عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2012, 10:39 PM
المشاركة 676
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ننقل هنا لقاء هو من اخر المقابلات الصحفية التي اجريت مع الاديب الراحل تنقل بعض افكاره وارائه في الحياة الثقافية أجرت مجلة شؤون ثقافية التي تصدر عن أمانة الثقافة والإعلام حواراً مطولاً مع الروائي خليفة حسين مصطفى ، أصيل مدينة طرابلس – الشارع الغربي – لأهميته ننقله حسب النص المنشور بهذه المجلة في عددها الرابع للعام الأول من إصدارها . أم السرايه

المناخ الثقافي والأصوات الروائية القادمة
يضج الحراك الثقافي في بلادنا ويثرى بالعديد من الأصوات المميزة ، وهو حراك يحتوى تبايناً واضحاً ، يبدو جلياً بين مراحل عمرية مختلفة ، أوجبت تبايناً صوتياً فرض حضوره بين آن وآخر .
وإذا كنا نصيخ السمع إلى هذه الأصوات ، علّنا نكتشف من بينها من يتفرد برؤى وقدرات تتخذ سياقاً غير متقاطع مع غيرها .
فالحالة تومئ إلى أهمية أن نجس هذه الأصوات ، ونجوسها ، نحاورها فنقترب منها ، نقف على مشاغلها وهمومها ، ونستوضح منها ما يمكن أن تقدمه في مجال الإبداع الأدبي والثقافي .
وإذا كانت الرواية الليبية قد راوحت فترة من الزمن لعوامل ، ليس آخرها ، بوار المجال وشحّ ما يمنحه لمن ينشغل بها فإن المنطق والواقع يتطلب الاعتراف المسبق بأن هذا المجال قد شهد خلال الفترة الأخيرة الكثير من الأعمال التي تستحق أن تحتل مكانها في موقع الريادة والتميز ، وربما يكون من الإنصاف أن نذكر بأن البدايات الأولى منذ كتابات الأستاذ وهبي البوري ومن تبعه ، في المجال القصصي والروائي ، يزخر المجال بأسماء قلة ، آلت على نفسها أن تنوء بحمل المهمة برغم ضيق ذات اليد وشح إمكانية النشر ، والانعدام الكلي أحياناً للنظرة التي تعطي الكتاب مكانته أو تضعه ضمن اهتماماتها .
ولا أخالني أجانب الصدق حين أذكّر بأولئك الروّاد ، المقهور والتليسي والمصراتي والشريف والقويري والفقيه والكوني والشويهدي والمسلاتي ولطفية القبائلي ونادرة العويتي ، وفوزية شلابي ، ووسط هؤلاء نما وتواصل حضوره ، بأنفاس مميزة ، الروائي خليفة حسين مصطفى ، وسط هذا الحراك واستمراراً للتذكير بالأسماء الرائعة نقول إن المرحوم عبد القادر بوهروس ومحمد فريد سيالة ورجب لملوم وإبراهيم النجمي والفاخري والتكبالي ، كلها وغيرها الكثير من الحالات الأخرى التي أنجبت رواية ، أو عدداً من القصص القصيرة ثم توارات عن الفعل ، وركنت إلى الهدوء والسكينة بعد خوض واكتشاف ما بهذا المجال من معاناة ، ومشقة وهنا ندعو من بقي منهم في الساحة للإعلان عن حضوره فعلاً قصصياً أو روائياً .
ولأن الأصوات تتعدد وتتدافع كل يوم ، لتعلن عن حضورها ، والأخرى في أحيان عن تواريها ، وخفوتها ، فإننا نخشى على الجديد منها أن يصاب بآفة اليأس والقنوط ، والحنين إلى التواري ففي الجديد نشم رائحة أعمال روائية تعطي ملامح جديدة ، كما هو محمد الأصفر ، والآخر ، عبد الله الغزال … وآخرون غيرهما .

خليفة حسين مصطفى ولد وعاش في مدينة طرابلس ، الشارع الغربي ، عمل مدرساً في مدارس ثانوية للبنات تارة وللبنين أخرى ، سافر للدراسة إلى لندن وعاد بحصيلة لغوية مكنته من قراءة الكثير من الأدب الإنجليزي والغربي عموماً بلغته الأصلية ، ما يعطي للقراءة ميزة الوقوف على المعنى والمضمون ، دون انتظار الترجمة التي تجيء أحيانا تجارية وأخرى غير متطابقة مع المراد والمطلوب .

