عرض مشاركة واحدة
قديم 05-23-2019, 03:47 PM
المشاركة 9
إمتنان محمود
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الجزء الثانى (متفكك)

18- ليف

هذا هو المعنى الحقيقى للوحده, ليف كالدر جاثم تحت الأقدام المتعثره للحشد.
“ريسا, كونر.. ساعدونى !”

لم يكن عليه أن ينطق اسمهم, لكن فات الآوان لتغيير ذلك الآن, لقد هربا منه
حين نادى عليهما, لم ينتظرا.. هربا.. كلاهما يكرهه, هم يعلما ما فعله.
الآن, مئات الأقدام تدهس ليف كما لو أنه غير موجود. أحدهم يدوس على يده, حذاء يضغط على صدره, يقفز فتى من فوقه ليزيد من سرعته.

المصفقون, جميعهم يصرخو عن وجود مصفقين, فقط لأنه سحب جرس الإنذار اللعين.. عليه أن يلحق بريسا و كونر,
عليه أن يفسر ما فعله.. أن يقول لهم أنه آسف,
أنه كان مخطئ بتسليمه لهم, و أنه هو من سحب جرس الإنذار ليساعدهم على الهرب. عليه أن يُفهمهم.
هما صديقاه الوحيدان الآن ...
كانا كذلك, لكن ليس بعد الآن, لقد أفسد كل شئ...

أخيرا, الحشد الفار يقل, سامحا لليف أن يلملم نفسه, بنطاله الجينز ممزق من عند الركبه, و يستطيع أن يتذوق بعض الدماء, من المؤكد أنه قد عض لسانه بالخطأ, يحاول رؤيه الموقف, أغلب الجمع قد ابتعد عن الحرم المدرسى, فى الشارع و أبعد..مختفون فى الشوارع الجانبيه ,المتبقون فقط هم حفنه من الطلبة الشاردون.

“لا تقف هنا هكذا”, يقول له فتى مسرعا بجواره,” يوجد مصفقون على السطح !”
“لا,” يقول فتى آخر.” لقد سمعت أنهم فى الكافيتريا”.
و حول ليف من كل جهه, رجال الشرطه المرتبكون يخطون بإصرار زائف فى خطاهم الواسعه, كما لو أنهم يعلمو بالتحديد أين سيذهبوا, فقط ليلتفتوا فى إتجاه آخر و يسيروا بنفس الإصرار.

كونر و ريسا تخليا عنه, يُدرك أنه لو لم يرحل الآن, مع آخر من تبقى من الشاردون, سيجذب إليه انتباه الشرطه.
ثم يجرى, شاعرا بقله حيلته أكثر من رضيع تم تركه على باب مجهول. لا يعلم من يلوم على هذا, القس دان.. لأنه حرره؟,
نفسه..لأنه خان الشخصان الوحيدان المستعدان لمساعدته؟.. أم عليه أن يلوم الرب, لأنه سمح بحياته أن تصل لتلك اللحظه البائسه؟.

( أنت تستطيع أن تصبح أى شخص تريده الآن),هكذا قال له القس دان,
لكن الآن, ليف يشعر كما لو أنه ... لا أحد.

هذا هو المعنى الحقيقى للوحده...
ليفى جيديديا كالدر فجأة يدرك ...
أنه شخص غير موجود بعد الآن.

19- كونر

محل التحف فى جزء قديم من البلده, تحاوط الأشجار الشارع كالأقواس,أغصانها مُشكله بطريقه زاويه غير طبيعيه..بسبب مرور الشاحنات. الشارع ملئ بالأوراق الصفراء و البنيه, لكن بعض الأوراق المكافحه تظل متمسكه بالأغصان صانعه قبه مظلله..

الرضيعه لا تخضع للمواسات, و كونر يريد أن يشتكى لريسا بخصوص الأمر, لكن يعرف أنه لا يستطيع, فلولاه.. فالرضيعه لن تكون حتى جزء من معادلتهم !
لا يوجد ناس عديده فى الشارع, لكن يوجد ما يكفى, أغلبهم فتيه من المدرسه يتخبطون فى الأنحاء, ربما ينشروا إشاعات أكثر عن المصفقين الذين يريدون تفجير أنفسهم.
(أسمع أنهم فوضويين)
(سمعت أنه دين جديد)
(لقد سمعت أنهم يفعلو ذلك دون سبب!)

