عرض مشاركة واحدة
قديم 05-26-2019, 12:47 PM
المشاركة 10
إمتنان محمود
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي نهايه الجزء الثانى
كونر لا يستطيع النوم فى ليلته الأولى. بين عدم راحته فى القبو و عدم ثقته فى رونالد, كل ما يستطيع فعله هو أن يغفو لدقائق فى بعض الأوقات.
لن ينام فى الغرفه الجانبيه مع ريسا لصغر مساحتها, و هو و ريسا سيتوجب عليهم النوم ملاصقين لبعضهم. يقول لنفسه أن السبب الحقيقى هو خوفه من أن يتقلب على الطفله فى الليل.

ماى و هايدن مستيقظان أيضا, يبدو أن ماى تحاول النوم, لكن عيناها مفتوحه, و عقلها فى مكان آخر.
هايدن أشعل شمعه وجدها فى الأطلال, جاعله رائحه القبو كالقرفه المختلطة بالعفن.. يمرر يده ذهابا و إيابا فوق الشعله, لا يتحرك ببطء كافى ليحرق نفسه, لكنه بطء كافى ليشعر بالحراره.

يلاحظ هايدن أن كونر يراقبه,:” من المضحك كيف أنه لا يمكن للهب أن يحرق يدك إلا لو تحركت ببطء شديد”, يقول هايدن,” يمكن إغاظتها كما تشاء ,و لن تصل إليك.. إن كنت سريعا بما يكفى.”
“هل أنت بايرو*؟” يسأله كونر.
“أنت تخلط الهوس بالملل.”
مع ذلك, فكونر يشعر أن الأمر يتعدى ذلك..
“ كنت أفكر فى الأطفال الذبن يتم تفكيكهم,” يقول هايدن.
“لماذا قد ترغب بفعل ذلك؟” يسأل كونر.
“ بسبب..”, تقول ماى عبر الغرفه,:” كونه مسخ”
“لست أنا من يلبس طوقا للكلاب.”
ماى تخرج لهايدن الإصبع, الذى يتجاهله..

“كنت أفكر كيف ان مخيمات الحصاد تشبه الثقوب السوداء. لا يعلم أحد ما يحدث بالداخل.”
“الجميع يعلم ما يحدث.” يقول كونر.
“لا,” يقول هايدن,:” الجميع يعلم النتيجه, لكن لا أحد يعلم كيف يحدث التفكيك, أريد أن أعرف كيف يتم, هل يحدث فورا, أم هل يبقوك منتظرا؟,هل يعاملوك بلطف أم برود؟”
حسنا..” تقول ماى بسخريه,” ربما إن كنت محظوظا, ستحظى بمعرفه ذلك من المصدر”
“ أتعلم ماذا..” يقول كونر,” أنت تفكر بشكل مفرط.”
“حسنا.. على أحدهم أن يعوض النقص الجماعى للقوه الدماغيه هنا بالأسفل”.

أخيرا يبدأ كونر فى الفهم, فبالرغم من أن هايدن قد وضع الشمعه جانبا, كل هذا الحديث عن التفكيك.. تماما كإمرار يده فوق الشعله.
هو يحب التعلق على حافه الأماكن الخطرة, الأفكار الخطرة.
كونر يُفكر فى حافته المفضله, خلف إشارة الطريق السريع.. بطريقه ما, فكلاهما متماثل.
“لا بأس,” يقول له كونر,” فكر فى أشياء حتى ينفجر دماغك, لكن الشئ الوحيد الذى أريد التفكير فيه هو النجاه حتى الثامنه عشر”.
“أجد سطحيتك منعشه و محبطه فى نفس الوقت, أتعتقد أن هذا يعنى احتياجى لعلاج؟”
“لا,أعتقد أن قرار والديك بتفكيكك فقط لإغاظه بعضهما يعنى أنك تحتاج لعلاج.”
“نقطه وجيهه, لديك بصيره كبيره بالنسبه لمورلوك.” ثم يصمت هايدن للحظه. تختفى البسمه من وجهه, “ لو تم تفكيكى فعلا, أعتقد أنه سيعيد والداى لبعضهم.”
كونر لا يملك القلب لتحطيم خيالاته. لكن ماى تملك..” لااا, لو تم تفكيكك, سيلوم أحدهم الآخر و يكرها بعضهما أكثر.”
“ربما” يقول هايدن,:” أو ربما سوف يروا النور, وستتكرر حكايه هامفرى دانفى مجددا.”
”من؟” تقول ماى.

