عرض مشاركة واحدة
قديم 05-19-2014, 03:19 PM
المشاركة 1159
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 52- حكاية زهرة حنان الشيخ لبنان


- تنقسم رواية حنان الشيخ "حكايةزهرة" ، إلى قسمين ، يحمل القسم الأول عنوان ‘نُدوب السلام ونجد فيه زهرة ، الشخصية الأنثى المركزية ، وقد جرت التضحية بها بصمت ، من البنية الأبوية بمختلف مظاهرها البشعة . ويحمل القسم الثاني عنوانا فرعيا*: ‘ تيارات الحرب الجارفة ’ نرى فيه زهرة شخصا مختلفة تماما ، مستعدة للقيام بأي عمل من أجل وقف الحرب ، حتى إن وصل الأمر إلى إقامة علاقة مع قنَاص ، رمز الحرب الأبوية ، وانتهت بموتها المأساوي .

- تصوّر حنان الشيخ الكيفية التي تواصل بها زهرة مقاومة النظام الأبوي القهري , من خلال الالتجاء إلى مكان تحتمي به في صمت ، كما رأينا ذلك في القسم الأول من الرواية. إذ أصبح الحمّام ملاذها الآمن الوحيد من المجتمع الخانق الذي تعيش فيه. فزهرة, مثلاًّ, تحبس نفسها في الحمّام , سواء أكان ذلك في بيروت أم في أفريقيا , حيثما واجهت ضغوطاً نفسية وذهنية, فُرضت عليها من الوالد المستبّد , ومن خالها , وزوجها. فبالنسبه لخالها الذي يعيش في المنفى في أفريقيا , جاءت اليه فكرته المثالية عن وطنه الأم لبنان, في شكل زهرة. ونجد أن وصول زهرة إلى بلد المنفى لخالها يمثل " الصّله المباشره , التي هي أكثر ما يفتقده , فتعلّق بها بكل كيانه منذ البداية ". ويُلمَس ذلك من الطريقة التي اعطى بها سريره لزهرة ، بينما هو نام على الأريكة... وكيف كان يأتي لإيقاظها كل صباح . كان يُبدي اهتماماً شديداَ بها وغالبا ما كان يغازلها بطريقة تزعجها كثيراً ، ما أعاد اليها كل الذكريات المؤلمة من ماضيها .

-و توّد زهرة لو تكسر صمتها الخاص و تفصح عما يدور حقّا بخلدها . خالي ، هّلا قلت لي لماذا تمدّدت بجانبي . آه*! ليتني تمكنّت من لفظ هذه الكلمات*! خالي ، ليتك تستطيع سماع دقات قلبي ،وليتك تستطيع رؤية الاشمئزاز والغضب المتراكمين في روحي ، ويا ليتك تعرف حقيقة مشاعري . إنني افقد سلامة عقلي ، ومنزعجة من نفسي ، و اكرهها لأنني لازمة الصمت . فمتى ستصرخ روحي مثل امرأة مستكينة لحب مخلص ؟"

-تكشف هذه الكلمات عن الذات الدخلية لزهرة , وعن بحثها اليائس عن هويتها الذاتية . لكنها بدلاً من التعبير عن غضبها من خالها , تنسحب الى الصمت في الحمّام ."ذهبت الى الحمّام وسمعت نفسي تفكّر بأن لا انفصال عنك أيها الحمّام . فأنت الشيء الوحيد الذي أحببته في أفريقيا ... أنت والأواني المنزلية الكهربائية المركونة على الرّفوف ".

- تحاول حنان الشيخ أن تدمَر الفكرة الأبوية عن الحرب , بإلقاء ضوء عن مشاركة المرأة لوضع حدّ لها. فنحن نرى , مثلاً , أن زهرة لم تعد حبيسة السلامة في الحمّام , بل إنها , بدلاً من ذلك ," تجد أنها قادرة على أن تسكن أماكن أخرى , وتنتقل إلى ما هو أبعد من نمط الحياة الضيّق لوالدتها . ففي حين جَبُن اّّّّّّّّّّخرون من الخوف , اندفعت زهرة الى خضم الاضطراب" . لقد أعادتها الحرب بقوة إلى الحياة , وأجبرتها على القيام بعمل . فتطوعت لفترة قصيرة في أحد أجنحة المصابين , ما وفّر لها رؤية أعمق لشناعة وقائع الحرب . " ترى هل يزور زعماء الحرب هذه المستشفيات ؟ وهل إذا زاروها ساعة , ثم غادروها , استطاعوا أن يحيوا بقية يومهم يندمجون بعمل شيء اّّّّّّّّخر غير التفكيرفي القدم المقطوعة , والعين التي أصبحت سائلاً , واليد التي خارت أصابعها وبقيت يداً وحيدة مستسلمة ؟ لماذا لا يقف زعيم ما , عند سماعه للأنين , ويُقسِم بأن يوقف الحرب ويصرخ, الحرب انتهت , سأنهي الحرب*! لا قضية سنفوز بها إذا ما أكملت الحرب حربها , أي قضية لن تكون أهمّ من قضية الإنسان وروحه وسلامته . سأنهي الحرب ابتداءً من هذه اللحظه".

