عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 02:07 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: تعلم كيف تـُربي .. وتعلم كيف تـُنشئ
كيف نـُنشئ .. وكيف نـُربي ؟



ما كانت معاناة المجتمعات الاسلامية والعربية على وجه الخصوص بالعصر الحالى فى هذا الجانب إلا بسبب منفرد .. إهمال تربية النشئ الذى أنتج أجيالا مشوهه غير خاضعة للتربية السليمة فكان من الطبيعى أن تزداد هوة الأزمة بتحول تلك الأجيال إلى آباء فاقدى معايير التربية السليمة فكان أن ازداد الانهيار فى الأجيال التالية وإلى ما لا نهاية ..

وبدأت المأساة بفقدان سيطرة الأسرة .. ثم سيطرة المجتمع على النحو الذى نراه الآن ثم نهتف بالحسرة على الشباب الضائع عديم الفائدة دون أن ندرك أننا من أضاعوهم من البداية ..

والتربية الاسلامية علم فطرى إذا صح التعبير .. بمعنى أنه من الصعب تقنينه فى قوالب نظرية يتم تطبيقها ونظل فى انتظار النتائج .. لكن ما يحكمها ويمكن تقنينه هو المبادئ العامة التى يجب أن يراعيها كل مربي وتظل التفاصيل رهنا بظروف البيئة المحيطة ..

وسنبدأ بالتعرف أولا على ما هية التربية .. ثم نتعرف على مفهوم التربية الاسلامية وشروطها ومبادئها ؟


التربية ..


يقع مفهوم التربية فى موقع خاطئ لدى الأغلبية من الناس .. فقد درجنا على وصف الانسان غير المهذب بوصف عامى دارج " مش متربي " ..

وهو وصف خاطئ إلى أبعد حد .. فالتربية لا تعنى توافر الأخلاق والتهذيب .. بل من الممكن أن نزعم أن الأخلاق والتهذيب من الممكن توافرها بمعزل كامل عن التربية السليمة !!..
فالتربية ببساطة هى إنشاء شخصية الفرد ليقوم بدوره الطبيعى فى المجتمع ..

لذا فمن الممكن أن نصادف إنسانا مهذبا وعلى خلق لكنه خرج على المجتمع بشخصية مشوهه بناء على تربية خاطئة جعلته غير قادر على اتخاذ قراره بعد اعتياده التبعية وهى حالة شديدة الانتشار فى مجتمعاتنا والمتشدد منها على وجه الخصوص ..

فالأخلاق كعلم يجب غرسه بداية بالاقناع والاشباع لا بالرهبة والتخويف .. وهى كعلم يجب أن يخضع للاختبار .. وتـٌترك الارادة حرة للاختيار والتصرف لأن المربي أو الأب لن يظل العمر كله حارسا على من يربيه .. ولا فائدة من تعليم لم يـُختبر حائزه ..

ونتيجة للادراك الخاطئ من المربي لمفهوم التربية رأينا النماذج المنتشرة لشباب فى سن القرار وهى تروح وتجئ وفقا لتعليمات مسبقة وبلا قناعات تقريبا وهى هنا أقرب


لنموذج الانسان الآلى منها الى العنصر البشري مع ملاحظة أننا نتحدث عن النموذج المثالى للابن من وجهة نظر آباء اليوم !!

والتربية لا يمكن ممارستها عبر نسيج واحد بل هى ثلاثة أنسجة لثلاثة مراحل عمرية مختلفة ..
فتكون الأولى للمتعة دون محاذير والثانية للتعليم والثالثة للاختبار ثم يـُترك الشاب حرا بعدها للاختيار

كما أن التربية لا تكون مهمة الآباء فقط بل يشارك الأب فى تلك المهمة المعلمون فى دور التربية والعلم والمجتمع فى مرحلة ما من عمر الناشئ وهى المهمة التى انتهت من أرض الواقع لأن المفاهيم الخاطئة أصابت المعلمين كما أصابت الآباء ..