يلتفت كلاهما نحوها. يرسم هايدن ابتسامه عريضه,” أتعنين أنك لم تسمعى بهامفرى دانفى؟”
تنظر ماى بريبه,” أواجب على أن أسمع ؟”
لا تغادر البسمه وجه هايدن.”ماى, أنا مذهول حقا أنك لا تعلمين هذا, إنها قصه من نوعك المفضل.”
يمسك الشمعه و يدفعها أمامه حتى تكون بين ثلاثتهم.” ليست نار مخيم “,
يقول,” لكنها ستفى.”.. ينظر هايدن للشعله للحظه, ثم ببطء وبشكل مخيف.. يحول نظره نحو ماى.

“قبل سنوات كثيره, كان يوجد ذاك الفتى. اسمه لم يكن حقا هامفرى.. ربما كان هال أو هارى أو شيئا مشابه. لكن هامفرى نوعا ما ملائم بالأخذ فى الاعتبار حكايته..!, أيا كان, فى يوم من الأيام, وقع والديه أمر التفكيك.”
“لماذا؟” تسأل ماى,
“لماذا يوقع أى أهل على الأمر؟, هم فقط فعلوها.. و فى باكوره صباح اليوم التالى أتى رجال الشرطه لأجله. انتشلاه من بيته و أرسلوه.. و انتهى الأمر
بالنسبه له, تم تفكيكه بدون أى عقبات.”
“أذا,أهذه هى الحكايه؟” تسأل ماى..
“لا... لأنه يوجد خدعه,” يقول كونر, مستكملا بعد هايدن, “كما ترى, فعائله دانفى ,لم يكونو من الناس الذين تطلقى عليهم لقب أسوياء.!,كانو مجانين قليلا منذ البدايه, لكن بعد أن تفكك ابنهم.. فقدو عقولهم كليا.”

الآن, واجهه ماى القاسيه اختفت بالكامل, تبدو تماما كطفل صغير محملق عيناه يستمع لقصه فى معسكر..” ماذا فعلوا؟”
“قرروا بعد كل شئ أنهم لا يريدو لهامفرى أن يتفكك..!,” يقول هايدن.
“انتظر لحظه,” تقول ماى.” قلت أنهم قد فككوه بالفعل.”
يظهر عيون هايدن كأنها لمجنون فى ضوء الشمعه ,”هذا صحيح.”
ارتعشت ماى..
“هذا هو الأمر,” يقول هايدن.:” كما قلت, كل شئ عن مخيم الحصاد يُعد سراً, حتى السجلات عن من يحصل على ماذا. ما أن يتم التفكيك, كل شئ منتهى.”
“إذا, ماذا تعنى؟”
“إذا, عائله هامفرى وجدت السجلات. الأب أعتقد اشتغل لدى الحكومه, لذا استطاع أن يتسلل إلى قسم الأجزاء.”
“يتسلل لماذا؟”
يتنهد هايدن, “قاعده بيانات المتفككون الوطنيه.”
“أه.”
“و يحصل على نسخه من كل شخص حصل على جزء من هامفرى. ثم بدأوا بالسفر حول العالم لإيجادهم... لقتلهم, و استرجاع الأجزاء.. و جزء تلو الآخر, يجعلو هامفرى كاملا مره أخرى....”
“مستحيل..”
“لهذا السبب يطلق عليه الناس هامفرى,” يضيف كونر,” لأن كل رجال الملك و كل أحصنته.. لم تستطع تجميع هامفرى مجددا.”*
الفكره تتعلق فى الهواء, حتى يميل هايدن نحو الشمعة, و فجأه يرمى يديه نحو ماى و يصرخ:” بوو!”
جميعهم يجفلو رغما عن أنفسهم, و ماى أشدهم.
يضحك كونر عليها.:” هل رأيت ذلك؟ لقد خرجت من جسدها تقريبا!”
“من الأفضل ألا تفعلى ذلك يا ماى,” يقول هايدن,” اخرجى من جسدك, و سيعطونه لشخص آخر قبل أن تتمكنى من استرجاعه.”
“اذهبا للجحيم,” تحاول ماى أن تلكم هايدن, لكنه يتجنبها بسهوله..

