عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2013, 04:41 PM
المشاركة 6
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
تابع,,,سيدةالنبوءات- رواية قصيرة

حينما تتلاشى ألوان الذاكرة، ويختلط الأبيض والأسود، فلا تبقى سوى همسات الذكريات الرمادية. تعاودين زيارتي مرة أخرى... كم مرعلى آخر زيارة لك.. لا اذكر. بدأتِ التدوين مرة أخرى...بعد أن ألقيت نظرة خاطفة على، لعلك تعجبتِ... وهبتني الطبيعة جمال ملائكي ...حتى اتهامي بالجنون لم يؤثرفيه... حتى ما مررت به.

ما زالت لي تلك ألطله المبهجة...تغمغمين فى خفوت فاقرأ شفتيك – أحكى يا وجد – اسمي وجد - أكمل الحكاية أكلمت عامي الثلاثين وابتعدت عنى الصديقات – بعضهن ظن أنى أتجسس، وأخرب بيوت، والقلة رأت الحقيقة المبهرة – بها شيئا من المس، ولكنى... عيناها لا تدوران في محجريهما ولا يخرج الزبد من فمها- ربما حالة خاصة؟؟!!

في النهاية وجدت نفسي وحيدة اركب قطار الدرجة الأولى لأسوان – قطار ما بعد منتصف الليل – استغرق الجميع في النوم، وغالبت النوم بصعوبة ...إلا أن حواسي اشتعلت فجأة وأنا ارقب العملاق الأسود ذو الجلباب الأبيض، وعمة تغطى رأسه. كان جلده بلون الأبنوس، لامع، ومصقول ...حينما بدأ بالتجول، تظاهرت بالنوم بنصف عين مغمضة، ولا اعرف كيف ذهب بهذه السرعة لآخر العربة ثم اختفى. أخرجت من حقيبتي شال دثرت به نفسي، وأخفيت وجهي ، لاني حين عاودت النظر مرة أخرى وجدته يقف نفس الوقفة المتحدية ثانية، وكأنه نبت من فراغ ثم تلاشى في فراغ. أترى هناك احد من الركاب رأى ما رأيت؟؟ لا يهم فهذه المرة غفوت وسقطت في الأحلام، وصلت أسوان الساحرة نحو الثانية عشر ظهرا... ودخلت الكابينة التي حجزتها على متن الباخرةالسياحية الفاخرة الشهيرة.

لم ارغب في عمل أي زيارات في أسوان، كنت أتوق للنوم، والنوم فقط. أبحرت الباخرة تجاه كوم امبو ...نشطت بعض الشيء وخرجت برفقة مجموعة لمشاهدة المعبد. انشغلت عن شرح المرشد بعض الشيء لأجد العملاق بلون الابناوس واقف وقفته الأبدية. استدرت إليه من أنت؟ فتلاشى ...هل رأى احد ما رأيته؟؟!!

آه يا طبيبتي تشعرين بالملل!؟ طلبت منى أن أحكى – لماذا تتثاءبين .. هل أُضجرك؟ تنظرين في ساعة الموبيل – باقي من الوقت دقائق .أعاود الحديث... غادرت الباخرة كوم امبو، ووصلت ادفو نحو الثانية صباحا. نام الجميع... لا احد مستيقظ سوى عامل الريشيبسن... يرمقني بغيظ كي يستطيع خطف قليل من النوم، ولكنى اذرع المكان جيئة وإيابا هذه طريقتي في التفكير... حتى اتخذت قرار بالخروج.

سألني حارس الأمن في فضول؟؟ أخبرته أن يركز على عمله وهى حراسة المركب، وليست حراستي. تحركت تفاحة ادم فعرفت أنى أهنت الرجل الصعيدي وبعض همهمات غاضبة منه ربما تعنى ألف لعنة تنهال علي.
بي شوق أن أرى المكان الذي رأيت به العجوز إياها...أي عجوز أتحدث؟ أعنى العجوزبائعة العقود المسكينة...ألا تهمك قصتها؟ هي أصل القصة...كانت هناك تنام نفس نومتها... تحتضن قدميها وترسل شالها الأسود على وجهها... تغطيه كله...هز كياني انكسارها... واجتاحتني الشفقة تجاهها.

أمسكت يدها الباردة كالثلج واشمأزت من الرائحة...رائحة شيء شديد التعفن...سحبت يدي لكنها أطبقت عليها كالمخلب... كان بالفعل مخلب عظمى. صرخت وأنا انزل الشال الأسود من وجهها وأنحبست الكلمات في حلقي وأنا أشاهد الفجوتان المخيفتان في الجمجمة المتآكلة وصوت سحيق يردد تأخرت كثيرا ...انتظرتك سنوات طوال يا سيدة النبؤات السبع.