تهديد المصفقون فعال للغايه لأن لا أحد يعلم لأى شئ يدافعو عنه ؟
“ كانت تلك حركه ذكيه”, يقول كونر لريسا, بينما يقتربا من محل التحف,”أعنى الإدعاء بكوننا مصفقون, لم تكن ستخطر ببالى أبدا.”
“لقد كنت سريع بما يكفى لمهاجمه الشرطى ذاك اليوم بمسدسه”.
يبتسم كونر,” أنا أسير بالغريزه, و أنتِ تسيرى بالعقل, أعتقد أننا نصنع فريقا جيدا حقا!”
“صحيح, و نحن أقل اختلالا بدون ليف”

و بذكر ليف, يشعر كونر بشراره من الغضب, يفرك يده المتقرحه من عضته, لكن ما فعله ليف اليوم... كان أشد ألما منها.
“انسى أمره, لقد أصبح من الماضى,لقد هربنا, لذا خداعه لنا لا يهم.. الآن,
سيتم تفكيكه تماما كما أراد,ولن نضطر للتعامل معه مجددا “. لكن مع ذلك, ففكره ما سيحدث له تجلب على كونر موجه من الندم.. لقد خاطر بحياته من أجل ليف, لقد حاول إنقاذه, لكنه فشل.. ربما لو كان كونر أفضل فى استخدام الكلمات, لكان قال شيئا لاستمالته. لكن, من يمازح؟, ليف كان عُشر منذ ولادته, أنت لا تمحى ثلاثه عشر سنه من غسيل الدماغ فى يومين.

محل التحف قديم, الطلاء الأبيض متقشر من على الباب الأمامى. يدفع كونر الباب و يجلجل جرس معلق فى أعلاه.. إنذار للدخلاء بدائى التقنيه..!
يوجد زبون واحد, رجل متقرح الوجه فى بذله تويديه*, يرفع نظره لهم, غير مهتم و ربما متقزز من الرضيعه.. لأنه يتجول أعمق فى خبايا المتجر المكتظ ليبتعد.

المحل يحتوى أشياء عتيقه, ربما من ضمن التاريخ الأمريكى. يوجد طاوله للعشاء, حوافها من الكروم.. عليها عرض للآيبود و بعض الأدوات من عصر جده !.. فيلم قديم يُعرض على شاشه بلازما قديمه, يُظهر الفيلم نسخه مجنونه من المستقبل.. لم تحدث قط !, سيارات طائره و عالِم أشيب الرأس.

“هل أستطيع مساعدتكم؟”
تظهر عليهم امرأه عجوز منحنيه كعلامة الاستفهام من وراء صندوق الدفع .. تمشى بعصى, لكن تبدو ثابته الخطى بالرغم من ذلك..!

ريسا تهدهد الرضيعه لتُخفض من صوتها..” نحن نبحث عن سونيا”
“لقد وجدتها, ماذا تريدون؟”
“نحن... ممم,.. نحن نحتاج بعض المساعده,”تقول ريسا.
“نعم,” يتدخل كونر..” أخبرنا أحدهم أن نأتى هنا.”
تنظر لهم المرأه العجوز بريبه..,” هل لهذا الأمر علاقه بالإخفاقات التى حدثت فى المدرسه الثانويه؟ هل أنتم مصفقون؟”

“هل نبدو كمصفقين لكِ؟”, يقول كونر.
توجه السيده عينيها نحوه.” المصفقون لا يبدون كمصفقون.”
يركز كونر بعينيه عليها ليلاقى نظرتها, ثم يذهب للحائط, يرفع يده و يوجه ضربه بكل قوته نحو الحائط, يلكم الحائط بقوه كافيه لتتسبب بكدمه فى مفاصل أصابعه.. تنزلق لوحه صغيره لطبق فاكهه على الحائط, يمسكها كونر قبل أن تصل للأرض و يضعها على المنضده..

“أرأيتِ؟” يقول..” دمى ليس متفجرا !, لو كنت مصفق, لكان اختفى هذا المكان بأسره.”
تُحدق المرأه له, نظره حاده ليتابعها كونر.. يوجد نوعا ما من النيران فى تلك العينان.. لكنه, مع ذلك.. لا ينظر بعيدا.
“أتريان هذا الحدب؟” تسألهما,” لقد حظيت به بسبب المخاطره لأجل أُناس مثلكم”
مازال كونر يحافظ على نظرته, “أعتقد أننا قد أتينا للمكان الخاطئ, إذا.”,ثم ينظر لريسا قائلا:” لنخرج من هنا.”
ثم يلتفت ليخرج, و تُحرك السيده العجوز عصاها و تضرب كونر على مقدمه ساقه بقوه..” ليس بتلك السرعه, لقد حدث أن كلمتنى هانا, لذلك علمت بمجيئكم.”
ريسا.. مازالت تهدهد الرضيعة, تُخرج تنهيده محبطه..”كان بإمكانك إخبارنا حين دخلنا .”
“و أين سيكون المرح فى ذلك؟”

الآن, الزبون ذو الوجه المتقرح رجع ليكون قريبا منهم, ممسكا بشيئا تلو الأخر, تعابيره مظهرة عدم رضى بكل شئ فى المتجر..