هنا يظهر رونالد من خلف مكتبته ,:“ماذا يحدث هنا؟”
“لاشئ,” يقول هايدن.” فقط نحكى قصص للأشباح.”
ينظر لثلاثتهم, من الواضح أنه مغتاظ,و غير واثق فى أى موقف لا يكون هو جزء منه ,:” أجل, حسنا.. فلتذهبوا للنوم, الوقت متأخر.”
رونالد يتقهقر إلى زاويته, لكن كونر متأكد أنه يراقب محادثتهم الآن, ربما شائك أنهم يخططون ضده.
“قصه هامفرى دانفى تلك,” تقول ماى.” إنها مجرد قصه أليس كذلك؟”
يُبقى كونر رأيه لنفسه, لكن يقول هايدن:” عرفت طفل اعتاد أن يخبر الناس أن لديه كبد هامفرى. ثم فى أحد الأيام اختفى, و لم يره أحد مجددا. الناس قالو أنه قد تم تفكيكه , لكن مجددا.. ربما وجدته عائله دانفى.” ثم يُطفى هايدن الشمعه .. تاركا إياهم فى الظلام.

******************************************

فى يوم كونر و ريسا الثالث, سونيا تنادى على كل منهم لأعلى, كلٌ لحده , فى ترتيب وصولهم.
“أولا, الثور اللص,” تقول ,مشيره لأسفل السلالم نحو رونالد. واضحا أنها علمت بشأن مشغل الموسيقى المسروق.

“ماذا تعتقدوا أن سيدة التنين تريد؟” يسأل هايدن بعد انغلاق الباب.
“أن تشرب دمك,” تقول ماى.”تضربك بعصاها لوهله.. أشياء كتلك.”
“أتمنى أن تتوقفو عن تسميتها سيدة التنين,” تقول ريسا,” هى تنقذ مؤخرتكم, أقل ما يمكنكم فعله هو إظهار بعض الاحترام.”, و تلتفت نحو كونر.” أتريد أخذ ديدى؟ يداى متعبه.”
يأخذ كونر الطفله, يهدهدها بمهاره أكبر من ذى قبل, تنظر له ماى باهتمام طفيف, يتسائل إن كان هايدن أخبرها أنهم ليسا والدي الطفله..!

يعود رونالد من موعده مع سونيا بعد نصف ساعه, و لا يقول شيئا عما حدث. و كذلك ماى حينما تعود.. يأخذ هايدن الوقت الأطول, و حين يرجع.. يُبقى فمه مغلقا أيضا..الأمر غريبا عليه !,إنه أمر مقلق.

