عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
10690
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
08-11-2010, 12:26 AM
المشاركة 1
08-11-2010, 12:26 AM
المشاركة 1
افتراضي عزيزة خالد الوحش ...من حكايات الضيعة
عزيزة خالد الوحش

من حكايات الضيعة



قضبان الشباك حديدية غليظة...و طفلة وراءها تقف عند انبلاجة الصبح حيث رائحة الأرض البكر تعشش في خلايا الذاكرة ... مفعمة تلك الرائحة بغرائبية لا مثيل لها
كعادتها ...كل صباح تمر تلك المرأة يتبعها كلبها ..تأتي من آخر مكان مأهول في القرية
يلح سؤال ما ...يعتلي منصة التبرير: أين كانت هذه المرأة منذ الفجر؟بل هل قضت ليلها في الحقول المظلمة؟
اشتعل رأسها بياضا بلون القطن النظيف غير المغزول بعكس سواد كلبها الضخم الذي يمشي وراءها كقط وديع
سؤالي عنها لا يني يعلن عن نفسه في كل فرصة سانحة ...جدتي أو العمات ..الخالات ...كل نساء القرية
و لا جواب
فقط هزة أكتاف لا مبالية حينا ...مستهزئة حينا ...لوامة غالبا
عزيزة لا تسكن دارا .. بل قصرا من الطراز التركي بشرفة تطل على المدخل يقود إليها سلمان يفضي أحدهما للآخر
قصر جميل غير أنه يطل على مقبرة القرية فهل ابتنى خالد الوحش قصره على تخوم المقبرة إمعانا في إرهاب الفلاحين؟
أم أن القرية عاقبته بدفن موتاها أمام عينيه تأنيبا و لوما مستمرا و ثورة مكتومة مبطنة ؟ الامر سيان طالما النتيجة واحدة : يفسد جمال القصر إطلالته على المقبرة...
و عزيزة؟ من هي ؟
حاصرت جدتي تلك المرأة العفية القادرة على دحر الهموم رغم عمرها المتطاول في عمق الزمن ..ذات ليلة شتوية باردة حيث الصقيع في الخارج و هي لا تكف عن اطعام الكانون لتذكي اواره
وجدَت أنه لا مفر من الإجابة فبيت المؤونة خبت نار موقده و بات باردا بعد انتهاء مهمات النهار..و الليل الذي فرد قلوعه متواطئا مع البرد يغريها بالمكوث و الحديث فهو اسلم الشرين
لهب المصباح الزيتي يتراقص على جدران الغرفة الطينية...و الجمر في حضن الكانون يرقب جدتي بعيون اشد التماعا و ربما انتظارا
-عزيزة امرأة غريبة ...
هكذا تتقن جدتي فن البدء و زرع نبتات التشويق على حافة الحديث
-حضرت عزيزة للقرية في أجل غير معلوم ...لكنها شوهدت ذات صباح تنظف شرفة القصر عندها عرف الفلاحون أن هناك خادمة جديدة في القصر
سيد القصر خالد كان يكنى بالوحش لما عرف عنه من جشع و قسوة و سوء معاملة للفلاحين عندما خرجت عزيزة لساحة القرية للمرة الأولى كانت حاسرة الرأس زهرة يانعة تتفتح جمالا مكتملة الأنوثة
استهجنها الجميع لكن شيئا فشيئا غزت قلوب رجال القرية حبا إذ يمصمصون شفاههم التذاذا بجمالها لدى مرورها و غزت قلوب نساء القرية كرها حيث هي تهديد مستمر لكل من يحظى زوجها بلقاء عزيزة او الحديث اليها
كانوا في جدال دائم و خصومات مستمرة مع خالد الوحش حول توزيع المياه و تقسيم الارض الزراعية و نسبته من غلة المحاصيل ...استمروا في شجار معه و لكن
حول كيف يحجبون عزيزة
ورفض على عادته و فقا لتاريخه المعلن و السري معهم
بقيت عزيزة بلا حجاب
ذات صبح اكتشف احد الفلاحين انها ليست مسلمة عندما رآها تصلي في حديقة القصر و ترسم الصليب على صدرها منذ تلك اللحظة لم يعد أي من الفلاحين يستلفته جمال عزيزة
اصبحت رئيسة الخدم عندما استقدم خالد خادمتين أخريين لكنها بعد فترة اختفت من ساحة القرية و حديقة القصر و من الشرفة ايضا ..
في بعض الأحيان كان السؤال عن مكان عزيزة يلح على سهرة رجال القرية لتبدأ سلسلة من تكهنات ربما لا علاقة لها بالحقيقة و ربما تكون فيها الحقيقة كلها ...سؤال كان يفرض نفسه كمادة للتندر او لتزجية الليالي الطويلة للقرية البسيطة و لكنهم سرعان ما يملون فينتقلون إلى ما هو أهم بالنسبة لهم
بعد اختفاء دام عاما عادت الى الساحة ..عادت ذاوية و كانها أبلت من مرض منهك أو عادت من سفر طويل ... أو كالعائدين من ساحات الحروب نفس الملامح و لكنها بطريقة غريبة أضحت .قبيحة الى حد استدعى عقد مقارنة مستعجلة بين قبحها الحالي و جمالها البائد
تناقل أهل القرية خبر ظهور عزيزة ثانية بشيء من الاحتفاء على عادتهم أمام كل حدث جديد
قيل أنها كانت حبلى ...لكن لا أحد يعلم حقيقة إن ولدت

