَةُ الإلهِ لِـذِي رُعَيْنِ

ثم قال له : أيها الملك قد نَهَيتك عن قتل أخيك ، وعلمتُ
أنك إن فعلت ذلك أصابك الذي قد أصابك ، فكتبت هذين
البيتين بَرَاءة لي عندك مما علمت أنك تصنع بمن أشار عليك
بقتل أخيك ، فقبل ذلك منه ، وعفا عنه ، وأحسن جائزته .
يضرب لمن غمط النعمة وكره العافية .