عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
3381
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
07-26-2011, 01:20 AM
المشاركة 1
07-26-2011, 01:20 AM
المشاركة 1
افتراضي أمنية الإسكندر ( بقلم - محمد فتحي المقداد)* مقالة *
أمنية الإسكندر


بقلم( محمد فتحي المقداد)*



أحببته واتخذته صديقاً, في كلّ مرة ألتقيه أدعو له بالصحة والعافية, و أشدّ ما جعلني أتوجّه إليه بهذه المشاعر الفيّاضة والمحبة, دأبه ومثابرته وسعة إطلاعه, وهذا الفيلسوف الذي بَنَيْتُ له في مٌخيّلتي صورة كصورة المعرّي أو إيبكتيتوس أو ديوجين, وكثيراً ما فاقت سيرة الفيلسوف منهم أسمى النظريات التي صاغها و أجمل الآراء التي وضعها .
فأبو العلاء المعرّي طبّق أفكاره في سيرته بأحسن مما ضمّنها في لزومياته وقبله كان سقراط الذي تجرّع السمّ راضياً, ورفض أن يهرب من حكم القانون حتى ولو كان القانون جائراً.
أما (إيبكتيتوس) الفيلسوف العبد, فقد لخّص كل الفلسفة الرواقيّة في حكايته مع سيّده الغاشم ( إيبافروديت) فقد وضع ذلك السيّد ساق عبده (إيبكتيتوس) في آلة للتعذيب محاولاً أن ينتزع منه صرخة استرحام, ولكن الفيلسوف تحمّل الألم برزانة وهدوء , وهو يقول لسيّده: إنّك ستكسرها, ولما انكسرت ساق (إيبكتيتوس), كان كل ما قاله ( لإيبافروديت) لقد قلتُ لك هذا.
و لكن (ديوجين) كان بيته عبارة عن برميل فارغ, وأثاثه كان رداءه الذي يلبسه في النهار ويلتحف به في الليل, وكان يحمل مصباحه في وضح النهار, فإذا سأله سائل عن ذلك كان يقول: إني أبحث عن رجل, وكانت آنِيَةَ بيته الوحيدة كأس يشرب بها الماء.
وذات مرة رأى صبياً يشرب الماء من النبع في حفنة كفّه, فألقى الكأس بعيداً, وقال: لقد تعلمتُ من هذا الصبي أني لا زلت أحتفظ بما لا يلزمني.
حُبّي لصديقي جعلني أتمنى أن يكون فيلسوفاً حقيقياً مختلفاً عن الكثير بينما فلاسفة اليوم موظفون بياقاتٍ بيضاء وربطات عنق حريرية يتحدثون في خلود الروح والمُثُل العليا, بينما هم متعلقون بترف العيش والملذات الدنيوية إنهم كرجال السياسة الذين يُلقون التصريحات في التقشف وهم منغمسون في الطيبات والأُبّهة بل كثيراً منهم أي من فلاسفة اليوم أعني قد اتخذ الفلسفة معبراً إلى السياسة ثم إلى الحكم بنزواته ومفاسده ومهالكه.
والنموذج الراقي الذي أرتضيه لنفسي وأصدقائي بشكل عام هو نموذج ديوجين الذي كان ابن الشعب البسيط , الحُرّ لهذا كان كل ما يطلبه هو أن يتنفس الهواء طلقاً, ويتمتع بضوء الشمس ودفئها, ولكنه مثل أبناء الشعب كان يجد دون الهواء الطلق ودون الشمس سدوداً يقيمها الحكّام والأباطرة من أمثال الإسكندر, وقد حفظت الأجيال كلمة ( لديوجين) قالها لذلك الغازي الكبير, لأنها الكلمة التي يُسَرّ كلّ فرد أن يقولها لِمَن يتوِلوْن أمره إذا كانوا بحجة هذا التولّي يكتمون أنفاسه ويحرمونه هواء الحرية ونور المعرفة, تلك الكلمة قالها ( ديوجين) حين وقف الإسكندر على رأسه في (كورنثيا), في صباح يوم بارد و سأله: هل لك رغبة فأحققها يا ديوجين؟ فتطلّع الفيلسوف إلى الإسكندر الذي وقف بينه وبين الشمس , فحجب عنه ضوءها وحرارتها, وقال بكلّ بساطة: نعم, رغبتي هي أن تبتعد عن شمسي.
بالمقابل قال الإسكندر مرةً: لو لم أكنْ الإسكندر, لوددت أن أكون ديوجين والحق أنني وددت أن أكون مرآة تعكس أصدقائي, وأرى صورتي بمرآة وجوه أصدقائي, و أنا الكتاب الأبيض الذي يُقرأ بسهولة و بأي طريقة تُعجب القارئ, وآخر أمنية أتمناها أن تكون كأمنية الإسكندر.
----------------------------- انتهى