عرض مشاركة واحدة
قديم 10-20-2013, 02:48 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
برتراند راسل يسأل عن الروح!

September 30, 2011

تقديم

الانحياز التأكيدي Confirmation Bias هو ميل الناس لتفضيل المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة أو افتراضاتهم، بغض النظر عن صحة هذه المعلومات. مثلا، معظمنا عندما يريد أن يعرف عن نظرية التطور يقرأ أو يشاهد لقاءات لرجال دين أو أفراد معارضين للنظرية فقط، ولا يقرأ أبدًا للعلماء الذي يؤكدون على صحة هذه النظرية ولا ينظر إلى أدلتهم.
قمت بترجمة هذا المقال لبرتراند راسل فقط لكي يكون لدى القارئ العربي وجهة نظر أخرى مختلفة، بل وتصطدم، مع ما يعتبره معظم القراء العرب مسلم به وصحيح بذاته ولا يحتاج لدليل. وهدفي ليس اقناع القارئ بصحة هذا الكلام أو خطأه فأنا نفسي أختلف مع بعض ما جاء به، ولكن فقط أريد أن يتم تعريض العقل العربي لصدمات وأفكار لا يرغب فيها وهذا في رأيي هو أفضل محفز للتفكير لدى أي إنسان؛ التعرض لأفكار صادمة وتتحدى كل ما يعتقد أنه مسلم به عند كل البشر.
المقال بالأنجليزية موجود على هذا الرابط.
ما الروح؟

