عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
9656
 
أحمد صالح
ابن منابر الـبــار

اوسمتي


أحمد صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,046

+التقييم
0.15

تاريخ التسجيل
Mar 2005

الاقامة
تحت سماء مصر

رقم العضوية
216
08-14-2010, 08:56 PM
المشاركة 1
08-14-2010, 08:56 PM
المشاركة 1
افتراضي ليس لدي الكولونيل من يكاتبه - جابرييل جارسيا ماركيز
ليس لدي الكولونيل من يكاتبه


ترجمها عن الأسبانية : صالح علماني
ودققها : سعيد حورانية


نزع الكولونيل غطاء علبة البنْ فتأكد من أنه لم يبق فيها سوي قدر ملعقة صغيرة. فتناول إبريق القهوة عن الموقد، وسكب نصف ما يحتويه من ماء على الأرض الترابية، ثم كشط بسكين محتويات العلبة ونفضه فوق الإبريق إلى أن سقطت آخر ذرات البنْ مختلطة بصدأ العلبة.
وبينما كان ينتظر غليان القهوة، شعر الكولونيل وهو يجلس إلى جانب الموقد المصنوع من لبن، وعلى وجهه تبدو مظاهر الانتظار الواثق البريء، بأن نبتات فطر وزنابق سامة تنمو في أحشائه. حدث هذا في أكتوبر. في صباح يوم من الصعب تصنيفه، وخاصة لرجل مثله عاش أصباحا كثيرة مثل هذا الصباح. فطوال ست وخمسين سنة منذ انتهت الحرب الأهلية الأخيرة لم يفعل الكولونيل خلالها شيئا سوي الانتظار، وكان مجيء أكتوبر أحد الأمور القليلة التي تمر في حياته.
رفعت زوجته الكلة عندما رأته يدخل حجرة النوم حاملا القهوة. لقد عانت تلك الليلة من نوبة ربو، وتنتابها الآن حالة من النعاس. ولكنها اعتدلت لتتناول الفنجان، وقالت:
ـ وأنت!
فكذب الكولونيل قائلا:
ـ لقد تناولت قهوتي، ومازالت لدينا ملعقة كبيرة من البنْ.
في تلك اللحظة شرعت الأجراس تقرع. كان الكولونيل قد نسي الجنازة. وبينما كانت زوجته تتناول القهوة، نزع شبكة النوم المعلقة في أحد أركان الغرفة وطواها في الركن الآخر وراء الباب. فكرت المرأة بالميت، وقالت:
ـ ولد سنة .1922 بعد شهر تماما من ميلاد ابننا. يوم السادس من نيسان (ابريل).
وتابعت رشف القهوة ما بين شهقات تنفسها المتقطع. كانت امرأة تبدو وكأنها مبنية من غضاريف بيضاء مسندة إلى عمود فقري متقوس وبلا مرونة. واختلاجات أنفاسها تضطرها إلى ضغط أسئلتها. وعندما انتهت من تناول القهوة كانت ما تزال تفكر بالميت فقال: 'لابد أن دفن المرء في أكتوبر شيء رهيب'. ولكن زوجها لم يعرها اهتماما. فتح النافذة. كان أكتوبر قد استقر في البهو. فأخذ يتأمل النباتات التي كانت تنشق عن اخضرار كثيف. والأخاديد الدقيقة التي خلفتها الديدان في الوحل، ثم أخذ يحس من جديد بالشهر المشئوم في أمعائه.
****
قال
ـ أشعر بأن عظامي رطبة.
فردت زوجته:
ـ انه الشتاء. منذ بدأ المطر يهطل وأنا أقول لك بأن تنام لابسا جرابك.
ـ منذ أسبوع وأنا أنام بالجراب.


ما أعظم أن تكون غائبًا حاضر ... على أن تكون حاضرًا غائب