قيل أنها كانت حبيسة سرداب القصر المعتم حيث سامها خالد الوحش كل أنواع العذاب ليقتل جنينها / جنينه حتى شارفت على الموت ثم عادت من أعتابه بمعجزة
و أدلت حفيظة التي تسكن بجوار القصر أنها ذات نهار غائم رأت نسوة يتشحن سوادا يدلفن إلى القصر خلسة
تبعتهن بفضول الأنثى خلسة و رأت أنهن يحملن مطارق خشبية بدأن يضربن بها بطن عزيزة حتى اندفق دم أسود و لكن حفيظة نفسها عادت لتعلن أنها لا تعرف إن كان ما رأته محض حقيقة أم أن حلما زارها فخلطته بالواقع
و هكذا كانت كل هذه الأحاديث رجما بالغيب فما من أحد عرف الحقيقة البتة
مات خالد الوحش ذات ليلة سكر شديد و يقال أنه في ساعته الأخيرة وقف على تخوم المقبرة الملاصقة لحديقة منزله ينظر بحسرة ..بغيظ..مودعا ..
لم تدفنه القرية بين موتاها
ما شيعه إلا أربعة نفر إلى مثواه في أعلى تلة خضراء تبعد عن القرية قرابة نصف ساعة سيرا على الأقدام ...أحد المشيعين كان عزيزة نفسها
و صوحت روضة القصر مع انطفاء آخر نور من أنواره اللألاءة...غادره الخدم و بقي القصر فارغا إلا من عزيزة فخالد الوحش لا ذرية له
تعرض القصر لهجمات من قطاع الطرق و نهبوا كل ما فيه حتى أنهم اقتلعوا أبوابه و شبابيكه
-و عزيزة؟ فغرنا أفواهنا دهشة و تشوقا لنعرف
-عزيزة في القصر باقية تجول القرية و يرافقها كلب أسود ضخم كل يوم تقوم برحلة نهارية إلى حقول القرية و رحلة ليلية لا أحد يعلم وجهتها تعود منها عند الفجر
بقي القصر عند مدخل القرية واقفا كشبح فقد قدرته على ترهيب المارة و عزيزة تدخل اليه و تخرج منه و كلبها باسط ذراعيه بالباب و شعرها يزداد ابيضاضا

ماتت عزيزة
دفنت في مقبرة القرية الملاصقة لحديقة القصر دون جنازة و دون نعي
لم يعرف احد من هي ..فيم أتت ..ولا حتى من أين أتت
كتب على قبرها : ترقد هنا عزيزة خالد الوحش
سكتت جدتي
و خبا جمر الكانون