عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2464
 
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية

د نبيل أكبر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
42

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Oct 2011

الاقامة

رقم العضوية
10530
02-19-2013, 08:12 PM
المشاركة 1
02-19-2013, 08:12 PM
المشاركة 1
افتراضي لا ناسخ لآياته القرآنية ... عزَّ وجلَّ وتعالى

بسم الله الرحمن الرحيم


استأثر تبارك وتعالى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومن بعده أمته بآيات القرآن الكريم. فهداية وإعجاز أمة الإسلام تمت بآيات الفكر والعقل والتدبر بدلا من الآيات المادية، وهذا إكرام عظيم منه تعالى لأمتنا لم يكرم به أحدا من قبل. لقد أكرمنا الله تعالى بالقرآن الكريم المحفوظ ولم يكرم أحدا من الأمم بهذا الشرف العظيم.



فقد سميت جمل القرآن الكريم المرقمة والبالغ عددها 6236 بالآيات المنزلات من عنده تعالى. فإن جعل تبارك وتعالى لكل نبي بضعة آيات موضعية ممحوة، فقد جعل لنبينا الكريم 6236 آية معجزة خالدة للناس كافة.



وتعهد سبحانه وتعالى بحفظ كل حرف فيه، وبحفظ معانيه وشرائعه ... وتلك كرامة ما بعدها كرامة:



إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9)



وذكر تعالى أن آيات القرآن الكريم كلها مُحكمة أي لاتعارض في أيٍ منها ولا ضعف:



الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (هود:1)


ويقول تعالى عن القرآن الكريم:



إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (فصلت:42)


فكلامه سبحانه لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه أي لا يأتيه باطل فيما ظهر منه وما بطن وما سبق نزوله وما تأخر.


ونعلم أن الباطل يُمحى:


أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (الرعد:17)



وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (الإسراء:81)



أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور (الشورى:42)



ولأن ما يمحى باطل، والقرآن أحكمت آياته لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا خلفها، ثبت أن لا ناسخ لآياته عزّ وجلّ وتعالى.




كما قال تعالى:



واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا (الكهف:27)


فما معنى "لا مبدل لكلماته"؟ أوليست الآيات التي قيل أنها منسوخة من كلماته تعالى؟


كما إنَّ كرامة وقدسية ومكانة كلامه تبارك وتعالى وإعجازه وتصوره صالحا لكافة الأممِ إلى يوم الدين تكمنُ في كونه وحي من الله تعالى الأعلى. ولو جعلنا قياس العلماء الذين يختلفون في زمنٍ واحدٍ، فضلاً عن اختلافهم في أزمانٍ متباعدة، فضلا عن اختلاف عالم واحد في قضية واحدة مع نفسه، لو جعلنا تلك المتغيرات الإنسانية مقياسا ثابتا على صحة أحكامه لأصبح القرآن نفسه مشكوكاً فيه كما هو الحال لقياس العلماء.



فما يقال من وجود آيات في المصحف باقية شكلاً ومنسوخة حُكماً يخالف القرآن الكريم والعقل والمنطق ويخالف الدليل والبرهان ومُنافٍ لاحترام وقدسية القرآن. فلو وجدت آية واحدة منسوخة في القرآن الكريم لم يبق للقرآن كله أي اعتبار، حاشاه كذلك. فأي دليل عندنا لنعرف به كون آية من الآيات صالحةً أو غير صالحة؟



ثم إن الناسخُ والمنسوخُ من كلامه تعالى يُحَدِدُهُ بشر من طين على حَسبِ درجتِهم في العلم أو في المنصب، أو ، أو ، أو ......



إن القول بنسخ بعض آيات القرآن الكريم ينافي الآية التاسعة من سورة الحجر الكريمة. فالآية عامة وتتحقق في أول نزول وآخر نزول لآيات القرآن وما بين ذلك. فلا ينبغي حصر معنى الآية على الحفظ بعد اكتمال النزول، بل طوال فترة النزول وما بعد ذلك. فلو قلنا بالنسخ فإننا نقول أن الآية لا تنطبق أثناء النزول بل نحصر الحفظ لما بعد اكتمال النزول. فمن أين لنا هذا الحصر؟




