الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-03-2013, 05:05 PM
المشاركة 23
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



ودعتها بنظرة مليئة فضولا لأشتكشف وجها خفيا تحمله هذه الزائرة جعلني أنعطف إليها كليا ، أحسست بشيء غريب يسري بدني ، رعشة برد في يوم حار ، لا أصدق أن عيني صارتا أسيرتين تتعقبان خيالها ، الذي يبتعد شيئا فشيئا حتى توارى خلف أغصان اللوز والزيتون المتعانقة عناقا حارا لا تفسده إلا رياح المساء ، نفسي مقبوضة بوعكة لا أعرف سرها ، تذكرت ماكان يعانيه الشاعر يوم حكمت عليه القبيلة بالرحيل ، تذكرت كلماته الرنانة المهزومة رغم كبريائه ، كان أستاذنا يشخص فنشعر الشعور نفسه تراه هو أيضا كان يوما شرب ن تلك اللذة الغريبة الممزوجة بحرقة مستعذبة ، واصلت مسيري بتثاقل بجانب الوادى الذي استسلم خريره للسكون والصمت أحس بكل شيء يضايقني ، زقزقة العصفور وصفير الصرار تمنيت لو أن كل شيء سكن و و هدأ مثل الوادي ليستمع لأنشودة قلبي على إيقاع شاعري يتعاظم كبرياء حينا و يخبو استسلاما أحيانا .
قرب المدرسة المشتملة على حجرة واحدة استكملت خريفها الأول ، تتوسط بيادر القرية التي ما تزال تحتفظ ببقايا القش بعد جمع المحاصيل ، قديما كان شباب القرية ينامون ليلا على هذه الأكوام مستمتعين بانتعاشة الليل و رطوبته ، بل كل أهل القرية يفضلون النوم تحت سترة النجوم على سطوح بيوتهم ، الشمس تشرف على المغيب ، بعض الصغار يلعبون كرة لدائنية بجانب القاعة ، أشاهد ألوانا من التحف الناذرة في فنون الكرة ، طفل يقذف الكرة فيسيل أصبعه دما و الآخر يرتمي فتتلطخ ملابسه و هذا يجر صاحبه فتظهر عوراته ، أتابع مع المتفرجين المباراة الذين يتغامزون ويتضاحكون معلقين على كل لقطة وأنا في وجوم وسكون وصمت على غير عادتي .
توارت الشمس خلف الجبل ، حشرجة سيارة جعلتني أستدير خلفي وأنا في طريقي إلى البيت ، سيارة فخمة ، تخالف ما ألفته عيوننا من أصناف بالية يسمع دويها من بعيد ، عكس هذه التي يفوق صوت عجلاتها وهي تعالج الطريق المحجرة دبيب محركها ، صاحبها بزيه التقليدي يدير المقود يمينا ويسارا بدقة متناهية وهو يسير ببطء السلحفاة ، كطفل لم يعتد المشي بعد ، تصفحت أرقامها بعد أن تجاوزتني كل شيء فيها يعبر عن عدم انتمائها لهذه البلاد ، إنها سيارة أجنبية .
المؤذن يصيح بملء فيه مناديا للفلاح والنجاح والصلاح ، لم أعد مواظبا على ارتياد المسجد ، ربما لكسل دب في عزيمتي ، لا أصدق تغيرات كثيرة حدثت في حياتي ، من ذلك الطفل البسيط النجيب المتصف بالخصال الحميدة ، بالنبل بالحياء ، باليقظة ، بأشياء يستحليها شيوخ القرية إلى مراهق متمرد كسول ، علبة السجائر أخفيها بين الأحجار تارة أو في قدم زيتونة بلغ بها القدم مبلغه فأضحى جذعها منخورا تسكنه الحشرات والجرذان وعلب السجائر ، أطارد رائحة التبغ بوريقات البرتقال و النعناع و العطور ، كنت أعلم أن رد فعل والدي لن يكون بسيطا ، على سلوكاتي التي يستهجنها المجتمع و يسفهها ، السيارة راسية في الساحة الممتدة أمام بيتنا و قبالة منزل ليلى ، الظلام يحلق حول المكان ، و شبح شاخص أمام السيارة ، استجمعت حذري ، شممت أصابعي رائحة النعناع لاطفت أنفي ، أخذ الشبح يبتعد عن السيارة و يقترب مني رويدا رويدا ، إنها عائشة صوتها يقول في همس : " خالد هذا أنت ، انتظرتك منذ مغيب الشمس ،
ـ هذه أنت ألا تخافين من الظلام .
ـ هل أزعجتك أم توجست مني شرا .
ـ الإزعاج لا والخوف ربما ، تعلمين حياتنا مليئة بكل أنواع الاساطير والأشرار .
ـ هل يوجد مجرمون هنا ؟
ـ كلا المكان آمن جدا ، أقصد أشياء أخرى .. لا يهم كيف تمر عطلتك .
ـ بشكل رائع كل شيء يروقني و خاصة رفقتك .
ـ أنت تكذبين..
لم أكمل كلمتي حتى أحسست بدفء شفتيها و يداها تحيطان عنقي ، شلت حركتي و وجف حلقي و ارتعشت أوصالي ، واحسست بحرارة تغمر أذناي و استفقت عند سؤالها : " ما بك ؟"
ـ لا شيء ...... فقط لم أتوقع .......ـ طيب صدقني حبيبي منذ رأيتك لا أعرف ماذا أفعل ، أعتذر إن كنت مخطئة .
ـ لا بأس كلانا روح واحدة ، ربما ما أتيت لزيارة ليلى إلا لجمع شتات هذه الروح المشردة .