جلس أخيراً مترئساً القسم الثقافي بيومية الشمس ومجلة الأمل للطفل رئيساً لتحريرها عضواً برابطة الأدباء والكتّاب ، وشارك في العديد من لجان التقييم في المسابقات الأدبية الشبابية والعامة .
أصدر المجموعة القصصية حكايات الشارع الغربي فقدم العائلة الليبية التي تقيم في طرابلس، وتشترك في بيت واحد مع أكثر من عائلة أخرى ، وكيف هو التواد والتراحم بين الأسر .
ولأنه كاتب يشاكس كثيراً في نصوصه ، فقد أثارت حكايات الشارع الغربي الكثير من الأقلام التي تناولتها ، وبرغم الفقر الواضح في الإمكانات النقدية ، نشرت عنها الصحف المحلية عديد الآراء من كتّاب لهم حضورهم النقدي مثل : الأستاذ رضوان أبوشوشة والأستاذ الأمين مازن ، والمرحوم نجم الدين الكيب .
ثم حفّزنا لاستقبال جرح الوردة وعاجلنا بعدها بعمله المميز ليالي نجمة التي تحدث عنها الدكتور علي فهي خشيم باعتبارها عملاً يستحق أن يشاد به ، وتخصص له الإمكانيات لتحويله إلى مسلسلات اجتماعية وسياسية ، ترصد الوضع الذي عايشه الناس في بلادنا خلال فترات الاحتلال الإيطالي وما بعدها .
إن ليالي نجمة تقدم تأريخاً اجتماعياً شبه دقيق لفترة من الحياة ، شهدت تقلبات هامة كان لا بد من رصدها وتوثيقها .
وكان التناول لدى هذا الروائي بلغة سهلة ممتعة ، بسيطة ودقيقة في جملها ومعانيها ، شاملة للعديد من الصور والتحولات .
من هنا يجوز لي اعتبار هذا الكاتب خليفة حسين مصطفى واحداً من تلك الأسماء التي قدمت نفسها للقارئ العربي في حضرة إنتاج روائي قصصي متفرد وله خصوصيته .
ولذلك فلا عجب إذا لوحظ أن هذا الاسم يحظى بكثير من الجدل ذلك أنه ينجز مشروعه الروائي ويقول بلغة واضحة ما يريد قوله ، وهذا ما دفعنا للجلوس معه في حوار قصير ، لكنه حوار يعنى بالوقوف على فهم ما لم يقله بعد ، وترصّد ما يمكن أن يكون ، ففتح السجال طويلاً حول الرواية الليبية والمناخ الثقافي والأصوات القادمة من رهط قادم يعلن عن حضوره بشيء من الثقة ، ودون استعجال نراه في أسماء جديدة صارت تطرح حضورها .
وهذه محاولة لترصد هذا الحراك وما يمور ويتفاعل في الشارع الثقافي ، ولا نقول إننا على اتفاق تام مع ما يدلي به الكاتب ولكننا لا نختلف فيما ذهب إليه ، وهذا التباين على احتشامه ، مبعث هذا الحوار وميزة هذا التلاقي ، الذي نريده أن يتواصل مع مبدعين كثر تضج بهم حياتنا الثقافية .
من أجل ذلك ….

كان هذاالحوار .. وبداية :
* لأنك روائي لك حضورك الثقافي كيف ترى المناخ الثقافي وهل هو مهيأ لتشكيل ملامح إبداعية متميزة ؟

- قد يكون من المبالغة أو تجاوزاً للواقع القول بوجود مناخ أو فضاء ثقافي له فاعلية ، وتأثير في حياتنا الأدبية والفكرية والاجتماعية ، وكل ما له صلة بالإبداع بكل فنونه وأشكاله .

* ماذا تسمي إذن ما تشهده الساحة الثقافية ؟
- ما هو موجود حالياً وملموس لا يكاد يتجاوز ملتقيات وأمسيات أدبية تقام من حين إلى آخر بجهود ذاتية وهي في الغالب كشبه الموائد التي تعمها الفوضى ، يزدحم عليها عدد كبير من الناس ، ومع ذلك فإننا نجد أن كل واحد مشغول بنفسه أكثر مما هو مشغولاً بما يجري حوله ، وهكذا يمكن القول إن المناخ الثقافي عندنا يعاني من الشتات والفوضى التي تشبه حالة من عمى الألوان بحيث لم يعد ممكناً التمييز بين ما هو كتابة أدبية ذات أبعاد فنية وما هو ابتذال وتفاهة .