“لدى بعض المعروضات اللطيفه للرُضع فى الغرفه الخلفيه,” تخبرهم السيدة العجوز بصوت مرتفع بما يكفى ليستمع الزبون ..” لماذا لا تذهبا للخلف و
تنتظرانى؟” ثم تهمس..” و حباً لله, أطعمى الرضيع !”

الغرفة الخلفيه عبر مدخل مُغطى بما يبدو كأنه ستائر حمام قديمه.. لو كانت الغرفه الأماميه فوضويه, فتلك الغرفه كارثيه .. أشياء كإطارات صور منكسره و أقفاص طيور صدئه تملئ المكان بأسره.. كل الأشياء التى لم تكن بالجوده الكافيه لتُعرض فى المقدمه.. خردة الخرده..!

“و أنتِ تخبريننى أن تلك السيده العجوز ستساعدنا؟”, يقول كونر..” يبدو أنها لا تقدر حتى على مساعده نفسها !”
“ قالت هانا أنها ستفعل, أنا أصدقها.”
” كيف يتم تربيتك فى منزل ولايه و لا تزالى تثقى فى الناس؟”
تعطيه ريسا نظره غاضبه..” امسك هذا” و تضع الرضيعه فى يدى كونر.

إنها المره الأولى التى تُعطى له !.. إنها أخف بكثير مما توقع ! شئ بذاك الصخب و الإلحاح يجب أن يكون أثقل .. صراخات الطفله ضعفت الآن,
إنها مرهقه..

لا يوجد ما يربطهم بتلك الطفله بعد الآن, قد يتركوها أمام أحد الأبواب أول شئ غدا صباحا ... مع ذلك, فالفكره تجعل كونر غير مرتاح.. هم لا يدينو لها بأى شئ.. هى ملكهم بالغباء , و ليس بالسير الطبيعى للأحياء! .

هو لا يريدها,لكن لا يقدر على تحمل فكره أن يحصل أحدهم عليها..أحد, يريدها بصوره أقل منه.
إحباطه يبدأ فى التحول لغضب, نفس الغضب الذى دائما ما وضعه فى مشاكل فى منزله, غضب يُعكر قدرته على الحكم, يجعله يتسرع.. متورطا فى قتالات, شاتما المعلمين, أو يركب لوح تزحلقه بتهور فى التقاطعات المزدحمه.

“لماذا عليك أن تُصاب بتلك الشده؟” سأله والده مره باستياء.. و انفجر كونر فى وجهه,” ربما على أحدهم أن يفككنى.” حينها, اعتقد كونر أنه يتصرف بطرافه!.

تفتح ريسا الثلاجه, التى هى فى حاله من الفوضى تماما كبقيه الغرفه الخلفيه.
تُخرج حاويه من اللبن, ثم تجد وعاء..و تصب فيه اللبن.
“هى ليست قطه..” يقول كونر,” لن تلعق اللبن من الوعاء !”
“أنا أعرف ماذا أفعل..”
يراقب كونر بينما تبحث فى الأدراج حتى تجد ملعقه نظيفه.. ثم تأخذ الطفله
منه. تجلس و تحمل الرضيعه بمهاره أكبر من كونر, ثم تدب الملعقه فى الوعاء و تفرغ الملعقه فى فم الرضيعه. تبدأ الطفله بإرجاع اللبن, تسعل و تبصقه, ثم تضع ريسا اصبع سبابتها فى فمها.. تمصه و تغلق عينيها.. فى رضى!, بعد عده لحظات تثنى إصبعها قليلا ليسمح لها بوضع ملعقه أخرى من اللبن, و تدع الطفله تمص إصبعها مجددا.
“وااو, هذا مذهل,” يقول كونر.
“ أحيانا كان على الإهتمام بالرُضع فى منزل الولايه.. فتتعلم بعض الخُدع,
لنأمل فقط أنها ليست حساسه للاكتوز !