يذهب كونر تاليا,إنه ليلا فى الخارج حين يصعد لأعلى, لا يملك أدنى فكره فى أى ساعه من الليل.
تجلس معه سونيا فى غرفتها الخلفيه الصغيره, مُجلسه إياه على كرسى غير مريح, يتمايل كلما تحرك ,:“سترحل من هنا غدا,” تخبره.
“أين سأذهب؟”
تتجاهل السؤال, و تسحب درج طاوله للكتابه,” آمل أنك شبه متعلم.”
“لماذا؟ ماذا تريدين أن تقرأى؟”
“ليس عليك قراءه أى شئ” ثم تُخرج بعض الأوراق البيضاء,:” أريدك أن تكتب”
“ماذا, وصيتى و شهادتى الأخيره؟ أهذا هو الأمر؟”
“ الوصيه تعنى أن لديك ما تمرره, الشئ الذى لا ينطبق عليك. ما أريدك أن تفعله هو أن تكتب رساله.” , و تناوله الورقه و قلم و مغلف.” اكتب رساله لشخص تحبه, اجعلها طويله أو قصيره كما تشاء, لا أهتم.. لكن املأها بكل شئ تمنيت أن تقوله و لم تتح لك الفرصه. هل تفهم؟”.
“ماذا أن كنت لا أحب أحد؟”
زمت شفتيها و هزت رأسها اعتراضا ببطء.” أنتم المتفككون جميعكم متماثلون, تعتقدو أن بسبب عدم حب أحد لكم فلا تستطيعو حُب أى شخص. حسنا إذا, إن لم يوجد شخص تحبه,فلتختر شخصا عليه سماع ما تريد قوله, قل كل شئ فى قلبك, لا تتراجع. و حين تنتهى ضعه فى المغلف واغلقه. لن اقرأه, فلا تقلق حيال هذا.”
“ما المغزى؟ هل سترسلينها بالبريد؟”
“فقط افعل و توقف عن طرح الأسئله.”ثم تأخذ جرس عشاء سيراميكى و تضعه على طاوله الكتابه, بجانب الورقه و القلم.” فلتأخذ كل الوقت الذى تحتاجه, و حين تنتهى, حرك الجرس.”, ثم تتركه وحده.

إنه طلب غريب.و فى الحقيقه كونر يجد نفسه مرتعبا منه قليلا,يوجد أماكن بداخله ببساطه لا يريد الذهاب إليها. يعتقد أن بإمكانه مراسله آريانا. سيكون هذا أسهل, لقد اهتم بها, كانت أقرب إليه من أى فتاه أخرى. كل الفتيات ماعدا ريسا..لكن أيضا, ريسا لا تُحسب حقا..! ما بينه و بين ريسا ليست علاقه. إنهما فقط شخصان متشبثان بنفس الحافه, على أمل ألا يقعا.

بعد حوالى ثلاثه أسطر من رسالته, يكرمش كونر الورقه. الكتابه لآريانا تبدو دون جدوى. لا يهم مدى مقاومته, فهو يعرف لمن يجب عليه أن يوجه تلك الرساله.
يضع قلمه على ورقه جديده و يكتب,:
أعزائى أمى و أبى...
إنه ليس قبل مرور خمس دقائق حتى يستطيع أن يأتى بسطر آخر, لكن ما أن فعل.. فالكلمات تبدأ بالتدفق.. و فى اتجاه غريب أيضا.
فى البدايه هى غاضبه, كما علم أنها ستكون.. كيف يمكنكم؟ لماذا فعلتم؟ أى نوع من الناس قد يفعلوا ذلك بطفلهم, لكن بالوصول للصفحه الثالثه, تبدأ الكلمات باللين, تتحدث عن كل الأشياء الجيده التى حدثت فى حياتهم معا.

فى البدايه يفعلها ليؤلمهم, و ليذكرهم بما تخلو عنه تحديدا حين وقعو الأمر لتفكيكه, ثم يصبح أساسها عن التذكر, أو بصوره أدق, جعلهم يتذكروا, حتى عندما يذهب.. لو ذهب, سيكون هناك سجل بكل الأشياء التى شعر بوجوب بقائها على قيد الحياه.

حين بدأ, عرف كيف ستنتهى الرساله.. أنا أكرهكم لما فعلتموه, و لن أسامحكم أبدا ,لكن حين وصل للصفحه العاشره, وجد نفسه يكتب,
أنا أحبكم.. ابنكم ذات مره,
كونر.

حتى قبل أن يمضى باسمه, يشعر بالدموع تتموج بالداخل, لا يبدو أنهم يأتو من عينيه لكن من داخل أمعائه..إنه ثقل قوى لدرجه تؤلم معدته و رئتيه.. تفيض عينيه, و الألم بداخله عظيم جدا,هو متأكد أنه سيموت هنا, حالا...
لكنه لا يموت..!

و بالوقت,العاصفه بداخله تمر, تاركته ضعيف حتى أخر مفصل و عضله فى جسده. يشعر أنه بحاجه لعصا سونيا ليستطيع حتى أن يمشى مجددا.

