الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2013, 01:11 AM
المشاركة 25
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الثانوي ، استشعار الفتوة ، تلمس القوة ، التحدي ، المغامرة ، كل شيء يبدو سهلا ، الثورة على الجاهز ، البحث عن الذات ، القفز على النقائص ، التشبت بالمثالية و الاستماتة من أجلها ، الأساتذة يتعمقون في التحليل و يسبرون أغوار النصوص ، ونستكشف المسكوت عنه و الخلفية التي يحملها الكاتب ، الفلسفة ذلك العالم الغامض الواضح ، ذلك المبرد الذي يصر على شحذ ذهن التلميذ ، فيجعله يعيد صياغة موضعه وذاته و يسائل كل الثوابت التي كانت إلى عهد قريب مسلمات لا يأتيها السؤال و لا يتجرأ عليها الخطاب ، كل شيء نسبي ، أفاق جديدة فتحت أمام العقل ، دقائق الكون ، نظامه الباهر ، الاكتشافات الجديدة في علم الحياة والأرض ، صراع الثيارات الفكرية ، الفكر المادي منعطف قلما ينجو من تأثيره أبناء الثانوي ، ناهيك عن التحليل النفسي و نظرية التطور .
الأساتذة يشحنون أتباعهم بما يغذي فضولهم المعرفي و يعمق تعصبهم لمذهبهم الفكري ، ، فكل يسقط بعضا من قناعاته الذاتية على المادة الدراسية ، و يحيل أتباعه على كتب أخرى تجعلهم يتقيدون بفلسفة شيوخهم ، كما يطيع الجندي قائده ، و يسفهون ما دون ذلك و لو كان المنطق السليم يرجح بطلان ما يدعون .
شهادة الثانوي هي كل ما يسعى إليه التلاميذ ، تغير نظام هذه الشهادة جعل مساحات البحث والتثقيف ضيقة جدا ، فكل مترشح تجده مضطرا للاهتمام بالمقررات لمدة ثلاث سنوات تتخللها امتحانات دورية تأثر على الشهادة النهائية ، الأستاذ أيضا مقيد بإنهاء برنامج كثير الكم ويقول البعض أنه عديم الكيف .
الإدارة تلك الآمرة الناهية ، كل خطاباتها عمودية ، غريب أمر هؤلاء المدراء ، كيف يتخلصون من انسانيتهم بمجرد ارتداء لحاء الإدارة ، تجد السيد المحترم ، بلباسه التقليدي أو ببذلته الزرقاء يمشي بخيلاء ، يعالج تلميذا لم ينتبه لقدوم مهابته بصفعة أو ركلة ، أو شتيمة وذلك أضعف الإيمان ، السيد ينهر العمال و التلاميذ والمربين على السواء ، إنه يكاد يحسب نفسه المالك لهذه الضيعة البشرية ، إنه الباطرون المالك لحقوق الملكية ، كنت أتحاشى الصدام مع الإداريين دون جدوى ، فحلاوة التغيب لا تضاهى ، ففي كل مرة أضطر لتلفيق وابتكار عذر يسمح لي بمغادرة المؤسسة لبضع ساعات أو أيام ، تعتريني نشوة و أنا لا أحسب للرئيس حساب ، لكن أتجرع مرارة الذل كلما رضخت لشروطهم قبل منحي ورقة الدخول من جديد .
كل من يتلقى الرسائل ترقبهم الإدارة بعين شريرة ، وصيت عائشة أن لا تضع اسمها على الظرف ، استغربت من ذلك ، لكن أفهمتها أن ذلك أنجع لبقاء التواصل بيننا .