والإنسان لا يستطيعُ فَهْمَ معنى أنَّ القُرآنَ ينسَخُ بعضُه بعضَاً إلَّا أنْ يكونَ المنسوخ (والذي لا يتفق عليه الناس أصلا) والذي هو جزء لا بأس به من القُرآن، إنَّما هو "لِمَلءِ فراغٍ" أو "إكمالِ عَددٍ" أو "للقراءةِ من دونِ تفَكُّر" أو "تشريعٌ مُنتهي الصلاحيَّةِ نزلَ لغرضٍ ولحدثٍ مُحددٍ انقضى زمنه، فأصبحَ موجُوداً شكلاً لا مضموناً" ... وبهذا فالقُرآنُ لا يناسبُ جميعَ العصورِ والأُمَمِ كما نزعم، وحاشاه أن يكون كذلك، بل هو أشبهُ بمدينةٍ تحوي الكثير من العُمران الحديث مع وجودِ بعض المنازل المهجورة التي عجزتِ البلدياتُ عن إزالتها أو ترميمها ....



يمضي الناس حياتهم باحثين في "كتابِ الخلقِ المبين" ومُتأملين في ملكوتِ السمواتِ والأرض وما فيهما من آياتٍ بليغةٍ، تُكْملُ بعضُها البعضَ ولا تناقضُ بعضُها البعضَ ... في نظامٍ جميلٍ بديع معجز ... نطأطئ الرأسَ من عظمةِ ربٍ عظيم ... خَلقٌ بديعٌ لا يأتيه الباطلُ ولا الخللُ ... وكُلُّ شيءٍ فيه يُومئ إلى مصدر واحدٍ ... إلى إلهٍ واحدٍ ... ما نرَى في خَلقِ الرحمن من تفَاوتٍ أو من فُطور وضَعفٍ في بعض أجزاءِه ... فنتفكر مُطأطِي الرأسِ خاسِئن في قولِهِ تعالى من سُورةِ المُلك:



الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً، مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)


فإنْ لمْ يكنْ في خلقِ الرحمنِ من تفاوتٍ وتعارضٍ وفُطورٍ وضعفٍ في بعض أجزاءه، فكيف يكونُ ذلك في كلامِه وهو العزيزُ العليم؟ فيهتز كياننا ونتحير ونسألُ: فهل مصدرُ الكتابين إذن واحدٌ؟



تَتمعرُ الوجوهُ غَضَباً وغِلظةً، وتنظر شذراً إذا قيل لها: لكنَّ كلامَك يُعارضُ ويناقضُ بعضُه بعضاً ... فبالأمسِ قلتَ بخلافِ ما تقولُ الآن .... فإنْ كنا لا نقبل التعارض لأنفسنا، فكيف نقبله لرَبِّ العالمين؟


إنَّ سيِّدنا رسُولَ الله أُوتيَ "جوامعَ الكَلِم" أي إنّهَ "يُوَضِحُ الفِكْرةَ بأقلِ عددٍ من الكلماتِ"، فمن بابِ أوَّلى ألا يحتوي كلامُه على مُتناقضاتٍ .... فإنْ كان سيِّدنا رسُولُ الله قد أوتيَ "جوامِع الكلم"، فما بالنا برَبِّ العالمين؟


فعلماءُ الفلكِ والطبِّ وغيرها من العلوم الطبيعيَّةِ على مدار التاريخ يتوقفون عند حدودِ علمِهم بخلقِ الله ولا يدَّعون أنَّهم اكتشفوا كُلَّ أسرارِ الخلقِ ... وهم يدركون حقَّ الإدراك أنَّ كتابَ الخلق أكبرُ وأعظمُ من أنْ يفهموا كُلَّ أسراره...


فإن كان هذا الجهل مع "كتابِ الخلق" فما بالُنا نخوض في تفسيرِ كُلِّ المصحفِ بلا أيِّ غَضَاضةٍ وحَرَج؟ لماذا لا نقول هناك "سِّرٌّ" لا نعلمُه في هذه الآيةِ؟ أو نقول أنَّ إدراكَ البشريةِ في هذا القرنِ من الزمانِ أقلُّ من أنْ نفهمَ هذه الآية ولعلَّ اللهَ سبحانه أنْ يفتحَ على العالمين بها مُستقبلاً؟


فلَكَمْ من الآياتِ من حولِنا نراها ولا ندركُ منها إلَّا ما شاءَ سُبحانَهُ لنا أنْ ندركَ ... فلقد أمضت البشرية عصورا تبحث في الخلقِ وآياتِه، ولا تزال في جهلها كمنْ لمْ يُفْنِ يومَاً في مثلِ ما أفنت ...