بهدوء الرضيعه, يبدو كما لو أن توتر اليوم كله قد تحرر. جفون كونر تصبح ثقيله, لكنه لن يسمح لنفسه بالوقوع نائما. هم ليسو آمنين بعد, و قد لا يكونوا أبداً... و لا يمكنه إنزال دفاعاته الآن.. مع ذلك, عقله يبدأ فى الانجراف بعيدا..

يتسائل إن كان والديه مازالا يبحثا عنه, أم اقتصر الأمر على الشرطه فقط.
يفكر فى آريانا.. ماذا كان سيحدث لهما لو كانت أتت معه كما وعدت؟, كان سيُقبض عليهما فى ليلتهم الأولى, فآريانا لا تتمتع بذكاء الشارع كريسا, هى لم تكن أبدا واسعه الحيله.
ذكريات آريانا تجلب له موجه من الحزن و الاشتياق, لكنه ليس شعور قوى بالدرجه التى توقعها كونر.. كم من الوقت حتى تنساه؟, كم من الوقت حتى ينساه الجميع؟..
ليس طويلا.

هذا ما يحدث للمتفككين, كونر عرف طلبه آخرون فى المدرسه اختفو خلال السنوات السابقه.. يوما ما, هم فقط لم يظهرو..!, المدرسون كانو يقولون أنهم (ذهبو) أو ( لم يعودو مسجلين).. تلك كانت فقط كلمات حركيه. فبالرغم من ذلك, علم الجميع ماذا قصدوا. اللذين عرفوهم يتكلموا عن مدى فظاعه الأمر, و يتمسكوا بالأمر ليوم أو اثنين.. ثم يُصبح أخبار قديمه. فالمتفككون لم يذهبوا بصخب, لم يذهبوا حتى بتذمر..!,
ذهبوا بصمت شعله شمعه تنطفئ بين اصبعين..

الزبون أخيرا يرحل, و تنضم لهم سونيا فى الغرفه الخلفيه ,:” إذا, أنتم متفككون و تريدون مساعدتى, هل هذا هو الأمر؟”
“ربما فقط بعض الطعام,” يقول كونر.” أو مكان للراحه لبضع ساعات, ثم سنذهب فى طريقنا.”
“لا نريد أن نكون سبب فى أى مشكله” تقول ريسا,
تضحك المرأه العجوز على هذا القول, “بلى, أنتم تريدون !,أنتم تريدون أن تكونو مشكله لجميع من تقابلوهم,” و تشير بعصاها نحو ريسا,” هذا ما أنتم عليه الآن.., مشكله بتضخيم الأحرف.” ثم تضع عصاها ثانيه, و تصبح أكثر لينا :” مع ذلك, فهذا ليس خطأكم, فأنتم لم تطلبوا أن تولدوا.. و لم تطلبوا أن يتم تفكيكم أيضا.” ,تنظر ذهابا و إيابا بينهم, ثم تقول لريسا بوجه منعدم الحياء:
”إن أردتِ حقا البقاء حيه عزيزتى, فلتجعليه يُحملك مجددا. لن يُفككوا أم حامل, لذا سيعطيكى ذلك تسعه أشهر كامله.”
يقع فك ريسا !, عاجزه عن الكلام, و كونر يشعر بالدم يحضر فى وجهه.:”هى.. هى لم تكن حامل أول مره !, انها ليست طفلتها, ولا طفلتى !.”
تأخذ سونيا كلامهم و تنظر بتمعن للرضيعه..” ليست طفلتكم.. ممم؟ حسنا, هذا يُفسر لماذا أنتِ لا تُرضعى.”,و تضحك فجأه و بحده..
تجعل كونر و الرضيعه يفزعا.

ريسا ليست ذاهله, فقط منزعجه. تحصل على انتباه الرضيعه مجددا بمعلقه أخرى من اللبن و سبابتها .”هل ستساعدينا أم لا؟”

ترفع سونيا عصاها مجددا و تطرق بها على ذراع كونر. و تشير إلى صندوق سياره ملئ بملصقات السفر.” أتعتقد أنك بويف بما يكفى لتحرك ذلك هنا؟”

ينهض كونر, متسائلا ماذا قد تكون استفادتهم من صندوق السيارة!, يتشبث بها و يعانى ليدفعها على السجاده الفارسيه الباليه.
“لست بويف بما يكفى, أليس كذلك؟”
“لم أقل قط أننى واحد!”
يحرك الصندوق إنشات عبر الأرضيه حتى يصبح تماما أمامها, بدلا من أن تفتحه, تجلس عليه.. و تبدأ بتدليك كاحلها.
“اذا.. ماذا بداخلها؟”, يسأل كونر.
“مراسلات”, تقول.” لكنه ليس المهم ما بداخلها.. المهم هو ما يكمن أسفلها”.