برتراند راسل – 1928

أحد أكثر المواقف إيلامًا للإنجازات العلمية الأخيرة هو أن كل واحد من هذه الإنجازات يجعلنا نعرف أقل مما كنا نظن أننا نعرفه. عندما كنت صغيرًا كنا نعرف جميعًا، أو ظننا أننا نعرف، أن الإنسان يتكون من روح وجسد؛ الجسد موجودٌ في الزمان والمكان، لكن الروح موجودة في الزمان فقط. كون الروح تبقى بعد الموت كانت مسألة تختلف حولها الآراء، لكن وجود الروح نفسه كان لا شك فيه. بالنسبة للجسد، الرجل العادي اعتبر وجوده بديهي، وكذلك بالنسبة لرجل العلم، لكن الفلاسفة اختاروا أن يحللوا الجسد بطريقة أو أخرى، ويختزلوه عادةً لمجرد أفكار في عقل الشخص صاحب الجسد وأي شخص آخر يلاحظ هذا الجسد. ولكن الفلاسفة لم يؤخذوا على محمل الجد، وظل العلم ماديًا، حتى على يد العلماء المحافظون نوعًا ما.
في الوقت الحاضر فقدنا هذه التبسيطات القديمة: الفيزيائيون يؤكدون لنا أنه لا يوجد شيء اسمه المادة، وعلماء النفس يؤكدون لنا أنه لا يوجد شيء اسمه العقل(1). وهذه حالة لم يسبق لها مثيل. من سمع من قبل صانع أحذية يقول لا يوجد شيء اسمه نعل، أو خياطًا يصر على أن كل الأشخاص في الواقع عاريين؟ مع ذلك هذا ليس أعجب مما يفعله الفيزيائيون وبعض علماء النفس. لنبدأ بعلماء النفس، بعضهم يحاول أن يختزل أي شيء يبدو كنشاط عقلي ليكون نشاطًا جسديًا [في الدماغ]. ومع ذلك، هناك بعض العقبات في طريق اختزال الأنشطة العقلية في الأنشطة الجسدية(2). لا أعتقد أننا نستطيع بعد أن نقول بأي تأكيد أن هذه العقبات سيتم تذليلها أم لا. ما نستطيع قوله، على أساس الفيزياء نفسها، أن ما نطلق عليه جسدنا في الواقع هو بناء علمي مفصل لا يمت لأي واقع فيزيائي. الإنسان المعاصر سيكون إنسانًا ماديًا يجد نفسه في وضع محير، فبينما يستطيع أن يختزل الأنشطة العقلية إلى أنشطة جسدية بدرجة معينة من النجاح، فهو لا يستطيع أن يفسر حقيقة أن الجسد نفسه مجرد مفهوم مناسب اخترعه العقل. نحن نجد أنفسنا ندور في دائرة مغلقة: العقل نتيجة للجسد، والجسد اختراع للعقل. بوضوح هذا لا يمكن أن يكون صحيح تماما، ويجب أن نبحث عن شيء ما لا هو عقل ولا هو جسد، والذي منه ينطلق كلاهما.
لنبدأ بالجسد. الرجل العادي يعتقد أن الأشياء المادية لابد أن تكون موجودة، حيث أنها واضحة للحواس. أي شيء آخر يمكن الشك به، لكن بالتأكيد أي شيء تستطيع أن تصطدم به فلابد أن يكون حقيقيًا؛ وهذه هي ميتافيزيقا الرجل العادي. هذا حسن جدًا، لكن الفيزيائيون جاءوا وأظهروا أنك لا تصطدم بأي شيء: حتى لو صدمت رأسك بحائط حجري، فأنت لا تلمسه في الواقع. عندما تعتقد أنك تلمس شيئًا، هناك إلكترونات وبروتونات معينة، تشكل جزءًا من جسدك، تتجاذب وتتنافر مع إلكترونات وبروتونات معينة في الشيء الذي تعتقد أنك تلمسه، لكن لا يوجد تلامس حقيقي. الإلكترونات والبروتونات في جسدك، والتي تهيج عند الإقتراب من إلكترونات وبروتونات أخرى، تضطرب وتنقل الاضطراب من خلال أعصابك إلى الدماغ؛ والتأثير في الدماغ هو ما يسبب إحساسك بالتلامس، وبتجارب مناسبة هذا الإحساس يمكن أن يصبح مضللًا تمامًا. مع ذلك، الإلكترونات والبروتونات نفسها، مجرد تقريب أولي، طريقة لجمع سلسلة من الموجات أو الاحتمالات الإحصائية لأنواع مختلفة من الأحداث في حزمة واحدة. أي أن المادة كليةً أصبحت شبحية جدًا لا تصلح أن تستخدم كعصا مناسبة تستطيع أن تضرب بها العقل. المادة المتحركة، والتى اعتدنا ألا يرقى إليها الشك، أصبحت مفهومًا غير مناسب تمامًا لاحتياجات الفيزياء.