ولو كان عِلمُ الخلقِ هذا كِتَاباً كُتِبَ بمدادِ بِحارِ العالمين فالبشرية بالكادِ تعلم جُملةً واحِدةً منه ... فإنْ كان هذا الجهلُ حالَنا مع كتابِ الخلقِ المبين، فتُراهُ كيف يكونُ مع كتابِ القرآن الكريم؟


فإنْ كان من تعارضٍ ظاهرٍ في بعض معاني الآيات، فهذا لا يعني النسخَ! بل هو عدمُ استطاعتِنا لفَهْمِهِ بقدراتِنا التي بين أيدينا. ولو دعونا الله سُبحانَه وأخلصنا إليه لفتحَ علينا بالحق في تأويل ما "نظنُ" أنَّه تعارض.


فإن من تعارض فهو في عقولنا، وإن من متشابه فهو في قلوبنا، وإن من نسخ فهو لأقوالنا، عزّ وجلّ وتعالى ...




وسأتعرض تاليا لثلاثة أمور يُستدلُ بها على نسخ القرآن الكريم.



أولا:



مَا نَنسَخْ مِنْ ءايةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ {البقرة: 106}


ولا يلزمُنا لنقد فكرة النسخ منها إلَّا النظرَ إلى ما قبلَها وما بعدَها ...


ما يودّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {105} مَا نَنسَخْ مِنْ ءايةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ {106} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِن وَلىٍ وَلا نَصِيرٍ {107} أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسـءـلواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ، وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {108} وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إيمانكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ {109}



الخطابُ في سورةِ البقرةِ من الآيةِ 40 إلى الآية 113 يتعلقُ باليهودِ مُباشرةً، فلا بد أنَّ موضوع النسخِ في الآية {106} يتفقُ مع السياق العام فيكونُ الخطابُ إلى اليهودِ مُنتقِداً إياهم على استنكارهم نسخ آياتِ التوراةِ. فعندما نزلتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ {الخيرُ المُنزلُ من ربنا} نسختِ الشرائعَ السابقةَ. فغضِبَ الذين كفروا من أهلِ الكتابِ والمشركين لنسخِ ما هم عليه من شرائعَ وعاداتٍ. ولكنَّ الأمرَ ليس بيدهم، بل هو من تقديره تعالى وهو {عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ } ... وهو يختصُ برحمتِه وبدينِه الجديدِ الناسخِ لما قبلِه منْ يشاءُ من الناسِ.




كذلك فالآيات قبل وبعد آية النسخ المزعومة 106 موجهة مباشرة لبني إسرائيل. فلم لا تكون آية النسخ كذلك أيضاً؟ بل يجب أن تكون كذلك إلا إذا قلنا بأنَّ كلامه تعالى غير مترابط ...



ثم نجد الآية 109 والتي تقولُ أنَّ الكفارَ من أهلِ الكتابِ يحسِدُونكم لأنَّ دينَكم خيرٌ من "دينِهِم المنسوخ". وللتأكيدِ على أنَّ الحسدَّ المذكورَ في هذه الآيةِ مرتبطٌ بالآيةِ 106 (والتي ذُكرَ فيها النسخُ) هو ذِكرُ أنَّ: اللهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ ... في نهايتيهما.



كذلك فالآيةُ {106} التي ذُكرَ فيها النسخُ مُحاطةٌ قبلها وبعدها بالتذْكِير بأنَّ هذا النسْخَ لا يَودُّه الذين كفروا. ففي الآية 105 : مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ … وفي الآية 109 : وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكتابِ ....


فما الذي لا يَودُّه الذين كفروا؟ هو المذكورُ والمحصورُ بين الآيتين، وهو نسخُ آياتِ التوراةِ والإنجيلِ وعاداتِ العربِ الجاهليَّةِ ...