فعلى سبيل المثال من المتعارف عليه أن المعلمين ـ لا سيما فى مراحل التعليم الأولى ـ لابد أن يكونوا تربويين قبل التخصص العلمى وهى معلومة منتشرة بشكل تام على نحو يدفعنا للدهشة والذهول إذا شاهدنا عدم انطباقها على الواقع الفعلى بالرغم من أن الوزارات المسئولة عن التعليم فى أغلب البلاد العربية تقدم لفظ التربية على التعليم فى مسمى الوزارة .. بغض النظر عن الفهم الخاطئ لدى بعض المسئولين الذين يتفاخرون بأن تقديم التربية على التعليم مفاده الأول تقديم الأخلاق والتهذيب على التعليم دونما إشارة إلى بناء الطالب تربويا وتأهيله وتكوين شخصيته ودون إدراك لحقيقة بسيطة هى أن الأخلاق لصيقة بالعلم فى كأس واحد بينما التربية علم مستقل بذاته

وتزداد الدهشة عمقا إذا عرفنا أن الكليات المسئولة عن إخراج المعلمين للمراحل المختلفة تقرر المناهج التربوية بكثرة كاثرة تكاد تفوق التخصص فى بعض الأحيان تأكيدا لنظرية أن المعلم لا يمكن أن يكون معلما إلا إذا كان تربويا .. ولو انتفي الجانب التربوى فالمعلم يتحول ساعتها إلى ملقن كما هو واقع بالفعل فى العصر الحالى

وخطورة الملقن تتمثل فى عنصرين

الأول ..


أنه يردد ما يـُلقي إليه من تكليف بغض النظر عن اقتناعه من عدمه ويكون التركيز منصبا على إخراج آلات ميكانيكية مهمتها العبور من اختبارات آخر العام ومعيار عبور الاختبارات أصبح هو الفارق بين تمييز معلم و آخر .. دون أن يدرك أولياء الأمور حقيقة مؤسفة هى أن أبنائهم ـ وإن تفوقوا بنتائج الاختبارات ـ فهم ليسوا بطلبة متفوقين علميا بل هم طلبة مدربون على فن إجابة واجتياز الاختبارات .. والفارق ضخم للغاية لو يدرك المغيبون !
فقد غاب عن أولياء الأمور أن المراحل الأولى من التعليم ليس هدفها إخراج العلماء بل الهدف الرئيسي إخراج التلاميذ ..

فمن غير المنطقي أن نهمل الهدف الرئيسي وهو تدريب النشئ على حسن استقبال المعلومة ومعرفة معنى الزمالة وقيمة الكتاب والثقافة واحترام المعلم كطريق موصل إلى دور العلم فى المراحل الجامعية ونركز على فهم وإدراك الطالب لمواد دراسية

لا تعنى شيئا من القيمة العلمية لكونها مجالا للتدريب ولا يمكن أن تكون عنوانا لتفوق الطالب فيما بعد عند تلقيه العلم الحقيقي فى المراحل المتقدمة ..

ولبيان الأمر بمثال ..

فان مراكز التدريب للمستجدين من جنود القوات المسلحة " وهى فترة 45 يوما للجندى وستة أشهر لضابط الاحتياط فى النظام العسكري المصري " لا تكون تدريبا على القتال لا سيما فى الفترة الأولى بقدر ما تكون تدريبا على نظام التلقي وبمعنى أكثر وضوحا تكون تلك الفترة .. فترة إعداد الطالب أو المتدرب للقواعد العامة التى تحكم تلقيه لعلم وفن الحرب وبناء روحه المعنوية ومعنى سرية النشاط العسكري وهدف الدفاع عن الوطن ..