ومع ذلك العلم الحديث لا يعطينا أي دلالة على وجود الروح أو العقل ككيانات؛ بالتأكيد أسباب عدم الإيمان بها متشابهة جدًا لأسباب عدم الإيمان بالمادة. العقل والمادة عبارة عن أشياء مثل الأسد والحصان وحيد القرن الذان يتقاتلان على التاج؛ نهاية المعركة ليست فوز هذا أو ذاك، لكنا اكتشاف أن كلاهما مجرد اختراعات رمزية. العالم يتكون من أحداث، وليس من أشياء تدوم لوقت طويل ولها خصائص متغيرة. يمكن جمع الأحداث في مجموعات على حسب علاقاتها السببية. لو كانت العلاقات السببية من نوع معين فإن مجموعة الأحداث الناتجة يمكن تسميتها أشياء مادية، ولو كانت العلاقات السببية من نوع آخر، فالمجموعة الناتجة يمكن تسميتها عقل. أي حدث يحدث داخل رأس الشخص ينتمي إلى مجموعة من أحد النوعين؛ لو اعتبر الحدث ينتمى لمجموعة من نوع ما، فهو عنصر من عناصر الدماغ، ولو اعتبر الحدث ينتمى لمجموعة من نوع آخر، فهو عنصر من عناصر العقل.
من ثم فإن العقل والمادة كلاهما مجرد طرق مناسبة لتنظيم الأحداث. لا يمكن أن يوجد هناك سبب لافتراض أن قطعة من العقل أو قطعة من المادة خالدة. من المفترض أن الشمس تفقد المادة بمعدل ملايين الأطنان في الدقيقة. أكثر خصائص العقل ضرورة هي الذاكرة، ولا يوجد هناك سبب أي كان لافتراض أن الذاكرة المرتبطة بشخص ما سوف تنجو بعد موت هذا الشخص. بالتأكيد هناك كل الأسباب لافتراض العكس، حيث أن الذاكرة مرتبطة بكل وضوح بتركيبات معينة في الدماغ، ولأن هذه التركيبات تتحلل بعد الموت، فهناك كل الأسباب لافتراض أن الذاكرة أيضًا يجب أن تختفي. رغم أن المادية الميتافيزيقية لا يمكن أن تعتبر صحيحة، إلا أن العالم سيكون كما هو حسيًا لو كان الماديون على حق. أعتقد أن معارضي المادية كانوا مدفوعين دائمًا برغبتين أساسيتين: الأولى لإثبات أن العقل خالد، والثانية لإثبات أن القوة النهائية في الكون قوة عقلية وليست مادية. في هذين الأمرين، أعتقد أن الماديين كانوا على حق. صحيح أن رغباتنا لها قوة معتبرة على سطح الأرض؛ الجزء الأكبر من اليابسة على هذا الكوكب له مظهر يختلف عن المظهر الذي كان سيظهر عليه لو لم يستغلها البشر لاستخلاص الطعام والثروة. لكن قوتنا محدودة بشدة. لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نفعل أي شيء كان للشمس أو القمر أو حتى لباطن الأرض، ولا يوجد حتى سبب ضعيف لافتراض أن ما يحدث في مناطق لا تمتد إليها قوتنا له أي أسباب عقلية. لنلخص الأمر، لا يوجد سبب لنعتقد أنه باستثناء سطح الأرض أن أي شيء يحدث حدث لأن شخص ما رغب في حدوثه. ومن ثم قوتنا على سطح الأرض تعتمد كليةً على تزويد الطاقة الذي تأخذه الأرض من الشمس، نحن نعتمد بالضرورة على الشمس، ولا نستطيع أن نتخيل أي من رغباتنا لو بردت الشمس. بالطبع من التسرع أن نسلم بذلك حيث لا نعرف ما يمكن أن يحققه العلم في المستقبل. من الممكن أن نتعلم أن نطيل من وجود الإنسان أكثر مما يبدو أنه ممكن الآن، لكن لو كان هناك أي حقيقة في الفيزياء الحديثة، بالتحديد في القانون الثاني للديناميكية الحرارية، فلا نستطيع أن نأمل أن يستمر الجنس البشري للأبد. بعض الناس سيجدون هذا الاستنتاج كئيبًا، لكن لو كنا صادقين مع أنفسنا، فيجب أن نعترف أن ما سيحدث بعد ملايين السنين لا يوجد له أهمية عاطفية كبيرة لنا هنا والآن. والعلم، والذي ينتقص من طموحنا الكوني، يزيد بشكل هائل من راحتنا الأرضية. ولهذا، على الرغم من رعب اللاهوتيين، سمح للعلم ككل بالتواجد.

(1) العقل يستخدم في الفلسفة لوصف الذات العليا للإنسان خاصة عندما يكون واعيًا بشكل شخصي مثل: الذكاء والتفكير والذاكرة والمشاعر العاطفية … إلخ. والروح والعقل غالبًا ما يكونان مترادفان في الفلسفة. أما الدماغ فهو العضو المادي الذي يوجد في جمجمة الإنسان ومعظم الحيوانات، وعلم الأعصاب الحديث لا يعتبر العقل موجودًا على الإطلاق ويقول بأن العقل كله مجرد انعكاس لعمل الدماغ، وهذا لم يكن واضحًا عندما كتب راسل هذا المقال [المترجم].
(2) معظم هذه العقبات ذللت الآن [المترجم].

نقلا عن مدونة بهاء ابو زيد