* هل ينطبق هذا على أي عمل أدبي ، وأي كتاب يصدر في المجال الإبداعي ؟
- فيما يتعلق بالكتاب الأدبي فإن الكتّاب جميعاً يواجهون صعوبات في نشر أعمالهم ، ولحل هذه الإشكالية فقد اضطر عدد منهم وخاصة من الأصوات الجديدة إلى نشر كتاباتهم الإبداعية في كتب على حسابهم ونفقتهم الخاصة . *لقد ألغيت كل ما بذل في مجال النشر بهذا القول ؟
- أنا لا أقلل من الجهود التي تبذل في هذه الجهة أو تلك من أجل إحداث حراك ثقافي وبعث الروح في أوصال الحركة الأدبية وإنعاشها أو الخروج بها من حالة الموات والجمود ، ولكنها جهود تفتقر إلى التواصل وإلى استراتيجية ، أو برامج وخطط طويلة المدى . فنحن نتحمس للثقافة بعض الوقت وليس كل الوقت وهذا الحماس ما يلبث أن يخبو لنعود مرة أخرى إلى نقطة البداية.

* تريد القول بأنه ليست هناك خطة لإصدارات مبرمجة ؟
- هناك مجلات ثقافية تصدر بالصدفة ، وأقلام تكتب بالصدفة ، ويبقى الشأن الثقافي كما المعطف الذي نرتديه عند الضرورة دون أن ننتبه إلى أنه قديم أو فضفاض أو أنه لم يعد صالحاً للاستعمال .

* أليس ذلك شأن النقد أولاً ؟
- النقد غائب . وهو ما أسهم في حالة الفوضى الأدبية ، فهناك من يكتب كلاماً يسميه قصة أو رواية ، وآخر يكتب كلمات مبعثرة يسميها شعراً ، وهكذا نجد أن الأمسيات والملتقيات الأدبية لا تعدو كونها اتجاهات من أجل لا شيء . وهذا اللاشيء هو كل ما تبقى في آخر المطاف .

* لنلج بالحوار منحى آخر وصولاً إلى الرواية فكيف هي مسيرة الرواية لديك بعد الكم المميز الذي بدأتم به مرحلة الانتشار ؟

- لقد انصب كل اهتمامي على كتابة الرواية فصدر لي على التوالي رواية ليالي نجمة التي تقع في تسعمائة وخمسين صفحة ومن بعدها رواية الأرامـل والولـي الأخيــر ولديّ رواية تحت الطبع بعنوان متاهة الجسد . * وجدت مشقة في الكتابة الروائية ؟
- إن كتابة الرواية تحتاج إلى التفرغ بحيث يستطيع الكاتب تنظيم وقته وتكريس كل دقيقة فيه للكتابة ، وإذا ما تركت المسألة للصدفة أو للظروف أو أن تكون كتابة في الزمن الضائع فإن حصل ذلك فإن الكاتب لا يمكنه كتابة سوى عمل واحد قد يستغرق منه كل سنوات عمره،فالرواية هي فن الإرادة والنظام والمثابرة والسيطرة على الوقت ، بحيث لا يكون هناك أي تشويش خارجي أو أي التزامات فيما عدا ما تتطلبه العملية الإبداعية.

* كتبت القصة القصيرة ثم الرواية . هل الخلط بينهما لا يؤثر على أي من المجالين ؟
- لقد توقفت عن كتابة القصة القصيرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن ، لأنني لم أعد أجد الوقت الكافي للانشغال بالقصة القصيرة إلى جانب الرواية .
ومع ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما ولا أظن أن الكتابة القصصية تؤثر في كتابة الرواية أو العكس ، فالإبداع في الاتجاهين واحد ، وكمثال على ذلك فإن الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز يكتب الرواية والقصة القصيرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى نجيب محفوظ وحنّا مينا وغيرهما من الكتّاب والأدباء .