دخلت دموعه بداخل الصفحات, مشوهه معالمها بحفرات صغيره ,لكن لم تلطخ الحبر. يطوى الصفحات و يضعهم فى المغلف, ثم يغلقه و يكتب العنوان.
يأخذ بضع لحظات أخرى ليتأكد أن العاصفه لن تعود.. ثم يرن الجرس الصغير.
تدخل سونيا بعد لحظات, لابد أنها كانت منتظره كل هذا الوقت على الجانب الآخر من تلك الستاره. كونر يعلم أنها قد سمعته ينوح بالتأكيد, لكنها لا تقول شيئا.
تنظر لرسالته, ترفعها بيدها لتشعر بوزنها, و ترفع حاجبيها, منذهله.” لديك الكثير لتقوله, هل فعلت؟”
كونر فقط هز كتفيه بتجاهل. تضع المغلف بوجهه على الطاوله مجددا.
” الآن, أريدك أن تضع تاريخ على الخلف. اكتب تاريخ عيد ميلادك الثامن عشر.”
كونر لا يشكك بها بعد الآن, يفعل كما طلبت. عندما ينتهى تأخذ المغلف منه.
“سأحتفظ بتلك الرساله من أجلك,” تقول له.” لو نجوت حتى الثامنه عشر, عليك أن تعد أنك ستعود هنا لتأخذها. هل ستصنع هذا الوعد؟”
يومئ كونر.” أعدك”.
تهز الرساله أمامه لتساعد فى تأكيد كلامها.” سأحتفظ بها حتى بعد سنه من عيد ميلادك الثامن عشر. لو لم ترجع, سأفترض أنك لم تنجو, أنه تم تفكيكك. و فى تلك الحاله, سأرسل الرساله بنفسى.”
ثم تناوله الرساله مجددا. تقف و تذهب لصندوق السياره القديم التى غطى الباب السحرى, تفتح القفل , و بالرغم أنه من المؤكد ثقيل, ترفع الغطاء لتكشف عن مغلفات.. المئات منها. مالئه الصندوق تقريبا إلى آخره.
“اتركه هنا,” تقول.” سيكون بأمان, لو مت قبل أن ترجع, هانا قد وعدت أنها ستهتم بالصندوق.”

يفكر كونر فى كم الأطفال الذين قد ساعدتهم سونيا لتمتلك كل تلك الرسائل فى صندوقها. و يشعر بموجه أخرى من المشاعر تسيطر على أمعائه. لا توصله لمرحله الدموع, لكنها تجعله يشعر باللين داخله, لين كافى ليقول,:
” لقد فعلتِ شيئا رائعا هنا”.

تلوح سونيا يدها ,ساحقه الفكره بعيدا.” أتعتقد أن هذا يجعل منى قديسه؟,دعنى أخبرك, لقد كان لدى حياه طويله جدا, و لقد فعلت أيضا بعض الأشياء الرهيبه حقا.”
“حسنا, أنا لا أهتم. لا يهم كم مره تضربينى بتلك العصا,أعتقد أنك قديرة.”
“ربما, ربما لا.. شئ واحد تتعلمه حين تعيش المده التى عشتها, الناس جميعهم ليسو جيدين بالكامل ولا سيئين بالكامل. نتحرك داخل و خارج الظلام و النور طوال حياتنا. و الآن, أنا سعيده لكونى فى النور.”
فى طريقه لأسفل, تتأكد من أن تضربه على مؤخرته بعصاها بقوه لتلسعه, لكنها تجعله فقط يضحك.

لا يخبر ريسا ما ينتظرها, بطريقه ما.. فإخبارها سيكون كسرقه شئ منها.
فليكن هذا بينها و بين سونيا , و القلم و الأوراق.. كما كان الأمر بالنسبه له.

