عرض مشاركة واحدة
قديم 07-17-2013, 12:59 AM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي يوميات أعزب ..~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يوميات أعزب / صفاء الشويات
(1)

يوم غير عادي !


سلسلة من التخيلات فرضت نفسها على عقله الثرثار في أقل من دقيقة ، بأنه سيصنع لنفسه فنجان
من القهوة و يصقل مزاجه على أنغام السيدة فيروز ..
" الله .." ، هكذا قال لنفسه .
ثم يرتدي بزته الجديدة و ربطة عنقه الجميلة ، فيبدو مثل توم كروز وربما أجمل !
ويضع على نفسه رشة عطر فرنسي ، كان قد اشتراه مخصوصا لهذا اليوم ، أول يوم له في عمله الجديد .
ويستقل سيارته التي كان قد غسلها البارحة و جعلها مثل العروس ، هكذا يزعم ..

هذا بعد أن نهض من سريره فزعا ظنا منه أنّه قد تأخر عن عمله ، حيث كان في أول صحوته على يقين من هذا ، أدرّ على نفسه كمية كبيرة من المقت والعصبية .. حتى رمى بصره بنظرة عفوية إلى ساعة الحائط ، ليجد أن الوقت ما زال جدا مبكر .
هنا قام مبتسما ، مترنحا يغني . حيث كانت نظرته إلى ساعة الحائط كفيلة بأن تبدل مقته لنفسه وعصبيته ، إلى نوع نادر من الفرحة التي سرعان ما انصهرت في بوتقة عشوائيته !

وقف أمام شماعة الملابس حيث كانت تقبع بزته المدللة .. بدأ يتأمل القميص كي يتأكد من خلوه من التجاعيد ، ثم ألقى بنظرة متفحصة إلى ربطة العنق متأملا ألوانها الرزينة سعيدا بذوقه الرفيع في انتقاء ملابسه .
تأكد بأن حذائه لامع غارق في السواد ، و هنا سرعان ما راودته فكرة ساذجة بأن ليس هناك رجلا على وجه البسيطة أبرع منه في تنظيف حذائه .
كان يتفحص أشيائه بدقة متناهية ، حيث أول ما يتبادر إلى ذهن من يطالع حاله بأنه قد تسلم منصب مهم في إحدى الشركات العالمية !
فوضى عارمة تكسو أرجاء غرفته ، إلا الناحية التي تقبع فيها شماعة الملابس والجزء شديد الالتصاق بها و كأن تلك الزاوية من الغرفة لا تنتمي إليها ..

داهمه الوقت أثناء رحلته التفقدية تلك ، وهو لا يزال واقفا متأملا على حاله ، سارحا في ذوقه الرفيع و قدرته العجيبة على تنظيف حذائه ..
بينما تجاوزت عقارب الساعة السابعة ، وبدأت بالتوجه نحو الثامنة صباحاً ، غير آبهة بما يدور في تلك الغرف شديدة الفوضى .
شدت انتباهته ذات الساعة .. بحركة لا إرادية التصق باطن كفه بجبينه ، جحظت عيناه و ارتسمت عبسة على شفتيه ، يكاد يفوته الوقت وهو لا يزال على حاله ..
توجه نحو الحمام بسرعة البرق ، غسل وجهه وشعره ، ثم توجه نحو بزته وارتداها بوقت قياسي متناسيا أنه يجب أن يعاملها بلطف متناه ..

طوق عنقه بربطة العنق دون أن يربطها .. توجه نحو المرآة كي يسرح شعره ، لتأخذ منه تسريحة شعره والتي لم تعجبه أكثر من عشر دقائق ، ثم بدأت رحلة البحث عن زوج من الجوارب النظيفة !
وهذا ما فاته تحضيره .. !

أثناء مغامرة البحث تلك بدأ يلاحظ كمية الفوضى التي تزدحم بها غرفته ، و أخيرا بعد جهد و عناء وجد زوج من الجوارب المثقوبة ،
ارتداها على عجل مقنعا نفسه شديدة الرتابة الظاهرية أن الحذاء الأسود اللامع سوف يعلوها ولن تظهر للعيان ..

