الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-14-2013, 03:50 AM
المشاركة 27
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



ارتديت جديد ملابسي ،مشطت شعرى الغزير الطويل ، وقفت برهة أمام المرآة قائلا :" أنت أجمل تستحق كل شيء جميل " دخلت دار العريس ، موائد وضع بعضها على بعض مرصوصة في طبقات ، نساء القرية يغسلن الأواني و يرتبن المنزل استعدادا لاستقبال الضيوف ، الشمس قد مالت إلى المغيب ، حركة دائبة وأوامر صارمة تعطى لشباب القرية المشمرين عن سواعد الجد لإنجاح الحفل ، هذا يحمل غلاية ، و الآخر يوقد النار ، هذه تسأل عن ابنها الصغير ، وتلك عن زوجها . كلفني والد العريس بأحضار بعض الأفرشة من بيتنا ، اغتنمتها فرصة ، ، سلمت ما طلب مني لبعض المتحمسين لأداء الخدمة ، هبطت إلى الوادي كل شيء لبس حداد الليل ، سيجارتي كبرت شعلتها ، أدركت أني أدخن بعصبية ، " أينك يا مولاتي ، قد تكونين اللحظة في مرقص ، وربما في حديقة تتلألأ أنوارها ، أما أنا فهنا على ضفة هذا الوادي المظلم ، لو أنك معي لأشرقت الشمس غصبا عن قتامة الليل " سمعت رنينا قادما من الشرق قمت من مقامي ملبيا كما نفعل عن سماع جرس المدرسة ، تعالى ضجيج السيارات و تسارعت خطواتي صوب دار العريس .
شيب وشباب ، ذكور وإناث ، تحلقوا حول الموكب الراسي أمام منزل تنبعث منه الأنوار و يشاهد من كل مداخل القرية ، الأطفال في تدافع وركض ينم عن قوة فضول و نزق مشاغب ، تعتريهم نشوة عارمة وهم يشاركون الكبار مراسيم الاستقبال ، على عتبة الباب تقف نسوة يرددن أشعار الترحيب بالزوار ، ألحان روحانية لا تسمع إلا في مثل هذه المناسبات ، نغمة لها ثقلها على القوب وتحض الشباب على الإقبال وعدم الإدبار تراهم وقد تصلبت ألسنتهم فالنغمة شدت قلوبهم و توغلت في أعماقهم لتتملكهم نوبة سكون و استرخاء . فتيات القرية في أزيائهن التقليدية يحملن أطباق مزدانة بالزهور والعطور و البخور وهن يسترقن البصر نحو السيارات الواقفات حول في ساحة المنزل ، هذه رأت شابا وتلك نساء يترجلن من السيارة وأغلبهن يحدقن في السيارة الأمامية حيث توجد فتاة ملثمة ، من باب المؤكد أنهن يموضعن أنفسهن مكانها و كلهن شغف لليوم الذي ستعلن الأفراح بزفافهن .
تتقدم امرأتان صوب السيارة التي فتح بابها الخلفي لتنزل منه أخريان أسرعت إحداهما إلى فتح الباب الأمامي و همست في أذن الفتاة الملثمة وهي تحاول إنزالها من عرشها بلين ومرونة ، سلمت العروس للقادمتين بعد أن تناولت رشفة من زليفة حليب وقضمت من ثمرة لتملأ الزغاريد المكان و تتصاعد الهتافات و تتوالى المواويل .الورود تناثر على رؤس النساء الللائي يحطن الملثمة عند وصولها إلى عتبة الباب ، التفت الجميع إلى مصدر الزهور وحبات اللوز والجوز المتطايرة في الفضاء فإذا بشخص ماثل على سطح المنزل بجلبابه الأبيض و خنجره الفضى ونعليه البيضاوين بمعية وزيره يقذفان الورود ذات اليمين والشمال حتى ابتلع المنزل العروس و بقية النساء الضيفات والمضيفات .
إلى البيت المجاور سيق الذكور و أصوات الترحاب تعلو في كل مكان ، كنت مستغرقا في التفكير وصورة عائشة ماثلة أمام عيني ، صوت أبي مسحها إذ قال : " هيا قدموا الشاي للضيوف ".