وبعد ذلك تكون المراحل التالية هى مراحل تدريب الجندى على القتال الفعلى بعد تشريبه لفن تلقي الأوامر العسكرية ولكيفية التعامل مع زملائه وقائده بالميدان
ولذلك لا يكون الاهتمام منصبا على الإجادة بالنسبة للجندى أو الطالب فى مرحلة الاعداد بقدر ما يكون منصبا على حسن استيعابه لقواعد التعامل العسكري .. فالفشل فى إجادة الأعمال العسكرية أثناء التدريب يمكن إدراكه فيما بعد بمزيد من التعليم والتدريب بينما الفشل فى تلقي المبادئ العسكرية لا يمكن أن يـُنشئ جنديا من الأساس مهما كان تفوقه فى مجال إطلاق النار أو التعامل مع آليات الحرب

تلك هى الاجابة المنطقية للسؤال الذى عصف بالمجتمع المصري عندما تساءلوا عن هؤلاء الشباب الذين التحقوا بالجامعة بمجموع درجات فلكى إبان حقبة التسعينيات .. مجموع درجات لم يحصل عليه النوابغ فى تاريخ مصر .. فاذا بهم فى مراحل التعليم الجامعى تراجعوا وغالبيتهم أصبحت فى ركاب المتخلفين فالسبب واضح وهو أنهم طبقوا ما تدربوا عليه فى مراحل دراستهم الأولى والذى انحصر فى كيفية انتقاء النقاط الهامة من المنهج وحصر التفكير على السبيل الأكثر أمانا لنيل الشهادات وإهمال التسلسل والتدرج المرحلى للتعليم فما يتلقونه من معلومات ومقررات يلقون بها عن أذهانهم بمجرد دخولهم للمرحلة التالية وهكذا ..

وهو الأمر الذى لا يصلح فى التعليم الجامعى الذى لا يعتمد على حساب الدرجات بل يعتمد على التقدير وهو المسمى الذى غفل عن مغزاه الكثيرون لأن تقدير طالب الجامعة يعنى نظرة الأستاذ الجامعى لمدى إدراك الطالب بغض النظر عن مطابقة اجاباته لما ورد بالمنهج بعكس النظام المدرسي الذى يعتمد على مطابقة إجابات التلميذ لما ورد بنموذج الاجابة المنشور أمام المصحح


الثانى ..


وهو الكارثة الحقيقية .. أن الملقن بطبيعته الغير مدركة للجانب التربوى لا يدرك بالطبع قيمة رسالة المعلم التى تعد أعظم رسالة فى حضارات الأمم فيتعامل معها كانها مصدر رزق وتكسب وهو معيار ينزع عن المدرس قدسية الرسالة التى يؤديها فيقوم بما يجنى له الكسب والتميز وهذا هو السبب الرئيسي فى الظاهرة المؤسفة التى نراها بين الطلبة ومدرسيهم فى الأيام الأخيرة من كل فصل أو عام دراسي

حيث يكون التركيز منصبا على الاختبار القادم وما يمكن التركيز عليه وما يمكن إهماله من المنهج .. بل الأكثر فداحة من ذلك ظاهرة لمست تجربتها بنفسي بالقاهرة منذ سنوات قليلة عندما طالعت أوراق دراسية كتبها أحد مدرسي اللغة العربية واحتوت على نماذج مكتوبة لمقدمات نثرية تصلح كافتتاحية لأى موضوع تعبير بحيث يقوم الطالب بحفظها ووضعها كما هى بورقة الاجابة أيا ما كان الموضوع المطلوب من الطالب الكتابة فيه لاختبار قدرته على التعبير !!

وفداحة هذا الفعل أنه صدر عن من هو مأمون على تربية وتعليم الطلبة .. وبالطبع كان الوازع الذى حكم هذا المدرس هو رغبته فى تفادى كل طريق من الممكن أن يتسبب فى فقدان درجات بالنسبة لطلبته حتى لو كان غير قابل للتلقين كموضوعات التعبير

ولنتابع أيها الأحبة
كيف نـُنشئ .. وكيف نـُربي ؟