عرض مشاركة واحدة
قديم 01-12-2019, 03:25 AM
المشاركة 2
زكرياء بوغرارة
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي




تنفس الصعداء وقد نطت لمخياله صورة من زمن العتمة .. هناك حيث انصرمت حبات من سبحة العمر .. لازالت العتمة تسكنه كما كان يسكنها من وقت ليس ببعيد.. حاول جاهدا ان يطرد عنه تلك السحابة الداكنة من العتمة والحزن وهو يحث الخطى في اتجاه حي بلعباس حيث {{ الدار الكبيرة}}.. انها دار جده الحاج احمد ابو زيان واخواله موسى والعربي ومولاي أحمد.. فيها عبق تاريخ مضى وانقضى وقصة أحزان جملة من الأحزان و قفة صغيرة من الأفراح المتناثرة بين تلابيب السنوات..
وفيها ذكريات من نهر الذكريات الطويل.. بهمومها وشجونها وغيومها وسحبها الداكنة وغماماتها الممطرة أحيانا..
صعد أنفاسه المليئة بالحسرات وهو يسترجع ذكرى جده الحاج أحمد أبو زيان بجلبابه المغربي الأصيل وطربوشه {{ الوطني}} بلونه الأحمر..
كان يلفه بشاش أبيض اللون مزركش بخيوط من الحرير الصفراء ليصبح مثل العمامة التي يعتمرها الأزهريون....
كانت تزيده هيبة ووقارا وهو يمشي الهوينى يحمل على كاهله سنواته الثمانون كقوقعة ثقيلة تسحبها سلحفاة عميقة الكهولة..
ذكرى الجد تحمل معها الشجون والشجون الثقيلة ...
هنا كان يجلس ليسامر في الصيف رفاقه.. يتطارحون حديث السياسة والسلم والحرب.. وكل شيء.. وهناك كان يجلس بعد ان يبسط{{ هيدورته}}1 وهي عبارة عن جلد الخروف بعد أن اصبحت صالحة لتكون بساطا نقيا نظيفا جذاب اللون منفوش الصوف..
كان يجلس ساعات من النهار ليلتو القرآن ينطلق من سورة الفاتحة ليصل الى منتصف الكتاب الكريم احيانا في محطة .. سورة {{ مريم ..}} واحيانا أخرى كان يوغل فيه برفق فلا يجاوز سورة {{ الاعراف}}...
لكنه في كل الاحوال... كان يغدو ويروح في سياحته اليومية بين سور القرآن بصوت خفيض .. وخشوع عميق..
ذهابا وغيابا.. يغدو ويروح.. لا يكل ولايمل

مكث سيف الدين غير بعيد عن الدار يتأمل كل شيء في الدرب ويستنطقه ليعود به إلى الذكرى العميقة .. الدفينة.. التي لم تمت بين جوانحه ووجدانه..

تقسو الذاكرة حتى تصبح كحجر الصوان موغلة في القسوة والتحجر..
واللؤم احيانا .. حينها تنسى او تتناسى صفحات وصفحات من نهر الذكريات بليالي بودير الجميلة والغائمة...
الصحوة والممطرة... اللينة الحنونة والقاسية القارسة...الممتلئة بالخشونة والشظف في كل شيء..



يتبع