فالآياتُ أعلاهُ تقول ببساطةٍ إنَّ القُرآنَ ينسَخُ ما قبلَه من أديانٍ وشرائعَ، وشتانَ بين هذا التأويلِ وبين القولِ بأنَّ آياتِ القُرآنِ ينسَخُ بعضُها البعض ....




ثانياً:


وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ {النحل: 101}


الاستدلال بالنسخ من الآية في غير محله. إذ لا يلزمُ أنْ تكونَ الآيةُ هنا بمعنى الآية القرآنية أيضا! بل هي آياتُ الله تعالى المتمثلةُ بالشريعةِ الإسلاميةِ الناسخةُ لما قبلها. فالمعنى هو: إذا بدَّل تعالى شريعةً مكانَ أخرى فلا يجوزُ الاعتراض، لأنَّه تعالى يعلمُ المناسبَ لكل زمن.


بعد توضيح معنى الآياتِ التي تُستخدمُ لتبرير النسْخِ في القرآن (آية 106 من البقرة وآية 7 من آل عمران وآية 101 من النحل)، أُقدمُ مثالاً يظهرُ الاستعجال في القولِ بالنسخِ ...



فمنَ الشائعِ بين الناسِ أنَّ شربَ الخمرِ كان مُباحاً أوَّلَ الإسلامِ بدليلِ قولِه تعالى:


يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ {النساء : 43}

ثُمَّ بعدَ هذا نزلَ التحريمُ "ونُسِختِ الآيةُ" بما يلي :



يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة :90}


النسْخُ هو أنْ يُنسَخَ (أي يُمْحَى) حُكْمٌ شرعيٌ بحُكمٍ شرعيٍ آخر. والسؤالُ هو أينَ الحكمُ بجوازِ شربِ الخمرِ في الآيةِ 43 من سُورةِ النساء؟ فعندما نقولُ: لا تأكلْ في الصلاةِ، فهل حرمنا الطعامَ؟ أم هو حُكمٌ من أحكامِ الصلاةِ؟ هو حُكمٌ من أحكامِ الصلاةِ بالطبع، فالحكم هنا للطعام. كذلك فعندما يُنهى عن الصلاةِ بحالةِ السُكْرِ في آيةِ النساءِ يكون حُكما من أحكامِ الصلاةِ وليس حُكْما للخمر ...


فليس في القُرآنِ آيةٌ تقولُ بتحليلِ الخمرِ كي تأتيَ آيةُ التحريمِ من سُورةِ المائدةِ لتنسَخَها. فإنْ لمْ يكنْ من منسوخٍ ابتداءً، فليس من ناسِخ.



ما حصلَ هو أنَّ الناسَ كانت تشربُ الخمرَ في صدرِ الإسلامِ، ليس لأنَّها حلالاً، ولكنْ لأنَّه لمْ ينزلْ حكمُ الخمرِ بعد. وفي هذه الأثناءِ (أي قبلَ نزولِ حُكمِ الإسلامِ في الخمر) نَبَّه سُبحانَهُ المسلمين إلى عدمِ الصلاةِ في حالِ السُكْرِ لأنَّهم قد يقولون ما لا يليقُ بمقامِ الصلاةِ، كما هو مذكورٌ في آيةِ سُورةِ النساء. ثُمَّ حينَ جاءَ وقتُ نزولِ حُكْمِ الخمرِ نزلتْ آيةُ التحريمِ من سُورةِ المائدةِ، فامتنعَ الناسُ عن الشربِ ...




فشرائعُ الإسلامِ لمْ تنزلْ دُفعةً واحِدةً كما هو معْلُوم. فالقِبْلةُ كانت نحو بيتِ المقدسِ لعدةِ سنواتٍ، ثُمَّ نزلَ الحكمُ بتغيرها إلى مكة. وحدودُ السرقةِ لمْ تنزلْ إلَّا في أواخرِ البعثةِ، فهل كانتِ السِرقةُ حلالاً في أوَّلِ الإسلام ثمَّ نُسِخَ حُكْمُها؟ فاللهُ سُبحانَهُ هو المُشرِعُ لنا كيفما شاءَ، وحينما يشاءُ ... وليس معنى هذا التدَرُجِ في نُزُولِ الأحكام أنَّ الإسلامَ ينسَخُ بعضَه البعض، بل هو الإسلامُ ينسَخُ ما قبله تدريجياً ... وشتان بين الاثنين ...



يتبع ...