- تحاول زهرة فهم الأسباب الحقيقية للحرب , وما هي جداولها , وكذلك الحاجة الماسة للعمل لإيقاف هذا الجنون المطبق .

- وما من شك في أن تأملاتها , في هذه الحرب الوحشية , تطرح أسئلة هامة عن دور المرأة في إيقافها , وعن الاستراتيجيات الواجب تبنّيها في هذا الخصوص .

- وتحاول زهرة , في محاولاتها المستمرة لوقف الحرب , أن تمنع إطلاق النار على الأشخاص الذين اُسِروا من الجانب المسيحي, بالطلب إلى رجال الميليشيات الذين تعرفهم بإطلاق سراحهم . غير أن والديها , الخائفين على حياتها , يشدّانها ويعيدانها الى البيت حيث تقعد باكية*:"

- الحرب تضع كل حقيقة من حقائق الحياة محلّ تساؤل . فزهرة ووالدتها تتشبّثان ببعضهما خلال النوبات المتتالية لقتال الشوارع فيما بين الفصائل اللبنانية , ما جعل زهرة تلتصق بوالدتها ثانية , مثل " البرتقالة والصُرّة*:"

- قرّبت الحرب البنت ووالدتها من بعضهما أكثر من ذي قبل , كونهما مروّعتين من وجهها البربري .

- تقّوض حنان الشيخ الفكرة الذكرية للحرب بالكشف عن جانبها القبيح والتعريض به , وكيف أن هذه الحرب تلحق الضرر بالنسيج الاجتماعي على نحو كارثي .

- زهرة متمكنة من انتقاد انهيار القيم الأخلاقية , وتنأى بنفسها عن النظام الأبوي كي تتمكن من تطوير قيم السلام والتسامح والمساواة . وهي مدركة بأن تلك الحرب نشاط ذكري , وأن النساء هن الضحيّة النهائية لأحوالها .


-
- قد يُرى إلى موت زهرة المأساوي , في نهاية الرواية , دليلاً على أن الحرب لم تنظف القوى الأبوية التقليدية التي تجيز شرعاً كل ما يضطهد المرأة , " رغم أن الحرب حرقت معها مقاييس الغنى والفقر , الجمال والبشاعة " . ولعل هذا هو السبب الذي جعل حنان الشيخ تموضع اللقاءات الجنسية بين زهرة والقناص في سلالم بناية مهجورة " – ما يشير إلى عقم هذه العلاقة و عدم جدواها ، والمقدَر لها أن تقتل أي أمل بحياة جديدة .
3. الخلاصة

- ختاما ، كانت هرة ضحية كل من الأبوية والحرب . فزهرة تسقط أمام البنى الهيكلية الأبوية ذاتها ، متمثلة الآن في شكل القناص ، التي سبَبت لها الآلام في شبابها . وقد أخطأت زهرة التفكير بأن الحرب – بالرغم من جانبها القبيح- قد تكون بداية جديدة تدشَن فيها حياة صحية و اعتيادية . في رواية "حكاية زهرة" ،

- أكدت حنان الشيخ على حديث بارز القوة للمرأة . ويلمس ذلك من خلال حياة زهرة ، ابتداء من صمتها حتى سعيها الحازم من أجل القيام بعمل ذي قيمة ، وبعيد كل البعد عن الانتماء السياسي المحدود ، وبهدف وضع حد لهذه الحرب الهمجية .

- وتسجل حكاية " رواية زهرة" رفض المرأة لخطاب الحرب ، وللأبوية التي تولدَها . زهرة تنبذ ، كامرأة مضطهدة فرض عليها الصَمت ، هذه القيود وتشدَد على حقها في الإفصاح عن معارضتها للنظام الأبوي المستبد . وفي هذا الخصوص ، تقول العقاد إنه " ينبغي على النساء والرجال العمل معا نحو وطنية مقوَمة ، مجردة من شوفينيه المذكَر ، ومن الحرب والعنف .