عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2016, 04:07 PM
المشاركة 54
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...ذكريات سنوات الطفولة المبكرة...سنوات من الميلاد الي ما قبل المدرسة:



امرأة أخرى من الحي، وبيتها لا يبعد سوى بضعة أمتار عن بيتنا، وهي من صنف آخر مختلف من النساء، ومصدر اشد قسوة، وأبشع من البلاء...عيناها الجميلة تقطر شرار مستطيرا، وحتما هي لم تكن اقل شرا وتدميرا...وكان سلاح هذه المرأة العيون، وليس السخام، والرماد، والجنون...

امرأة أخرى فتية بعيون زرقاوية، او ربما هي خضراوية او بين هذا وذاك...المهم انها عيون بألوان سحرية، وبقدرات جهنمية، وشيطانية فوق عادية...واسنانها فرق بكل تأكيد وبصورة ظاهرة وجلية...

وقد تأكدت من ذلك شخصيا حين دنوت منها الى حد كبير، مخاطرا بكل شيء لأقطع الشك باليقين ولأعرف ان كان فيها فعلا ما يقال عن الحساد...وأنتم حتما تعرفون ماذا يقولون في الامثال الشعبية عن اصحاب العيون الزرق، والاسنان الفرق؟

نعم...انهم اشخاص يمتلكون عيون بقدرات سحرية فوق طبيعية...واشعة ليزارية فوق بنفسجية...إذا ما سلطت هذ الاشعة على الجمل ادخلته القدر...وإذا ما سلطت على الانسان ادخلته القبر...

انه الحسد...آفة رهيبة اظنها تعصف بالمجتمعات الصغيرة، المنفتحة على بعضها البعض، حيث لا خصوصية ولا اسرار...والابواب مشرعة مفتوحة امام الجميع وفي كل الأوقات...

وقد ابتلينا بهذا المرض في قريتنا في ذلك الزمان، وعصف في بيئتنا المحيطة، وأقلق راحتنا...واظنه في أحيان كثيرة كان يسقطنا ارضا، ويهشم أيدينا، وارجلنا، وروسنا، ويشوه وجوهنا...ويطرحنا أحيانا أخرى مرضى لأيام واسابيع...وربما ادخل البعض القبر...كما ادخل الجمل القدر...

حيث يشاع ان ذلك الجمل الذي كنت قد حدثتكم عنه، والذي قلت لكم انه تزحلق على صخور بئر حارس الملساء، وذبحه صاحبه على إثر ذلك، وفرق لحمه على سكان القرى المحيطة والمجاورة... لم يكن في حقيقة الامر قد تزحلق، وان الصخور من تلك التهمة براء، وانما كان ذلك الجمل ضحية من ضحايا الحسد من النوع الفتاك...وان زحلقته كانت بفعل فاعل...جريمة ارتكبها صاحبها مع سبق الإصرار والترصد، رجل حسود...وتهمة عليها شهود...

حيث يقال ان رجلا ممن عرف عنهم امتلاك مثل تلك القدرة السحرية، الشيطانية، سأل الرجال وهم مجتمعين في المضافة...ان كانوا يرغبون بالأكل من لحم ذلك الجمل الذي كان قد مر بالقرية في ظهيرة ذلك اليوم وشاهده الناس؟

فقالوا له نعم...وربما قالوها له، وقد اتخذوه سخريا...فما كان منه الا ان جمع امامه كومة من التراب، وجعله على شكل سنام الجمل...وقال بصوت مرتفع وهم يستمعون" يقطعك يا ذلك الجمل ما اجملك!!!"...

وما هي الا ساعات قليلة حتى وصل لحم ذلك الجمل الي القرية، حيث كان ذلك الرجل الحسود قد رماه بساهم عيونه الحاسدة القاتلة، فطرحه ارضا، وكسر قوائمه فما عاد ينفع معه الا السكين لترحيه من الكسر والوجع والانين...قتله واوصل لحمه القدر بشر حسده المستطير اللعين...

