الموضوع: كُنْ رَجُلآ
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
2562
 
بثينة صالح
من آل منابر ثقافية

بثينة صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
249

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
Aug 2019

الاقامة
لى كوكب وهمي

رقم العضوية
15891
02-15-2020, 08:54 PM
المشاركة 1
02-15-2020, 08:54 PM
المشاركة 1
افتراضي كُنْ رَجُلآ
كُنْ رَجُلآ
**
**
عاد لفيف من الأولاد إلى الحي الفقيرالمظلم .. والهدوء حولهم بدا كصمت القبور ..
خرجوا جميعا منذ الصباح يبحثون عن رحمة ملقاة في قلب رجل قد يتأثر ليتمهم .. لكنهم فشلوا في إيجاد ذلك الإنسان , بدت الرحمة لهم مجرد أسطورة .. والبشر تحولوا إلى كائنات لا تعترف بالإنسانية ..


كانوا يسيرون بانكسار وتعب .. يتعثرون .. فيركل أحدهم الحجارة المتسمرة في الطريق ..كم هي قاسية وغير عادلة هذه الحياة .. كيف يتخلى الحظ عن أربعة أيتام وأمهم المريضة ؟!

قطع أوسطهم الصمت بقوله : كان علينا أن لا نعود سريعآ إلى حياتنا التعيسة .. بعد قضاء ساعات في النور والدفء والثراء وجمال المكان ..
التفت إليه كبيرهم وكان يدعى طاهر فقال معترضا :
- العودة خير لنا من أن نكون عبيدا لرجل قبيح سكير ..
علق الثالث بحيرة : أنا لا أفهم لماذا لم يعطنا أجرنا بعد أن قمنا بتنظيف المنزل له .. ألم نتفق معه على هذا ؟؟
قال ذلك وهو يكز على أسنانه , بما صاح أصغرهم قائلا :
- إني جائع .. لو أكلنا .. ثم غادرنا .. هل رأيتم المائدة ؟ السمك واللحم والدجاج ؟
ولكن طاهر لم يوافقه فقال بأسى شاردا :
- لو أكلنا لما تركنا نرحل , إنه رجل شيطاني .. كان ينظر إلينا بطريقة مخيفة .. كوحش يريد الإنقضاض على فريسته .. حاول أن يقايضنا بالطعام مقابل العمل , والله وحده يعلم ما الذي دسه لنا في الطعام حتى نكون تحت رحمته ..!
عاد الصغير إلى البكاء : ولكني جائع .. أريد طعاما .. لم أكل منذ يومين ..
وبخه طاهر قائلا : كن رجلا .. لا ينبغي للرجال البكاء ..

حتى هو أيضا أصبح رجلا يبكي كثيرا في الحادية عشر من عمره .. هذا ما قاله طاهر لنفسه .. ومنذ أن حلت عليهم اللعنه في تلك الليلة .. لم يكن سوى رجل بلا حول أو قوة .. عاد الوالد يومئذ من عمله مرهقا شاحبا هزيلا .. يحمل في يده أرغفة الخبز وقليل من الجبن مقابل عمله الشاق في نقل الحديد في أحد المصانع .. كان في ذلك الوقت يتنفس بصعوبة .. فنادى طاهر وهمس إليه :
- أنت الآن رجل البيت يا طاهر .. اعتني بأمك واخوانك ..

لم يفهم ما قصده والده حتى جاء الصباح ووجد الأب ميتا في فراشه ...
اننبه من سطوة ذكرياته حين سمع فجأة صوت خطوات تقترب منهم فمسح دموعه وأمر الفتيان قائلا : صه .. هناك أحد .. اصمتوا ..
توقفوا حتى تناهى إليهم الصوت هامسآ : طاهر .. هل هذا أنت يا بني ؟
إنه صوت الأم .. هرع إليها طاهر أولا : أمي ما الذي أخرجكِ في الظلام ؟
قالت الأم فرحا : الحمدلله إنكم بخير ..
عاد طاهر لسؤالها ثانية : لماذا أنتِ هنا يا أمي .. هل حدث شيء ؟
قالت الأم مسرورة : أجل .. هل تذكرون السيدة نورة ؟
أجابها طاهر بحزن : نعم .. بالطبع نذكرها .. لقد وعدتنا بالمساعدة منذ أسابيع .. ولكنها لم تف وعدها ..

صاحت الأم بسعادة : بلى .. قد وفت بوعدها يا بني .. وأحضرت الكثير الكثير من الطعام والقناديل والأغطية وأيضا الدواء .. حتى القصص أحضرتها لكم ..
زتابعت يكاد أن يحنقها الدمع :
- سنعيش سعداء لمدة طويلة .. لن يكون الجوع رفيقنا بعد الآن .. كما أن السيدة نورة تعهدت أيضآ بأن لا تتخلى عنا حتى يشتد عودكم وتجد لكم عملا ..
صاحوا بفرح وأسرعوا يتراكضون إلى قبو المنزل القديم .. ليطردوا الثلاثي المخيف : الجوع والظلام والحزن ..
بثينة صالح