تترك الرضيعه معه بينما تصعد لأعلى لمواجهه السيده العجوز. الطفله نائمه, و الآن, فى هذا المكان و تلك اللحظه, يوجد شئ مريح بشأن حملها بين ذراعيه, هو ممتن لأنه أنقذها, و يعتقد أن لو لروحه شكل .. فهذا ما ستكون عليه, طفل نائم بين ذراعيه.

20-ريسا

المره التالية التى تفتح فيها سونيا الباب, تعلم ريسا أن الأشياء ستتغير مجددا. لقد حان الوقت لترك أمان قبو سونيا.

كانت ريسا أول من فى الصف حين نادت عليهم سونيا للصعود, كان سيكون رونالد, لكن كونر رفع ذراعه كدعامة الباب الدوار ليدع ريسا تصعد على السلالم أولا.

بوجود الطفلة النائمة ملتفه فى ذراعها الأيمن, و ذراعها الأيسر على الدرابزين الصلب الصدئ.. تصعد الدرجات الصخرية المعوجة.
تعتقد ريسا أنها ستصعد إلى ضوء النهار, لكنه الليل. اضواء المحل مغلقة, فقط بعض الأنوار الليليه مضائه, موضوعه بحذر حتى يتجنب الأولاد حقل ألغام التحف القديمه حولهم.

تقودهم سونيا إلى باب خلفى يفتح على زقاق, يوجد شاحنه تنتظرهم هناك, شاحنه توصيل صغيره. على جانبها صوره لكوز مثلجات.
لم تكذب سونيا, إنه فعلا رجل المثلجات..!
يقف السائق بجانب الباب الخلفى المفتوح للشاحنه.شخص مهلهل مرجح أنه سيُوصل المخدرات الممنوعه عوضا عن الأطفال.

رونالد,هايدن, و ماى يتوجهو للشاحنه. لكن سونيا توقف كونر و ريسا,:“ليس بعد, أنتما الاثنان.”
ثم تلاحظ ريسا شخصا يقف فى الظلال, شعر عنقها يقف دفاعيا, لكن حين يأخذ الشخص خطوه للأمام, تُدرك من هو. إنها هانا, المعلمه التى أنقذتهم فى المدرسه الثانويه.
“عزيزتى, هذا لا يستطيع الذهاب حيثما تذهبان.” تقول هانا.

كرد فعل, ريسا تحمل الطفله أقرب إليها, لا تعلم لماذا حتى؟. كل ما أرادت فعله منذ أن علقت مع هذا الشئ هو أن تتخلص منه.
“لا بأس,” تقول هانا.” لقد تكلمت فى الموضوع مع زوجى, سنقول أننا وجدناه أمام الباب. سيكون بخير”

تنظر ريسا لعينى هانا, لا تقدر أن تراهم بوضوح فى الضوء الخافت, لكنها تعرف أن المرأه تعنى ما تقول.
كونر ,مع ذلك, يخطو ليقف بينهم,” هل تريديها؟”
“هى مستعده لأخذها,” تقول ريسا.” هذا يكفى.”
“لكن هل تريدها؟”
“هل أردتها أنت؟”
يبدو أن هذا السؤال يوقف كونر ليفكر, ريسا تعلم أنه لم يريدها, لكنه كان على استعداد لأخذها حين كان البديل حياه بائسة مع أسرة بائسة,تماما كاستعداد هانا الآن لإنقاذها من مصير غير محتوم. أخيرا يقول كونر,”إنه ليس (هذا), إنها (هى).” ثم يتجه نحو الشاحنه.
“سنقدم لها بيتا جيدا” تقول هانا. تخطو أقرب و تنقل ريسا الطفله إليها.

اللحظه التى خرجت فيها الطفله من ذراعيها, شعرت ريسا بشعور هائل من الارتياح, لكن أيضا شعور غير معرف من .. الفراغ.
ليس شعور بالقوه الكافيه لتركها باكيه, لكنه قوى ليتركها مع ألم وهمى بطريقه ما. كالشعور الذى يشعر به المبتور بعد فقدان طرف. هذا هو ... قبل أن يُعطى واحدا جديدا.!