وان كنت لا أستطيع تأكيد تلك الرواية، واجزم بمدى دقتها وصحتها...وهل فعلا كانت رواية واقعية، وحدثت كما قيل ويقال...ام هي قصة من نسج الخيال...وان ذلك الرجل لم يكن قاتلا، بل هو ضحية من ضحايا القيل والقال...لكنني أستطيع ان أؤكد أثر الحسد الذي شاهدته بعيني...وامام ناظري...

وما تلك المرأة الحسودة التي خفتها طوال سنوات طفولتي وخاف الناس من حولي، وقد شاء القدر ان يكون بيتها قريب من بيتنا...وكانت كثيرا ما تعبر فناء دارنا متخذة منه طريقا مختصرا تعبر من خلاله لقضاء بعض شؤونها...ما تلك المرأة الا نموذج للحساد واظنهم كانوا كثر في ذلك الزمان...

فقد كنا نعجب نحن سكان ذلك الحي من قدرة تلك المرأة اشد العجب...ومن واقع ما سمعنا، وعرفنا عنها، ولمسنا وشاهدنا بأم اعيننا ما تستطيع فعله بقدرات عيونها السحرية...الشيطانية الجهنمية...

رغم اننا كنا حريصين اشد الحرص على تجنبها بكل الوسائل، والحيل...حتى أننا كنا إذا شاهدنا زوالها ات من بعيد...عدنا من فورنا...ندير لها ظهورنا ونرجع من حيث اتينا...سالكين طريقا اخر ومحاولين تجنب شرها وشر عيونها الفتاكة بك الاساليب...وإذا ما استشعرنا وجودها في مكان نفر منه هاربين بسرعة ريح عاصفة، ونحن نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم...

فلم يكن لدينا شك بقدراتها السحرية، وقد شاهدنا آثرها مرارا وتكرارا، على الانسان والحيوان فينا وفي بيتنا وفي الأشياء حولنا...
وفي زمن لاحق اذكر انني وفي أحد الأيام، وانا ما أزال اذكر تلك الحادثة تماما، وكأنها حدثت بالأمس القريب، وما تزال غضة، طرية...وكنت اجلس انا وأخي محمود الأكبر سنا، على الصخور الكائنة على جانب الطريق الواصل الي بيتنا، تلك الصخور التي كان الناس يضعونها للجلوس عليها امام المنازل وفي الطرقات يتسامرون خاصة في ساعات المساء...ومر من امامنا طفل من أبناء الجيران ويبدو انه كان عائدا من الدكان...وكان مهندما، نظيفا، جميلا، يحمل في يده لعبة، او بعضا من الطعام، وكان يسير وهو يشع بهجة وحيوية وسرور...وكأنه فرخ حمام...

وقد انتبهنا حين ظهرت تلك المرأة الحسود فجأة...وما هي الا لحظات حتى سلطت سهام عينيها عليه...واخذت تحدق فيه، واستنفرنا من الخطر الزاحف ونحن نحاول الانزواء بعيدا عن عينيها ونتمتم بآيات قل اعوذ برب الفلق...

واستشعرنا بأن كارثة على وشك الحدوث، وعرفنا بانها لا بد واقعة، من واقع التجارب الماضية...فصرنا نرقب الموقف بعيون فاحصة، ومتأملة، وخائفة على مصير ذلك الغلام المحتوم الذي كان يتقافز مثل طائر الريكزان ...

وصرنا نتهامس ونعد لسقوطه عدا تنازليا، ونحن متأكدين اننا على وشك مشاهدة تلك المرأة وهي تمارس سحرها، وتنفث حسدها...منتظرين الكارثة التي على وشك الحصول...عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة، ستة، خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد...

وسقط ذلك الغلام على الأرض كما توقعنا...فأسهم عيون تلك المرأة الحاسدة تصيب دائما ولا تخيب ابدا...

يتبع...