تناول مفتاح سيارته وانطلق قاصدا إياها بسرعة جنونية ، ركبها وانطلق بسلام .. ثم تذكر أنه لم يضع من عطره الفرنسي الفاخر ، فزاد محياه غرقا في العبوس .
وصل إلى مقر عمله في تمام الساعة الثامنة ، ليفاجئ بأن مديره في العمل دعا رواد العمل الجدد إلى اجتماع حال وصولهم إلى الشركة .

فتوجه نحو قاعة الاجتماعات وقبل أن يدخل لاحظ وجود شيء ما ملقى على عنقه !
هو ربطة العنق التي لم يتسن له أن يربطها ، وضعها في جيبه ، و دخل إلى قاعة الاجتماعات وكان آخر الواصلين ، ليرمقه المدير بنظرة حادة دون أن ينبس ببنت شفة .
اتخذ مكان ما حول طاولة بيضاوية الشكل كانوا يحوطونها زملائه الجدد ، حيث كان يحاذيه رجل ضخم جدا شعر بنفسه أمامه نملة – هذا ما تبادر إلى ذهنه - ..
في هذه الأثناء بدأ يشعر برغبة ملحة في الدخول إلى الحمام ، بينما كان الجميع في حالة ترقب لما سيقوله مديرهم كان هو في حالة انكماش شديد على نفسه ، غير آبه بما يدور من حوله .
وهنا بدأت رائحة كريهة بالانتشار في المكان في حين بدأت وجوه الحاضرين تميل للازدراء جراء تلك الرائحة التي أطلق أحدهم العنان لها كي تلتصق في أنوفهم جميعا .

بدأت شفتين عريضتين شديدتي الانتفاخ مائلتين للزرقة بالاقتراب من أذني صاحبنا الصغيرتين ثم انفجر في أذنيه صوت غليظ هامس .. " أكاد أختنق يا رجل .. " لم يخطر في باله في تلك الأثناء سوى أن هذا الرجل علاوة على أنه ضخم ، يملك شفتين منفرتين أيضا .
ظهرت علامات الاستياء على وجوهم جميعا ، حتى المدير الذي كان يتظاهر بأنه في حالة جيدة .
اتجه نحو النافذة البعيدة عن الطاولة ، وقال للحاضرين بصوت أجش .. " حسنا يا أعزائي ، تذكرت موعد مهم للغاية
اعذروني ، سنجتمع في وقت لاحق تستطيعون المغادرة .. "
و ها هنا تنفس صاحبنا الصعداء ، إذ صار بمقدوره أن يذهب إلى الحمام ويفك ضيقته التي لم تستمر طويلا ، إلا أن الرجل الضخم بدأ بالتحدث إليه مما دعاه لأن يُظهر له فظاظة في التعامل حتى يتركه و شأنه .. إلا أن طبيعة الرجل الخشنة كانت كفيلة بأن تمتص فظاظته كلها .
ثم لم يملك إلا أن يستأذن من الضخم بأدب و بدأ يبحث عن الحمام ، ولم تستمر رحلة بحثه طويلا .

وهنا انتهت الفترة الصباحية من أول يوم في عمله ..ليقضي يومه غير العادي كما أجمعت كل جوارحه على تسميته ، ثم هم ّبالتوجه في آخر النهار إلى منزله المكون من غرفة واحدة ، خائر القوى ، منهك الجسد .
وصل أخيرا إلى مقر الفوضى الخاص به ، استلقى على سريره ، خلع حذائه وألقاه بعيدا ، ثم وضع أحد رجليه على الأخرى ، وبدأ ينظر إلى إبهام قدمه الذي تمرد و خرج من جواربه المثقوبة .. وغرق في نوبة ضحك هستيرية استمرت لعدة دقائق ..

..... يتبع



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!