* نتقارب مع حالة الإبداع الآن وغداً ، أعني هل هي بذات الصورة التي كانت عليها في الفترة المنقضية ؟ - بالتأكيد الصورة ليست واحدة فهناك تغير وتطور . ولكنه ليس التغير أو التطور الإيجابي . فأنا ألاحظ أن الحالة الإبداعية في مرحلتها الراهنة تزخر بالشعر لدى الأصوات الجديدة أكثر من أي شيء آخر ، وكأن الأمر مسألة استسهال لهذا الفن بالتحديد . فالقصيدة النثرية أصبحت ساحة مفتوحة لكل وافد ، سواء كان موهوباً أم لا ، ففي مقابل كاتب قصة قصيرة نجد عشرة شعراء ، وفي مقابل كاتب روائي واحد نجد نفس العدد من الشعراء . وبما أن الإبداع حالة فردية وذاتية نجد أن هناك تراكماً في النصوص الإبداعية سواء هذه التي تنشر في الصحافة أو التي تصدر في كتب ، ولكن الرداءة هي الغالبة على هذه النصوص . وهذا يعود كما قلت إلى الفوضى الأدبية وعدم وجود تقاليد وعدم وجود حركة نقدية مؤثرة .

* بعد هذه الجديّة الصارمة حول السائد نريد أن نقف على المشروع الرئيس الذي تشتغل عليه الآن ؟
- منذ ما يقرب من ستة أشهر بدأت كتابة رواية جديدة موضوعها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على ليبيا من دول أوروبية مختلفة ، وبالتحديد من بريطانيا وألمانيا في القرن التاسع عشر . وكان هذا الموضوع يشغل ذهني منذ فترة طويلة ، وكان يجب التحضير له بشكل جيّد بالعودة إلى قراءة كل ما كتب عن هذه المرحلة من تاريخنا الحديث ، وكل ما يتعلّق بها من أحداث وتطورات على المستويين الداخلي والخارجي وما لاحظته أثناء قراءتي لما كتبوه من مذكرات وأبحاث عن رحلاتهم في الصحراء الليبية ، هو أنهم جاءوا تحت ستار البحث والدراسة العلمية والكشف الجغرافي والتعرف على شعوب وأقوام أخرى . ولكن الواقع الآخر لم يكن كذلك ، فقد كانت مهماتهم استعمارية من الألف إلى الياء ، فما كتبه الرحالة لم يستفد منه أحد سوى حكوماتهم التي أرسلتهم وقامت بتغطية نفقات سفرهم والمعلومات التي كانوا يجمعونها والخرائط التي يرسمونها تصب في هذا الاتجاه .

* لنعد إلى واقع الحال هل يمكن تسجيل بعض الملامح لروائيين آخرين في المرحلة الحالية أو القادمة ؟
- لفت انتباهي في الفترة الأخيرة ظهور روائيين جديدين هما محمد الأصفر الذي بدأ بكتابة القصة القصيرة ، ثم قرر خوض مغامرة الكتابة الروائية . وفي رأيي أنه نجح في مغامرته هذه إلى حد كبير ، فهو كاتب مثابر ويكتب بعفوية شديدة ، أما الكاتب الثاني فهو عبد الله الغزال الذي فازت روايته الثابوت بالجائزة الأولى في مسابقة الشارقة للإبداع الأدبي للعام 2005 ف .
* دعنا نختم هذا الحوار بسؤال استشرافي . هل يمكن الحديث عن أحلام في شكل مشاريع أدبية قادمة ؟
- الكتابة الإبداعية لا علاقة لها بالأحلام أو الأمنيات ، وإنما تتوقف على الجهد والمثابرة لإنجاز عمل روائي جيّد يصنف على أنه إضافة نوعية للرواية الليبية ، وليس مجرد تسجيل رقم جديد في سلسلة الأعمال المطبوعة .
وختاماً
هنا بهذه الجمل المختصرة ينتهي حديث الأستاذ خليفة ونكتشف أننا سجلنا له حواراً لم يسبق أن صرّح به حول الشعر الحديث وقصيدة النثر ورأي صريح في كتّاب القصة ممن ظهروا في المدة الأخيرة .
نكتشف أنه من حيث يريد أو لا يريد ، قد فتح النار على النقاد الذين من خلال شكواه المريرة من ندرتهم لم يخف تذمره مما هم عليه .
ربما يريد أن يتيح لهم فرصة للسجال أو مجرد مشاكسة بريئة .
هذا ما نتوقع أن تحبل به الأيام القادمة .

سعيد المزوغي