“اعتنو بأنفسكم الآن,” تقول سونيا, معطيه ريسا عناق غريب,” إنها رحله طويله, لكنى أعرف أنكم ستصمدون.”
“رحله إلى أين؟”.. سونيا لا تجيب.
“يااه, “يقول السائق,” لا أملك الليل بطوله,”
تودع ريسا سونيا, تومئ لهانا, و تلتفت لتنضم لكونر, الذى ينتظرها فى مؤخره الشاحنه. بينما تذهب ريسا, تبدأ الطفله فى البكاء, لكنها لا تلتفت إليها.

تشعر بالذهول حين تكتشف دسته أخرى من الأولاد الآخرون فى الشاحنه,
جميعهم خائفون و متشككون, رونالد لا يزال أكبرهم, و يؤكد على مكانته بأخذه مكان فتى آخر, بالرغم من وجود أماكن أخرى عديده..

شاحنه التوصيل هى صندوق معدنى,بارد,صلب..احتوى ذات مره على وحده تبريد لإبقاء المثلجات بارده,لكنها اختفت منذ زمن مع المثلجات.مع هذا,فالمكانقارس البروده, و رائحته كمنتجات اللبن الفاسده.
يغلق السائق الأبواب و يوصد الأقفال الخارجيه, صادا بكاء الطفله, الذى ما تزال تسمعه ريسا ,حتى بعد غلق الباب, هى تعتقد أنها تسمعه, بالرغم من احتماليه كونه فقط فى مخيلتها.
شاحنه المثلجات تتأرجح على الطرق الغير مستويه, بطريقه ميل الشاحنه فظهورهم دائما تتخبط فى الجدار خلفهم.

تغلق ريسا عينها, كونها تفتقد الرضيعه يجعلها مشطاطه غضبا,لقد فُرضت عليها فى أسوأ لحظه فى حياتها, لماذا عليها أن تملك أى ندم من التخلص منها؟
تُفكر فى الأيام قبل حرب هيرتلاند, حينما كان الأطفال الغير مرغوبين كانو فقط حمل غير مرغوب..سرعان ما تم التخلص منهم.
هل المرأه التى اتخذت هذا القرار شعرت بما تشعر هى به الآن؟.. مرتاحه و متحرره من مسئوليه غير مرحب بها, و غالبا غير عادله.لكن, تحس بشعور مبهم ..من الندم.
فى أيامها التى قضتها فى منزل الولايه, حين كان يتم تكليفها للاهتمام بالرضّع, كانت دائما تتفكر فى أشياء كتلك.
جناح الرضّع كان هائل و يعج بالأسره المتطابقه, كل منها يحوى طفل لم يرده أحد.. تحت رعايه الولايه, التى بالكاد تطعمهم, فما بالهم بتنشئتهم!

“لا تستطيع تغيير القوانين قبل تغيير الطبيعه البشريه,” أحد الممرضات دائما ما كانت تقول بينما تهتم بحشد الأطفال الباكين. اسمها كان جريتا. كلما قالت شيئا كهذا,كان دائما يتواجد ممرضه أخرى على مرمى السمع التى كانت أكثر تقبلا للنظام و كانت ترد ب:” لا يمكنك تغيير الطبيعه البشريه قبل تغيير القانون أولا”. الممرضه جريتا لا تجادل, كانت فقط تنحر و تمشى بعيدا.

أيهم كان الأسوأ؟ دائما تسائلت ريسا, أن تملك عشرات الآلاف من الأطفال الذى لا يرغب بهم أحد, أم أن تجعلهم يرحلو فى صمت قبل حتى أن يولدو؟
فى أيام مختلفه, كان لريسا إجابه مختلفه.