يسقط القلم من يدك...وتفتحين فمك على اتساعه... وترتسم ملامح الارتياع على وجهك. اضحك بخبث لم تكوني موجودة هناك... ولكنى فعلت... هل اصف لكما لا طاقة لك به؟ بإمكانك الرحيل فقد تخطيت موعد الزيارة بكثير ولكنك تستمرين مسمرة على كرسيك في الإنصات فأكمل وأنا استلذ بمعاناتك. من الجميل أن يشعر احدهم بما عانيت.

اسمع صوتها السحيق يا سيدة النبؤات السبع؟ أيتها المختارة؟ يا ابنة الدم؟ يا خطيئة الدم؟سبع نبؤات كل عام وفى الثامنة موتك...تررد عبارتها في أذني حتى اليوم وفى الثامنة موتي!!

توقفت عن الكلام كما توقف العالم عن الوجود...تعطلت الحواس وارتعش جسدي ارتعاشه الليل الواهن، وتعلقت عينى بفجوات عيونها المظلمة، لتأخذني معها في عالمها لمكان آخر، وأشخاص آخرون، لبلدة تطل على البحر في أقصى الشمال... وبين الماء والملح والشمس من ناحية... وبين أقصى النهر العذب من ناحية أخرى.
بلدة مثالية للصيد بين البحر والنهرتقول بصوت كالفحيح... اسمها بدر- ليست القرية بالطبع – بل أجمل فتاةبها – قمرية...وادعة... بعيون المها.

لم يكن لجمالها وصف...بل شهقة يحدثها كل من يراها. لم تكن جميلة فحسب... بل ابنة عائلة الكردي اكبر عائلات البلدة. لم يكن خطؤها بالتأكيداغترارها بجمالها، ولا حسبها، ولا مالها، ولم يكن خطؤها بالتأكيد أن أباها وعد ابن عائلة الجهوري بالزواج منها، ولم يكن خطؤها بالتأكيد أن جدها وعد كبير عائلة الجهينى بالزواج منها.
لم يكن خطؤها بالتأكيد أن النار اشتعلت فجأة بين الثلاث عائلات...وأنها كادت تفتك بالأخضر واليابس، لولا تدخل عجوز لئيمة بحكمة ما... إن أول غريب يمر بالبلدة يتزوجها اتقاء لشر نشوب المعارك بين العائلات.

وأقيمت الحصون والمتاريس حتى يتم منع أي غريب من الدخول. كان حلا يهدئ الأمورإلى حين... إلا أن عجوزا آخر سعيد أعلن أن لديه ضيف عزيز غريب هبط عليه في الصباح الباكر من بلاد بعيده، وجده بعد صلاة الفجر، وليس هناك غرابة أكثر من غريب العجوز... فلغته العربية ضائعة، ولونه الأسود المصقول بلون الأبنوس واضح وقوى، وبنيته الهائلة وأسنانه الناصعة البياض التي تضئ وجهه تحمل ابتسامة مستمرة.

والأغرب من كل هذا كان اسمه... اسمه زرد... والأكثر غرابة أن زرد كان موجودا يشهد اجتماع البلدة، وانه تقدم على الفور لحل الإشكال.. اسقط في يد العائلات الثلاثة الكردي والجهبنى والجهورى... وان راق الأمر بعد برهة للعائلتين المتنازعتين على الفتاة ورأوا في الأمر دعابة وعقاب لعائلة الكردي، فالكلمة لديهم كالسيف، وقد أسقطتها عائلة الكردي مرة حينما أعطت وعدين ولن تجرؤ على فعل الأمر ثانية.

أقيمت الأفراح والعروس لاتدرى ماهية الغريب الذي يتزوجها. كان أعجبها الصراع من اجلها، وأضجرها نهايته السريعة، ثم جالت بخيالها تشاهد أميرها الغريب الذي جاء لينقذ البلدة من نار الصراع ..
لم يحدثها احد بالأمر، ولاحتى أمها التي لطمت الخدود وشقت الجيوب وهى تزفها للبيت المنزوي في آخر البلدةالبيت الذي شيده زرد بسرعة ومهارة فائقة بجانب النهر..

يقولون أن الغريب أتى من بلده البعيد بمركب صغير عبر النهر وصارع ألوف من القروش والوحوش عبر رحلته المضنية؟! كلمات كهذه كانت تقال أمام بدر فتنتشى، ويدق قلبها وتتنهد بخفوت... وهى تتقدم ناحية بيت النهر بزفة خرجت البلدة كلها ضاحكة شامتة في صاحبة الحسن وأصحاب الكلمة المكسورة.

فتح لها زرد الباب ثم أغلقه... لا يدرى احد ماذا حدث لبدر في تلك الليلة ولا الليالي القليلة بعدها... ولم يخرج احد من عائلة الكردي ليطمئن عليها ..
كل ما نعرفه أن البعض شاهد بدر بعد عدة أيام وقد زاغ بصرها... تجرع في الطرقات ذاهلة، وتصرخ بألم... وان زرد وقف بذهول يضرب كفا على كف لا يفهم شيئا.