عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2010, 03:30 PM
المشاركة 19
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
79 عام !!

محمد آل شايع

منبر المقالة





تسعة وسبعون عام هي فرق السنين بين الأب وحفيد ابنه في عائلتي الصغيرة.



تسعة وسبعون عاماً فيها الكثير من الكفاح والعمل والألم والسعادة، فيها لحظات الفرح والحزن، فيها الفرح بمقدم كل مولود من هذه الأجيال الأربعة، الفرحة الأولى لم يشهدها أحد من أحياء اليوم، الفرحة الثانية لم يشهدها سوى اثنين من أحياء اليوم في عائلتي الصغيرة، الفرحة الثالثة لم أكن أفرّق بين يدي اليمنى واليسرى يوم أن كانت، أما الفرحة الرابعة فشهدتها يوم أمس.



لحظات يزيد فيها الجنس البشري فرداً لكل مرّة، يرتقب الجميع مثل هذه اللحظات، وينتظرونها على أحرّ من جمر الغضى، ثم تأتي فلا تسعهم الأرض من شدة الفرح.


لحظات – خلال هذه الأعوام كلها- تحمل بين طيّاتها الكثير من الفوارق والاختلافات مع أنها في أصلها واحدة، فالأب والابن كانت لحظتاهما في منزل اللبِن والطين، أما الحفيد وحفيد الابن فكانت لحظتاهما في المستشفيات.

نشأ الأب والابن في شظف من العيش وقلة من ذات اليد، أما الحفيد وحفيد الابن فنشآ في حياة رغيدة وحال موسرة.



تسعة وسبعون عاماً طرأ فيها العديد من المتغيرات النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والثقافية ما يجعل الفرق فيها شاسعاً بين الأجيال الأربعة سواء نحو الإيجاب أو السلب.


في يوم من الأيام كان أقصى حدود العالم – معرفة أو طموحاً - هو مكة المكرمة، وأما الآن فالعالم تناهى في الصغر حتى اجتمعت أطرافه وحدوده في إحدى غرف منزل هذه العائلة.



في يوم من الأيام استغرقت رحلة السفر إلى الطائف سبعة أيام بلياليها، وأما الآن فرحلة أقصى جنوب أستراليا لم تستغرق سوى ست عشرة ساعة طيران.



في يوم من الأيام كان أن يعرف ابن السادسة كيف ينطق ألف باء الإنجليزية فهذا أمر يستحق الاحتفاء، وأما الآن فأن يتصّفح ابن الرابعة موقع "اليوتيوب" بدون أي كلمة عربية واحدة ويعرف كيف يصل لما يريد في هذا الموقع فهذا أمر عادي وعادي جداً.



في يوم من الأيام كانت وسيلة الترفيه الوحيدة فيه هي " كرة الشرّاب " ، وأما الآن فلم يعد " البلايستيشن " ولا " القيم بوي " يكفيان ولا بد من ألعاب " الإنترنت " الحيّة المباشرة.


في يوم من الأيام بكت العائلة كلها لسفر أحد أفرادها إلى الرياض بغرض الدراسة وخيم الحزن عليها أسابيعاً وشهوراً وسادت الكآبة حتى عاد ذلك الغائب بعد أربع سنوات، وأما الآن فلم تدمع عين واحدة عندما سافر أحد أفراد نفس العائلة ليس إلى الرياض وإنما إلى " ساوث كاليفورنيا " ولم يحزن أحد !! أما لماذا فلأن " الماسنجر " و " السكايب " يتكفلان بإحضار هذا الغائب متى ما أردنا وأينما كنّا.



كل هذه الأمور حدثت في محيط عائلتي أنا خلال هذه التسع والسبعين سنة، وأجزم أنها تتكرر بشكل أو بآخر عند الجميع، ولكن هذه هي سنّة الحياة في التغير للأفضل والأسوأ حتى قيام الساعة.


أختم بالدعاء لكبير هذه العائلة بطول العمر على طاعة الله، وبالدعاء لصغيرها بأن يبارك فيه ويجعله سنداً لعائلته ومجتمعه ووطنه وأمته.