الممرضه جريتا كانت كبيره بما يكفى لتتذكر الأيام قبل الحرب, لكن نادرا ما تحدثت عنها. كل انتباهها أعطته لوظيفتها ,التى كانت صعبه, بما أنه كان يوجد فقط ممرضه واحده لكل خمسون رضيع.
“فى مكان هكذا, عليك أن تطبقى التراياج*” قالت لريسا, مشيره إلى كيف فى الحالات الطارئه, على الممرضه أن تختار المرضى الذين سينالو الرعايه الطبيه.
” أحبى من تستطيعى “,قالت لها الممرضه جريتا,” و صلى للبقيه.”
أخذت ريسا النصيحه حتى النخاع, و انتقت حفنه من المفضلين لإعطائهم اهتمام أكبر. هؤلاء كانوا من سمتهم ريسا بنفسها, عوضا عن ترك الكمبيوتر العشوائى يسميهم.
ريسا أحبت أن تعتقد أنه تم تسميتها من قبل إنسان بدلا من الكمبيوتر. فبعد كل شئ, فاسمها لم يكن شائع بهذا القدر.” انه اختصار لسونريسا,” قال لها فتى هيسبانيك* ذات مره.” هذا معنى ابتسامه بالأسبانيه”,ريسا لم تعرف إن كانت تمتلك أى دم هيسبانيك بداخلها, لكن احبت اعتقاد أن هذا صحيح, فهذا ربطها باسمها.

“فيماذا تفكرين؟” يسأل كونر, منتزعها من أفكارها و مسترجعها إلى الواقع الصعب من حولهم.
“ليس من شأنك.”
لا ينظر لها كونر, يبدو أنه مركز على بقعه صدئه كبيره على الجدار, متفكرا..
“أأنت بخير بخصوص الطفله؟” يسألها,
“بالطبع.” ,نبرتها ساخطه عن قصد, كما لو أن السؤال بذاته قد أهانها.
“هانا ستعطيها منزل جيد,” يقول كونر,:” أفضل منا ,هذا بالتأكيد, و أفضل من البقرة خرزيه العين التى تم ترك الطفل لها”,يتردد للحظه ثم يقول:” أخذ تلك الطفله كانت سقطه كبيره.. أنا أعرف, لكنها انتهت بخير بالنسبه لنا, صحيح,و بالطبع قد انتهت بخير بالنسبه للطفله.”
“لا تفسد الوضع هكذا مره ثانيه,”كان كل ما قالته ريسا.

رونالد الجالس أمامهم, يلتفت للسائق و يسأل .:” إلى أين سنذهب؟”
“أنت تسأل الشخص الخاطئ” يجيب السائق,” يعطونى عنوان, أذهب هناك و أنظر للجانب الآخر, و يتم الدفع لى.”
“هذا كيف يسير الأمر,” يقول فتى آخر كان بالفعل فى الشاحنه حين وصلت لمحل سونيا . “يتم نقلنا فى الأنحاء, منزل آمن لعده أيام, ثم منزل آخر.. كل واحد أقرب قليلا إلى المكان الذى سنذهب إليه.”
“أنت ستخبرنا أين يكون هذا؟” يسأل رونالد.
ينظر الفتى حوله, آملا أن أحدهم قد يجيبه, لكن لا يساعده أحد,:” حسنا, إنه فقط ما سمعته, لكنهم يقولو أنه سينتهى بنا الأمر فى مكان يسمى, المقبرة.”

لا يوجد استجابات من الأطفال, فقط صخب الشاحنه.

المقبره..
فكره الأمر تجعل ريسا أبرد مما هى عليه,بالرغم من كونها لاصقه ركبتيها بصدرها, يداها ملفوفه بشده حولها مثل ستره المجانين... مازالت متجمده .. كونر لابد أنه يسمع صرصره أسنانها, لأنه يضع ذراعه حولها.
“أنا أشعر بالبرد أيضا,” يقول,” حرارة الأجسام, صحيح؟”

و مع أن بداخلها رغبه فى أن تدفعه بعيدا, تجد نفسها تميل بداخله..حتى تستطيع الشعور بدقات قلبه فى أذنها.
__________________________________________________ ______________
بايرو :مهووس بالحرائق و النار
كل رجال الملك و كل أحصنته لم ترجع هامبتى مجددا: أغنية شعبية, هامبتى شخصية خيالية عبارة عن بيضة تجلس على حائط و تنكسر.
تراياج : نظام فرز المصابين فى حالات الطوارئ طبقا لأولويه علاجهم.
هيسبانيك : من أصل أسبانى