و بعصاها تزيل السجاده التى كانت أسفل الصندوق لتكشف عن باب سحرى ذو حلقه نحاسيه دائريه لسحبه.
“اذهبا..” تقول سونيا, مشيره مجددا بعصاها. يتنهد كونر,يمسك الحلقه و يفتح الباب ليكشف عن سلالم صخريه منحدره.. تؤدى لأسفل نحو الظلام.

تضع ريسا الوعاء جانبا و تحمل الرضيعه على كتفها فى وضع التجشؤ, تقترب من الباب و تركع بجوار كونر.
“هذا مبنى قديم”, تقول لهم سونيا,” يعود لأيام القرن العشرين, أيان الحظر الأول, كانو يخبئون الخمرة فى الأسفل”.
“الخمره؟” يسأل كونر..
“الكحول!, أقسم.. هذا الجيل بأكمله جاهل.. بتضخيم الأحرف”

السلالم لأسفل منحدره و ليست مستويه, كونر يعتقد أن سونيا سترسلهم وحدهم لأسفل, لكنها أصرت على قياده الطريق.. تأخذ وقتها, و تبدو واثقه من خطاها على السلالم أكثر منها على الأرض المستويه.
يحاول كونر أن يمسك ذراعها ليعطيها بعض الدعم, لكنها تبعده,و ترمقه بنظره ساخطه ,:” لو أردت مساعدتك سأطلبها, هل أبدو لك واهنه؟”
“فى الحقيقه.. نعم.”
“المظاهر خادعه,”تقول له.” فبعد كل شئ, حين رأيتك ,اعتقدت أنك على قدر معقول من الذكاء.”
“طريف للغايه..!”
فى الأسفل, تمد يدها نحو الحائط و تفتح مفتاح النور.
تشهق ريسا, و يتبع كونر نظراتها حتى يراهم..
ثلاثه أشخاص, فتاة و ولدان.

“عائلتكم الصغيره قد كبرت للتو,” تقول سونيا للثلاثه.

لا يتحركون, يبدون قريبون من عمر كونر و ريسا, رفقاء متفككون, بالتأكيد..
يبدون متحفظين و مرهقين.. يتسائل كونر إن كان يبدو بنفس السوء !
“حبا بالله. توقفو عن التحديق,” تقول لهم..” تبدون كقطيع من الفئران.”
تمشى سونيا فى القبو المترب.. محدده الأشياء لكونر و ريسا.
“يوجد أطعمه معلبه على تلك الأرفف, و فتاحه علب فى مكان ما هنا.. كلو ما شئتم, لكن لا تتركو أى بقايا, و إلا سترون حقا الفئران. الحمام فى الخلف هناك, ابقوه نظيفا, سأخرج بعد قليل و أحضر وصفه و زجاجه أطفال”. ثم تنظر لكونر ,:” أووه, و يوجد عده إسعافات أوليه هنا فى مكان ما, للعضه التى على ذراعك.. أيا ما كانت حكايتها !”

يمنع كونر امتعاضه عن وجهه, لا تفوت سونيا أى شئ..
“كم من الوقت أكثر؟”, يسأل أكبر فئران القبو, فتى مفتول العضلات, ينظر لكونر بارتياب شديد, كما لو أن كونر سيهدد مكانته كالذكر المهيمن أو ما شابه!.
“لماذا تهتم؟” تقول سونيا, “ ألديك موعد ملح؟”.
لا يرد الفتى, فقط يحملق بسخط فى سونيا و يعقد ذراعيه, مبينا وشم لسمكه قرش على ساعده. أووه يفكر كونر بنظره ساخره.. شئ مخيف, الآن أنا حقا خائف..!

تتنهد سونيا..” أربعه أيام أخرى حتى أتخلص منكم للأبد.”
“ماذا سيحدث بعد أربعه أيام؟” تسأل ريسا.
“رجل المثلجات سيأتى.” و بقول هذا, تصعد السلالم أسرع من قدرتها فى نظر كونر .. و الباب ينغلق بصفعه.

“عزيزتى, سيدة التنين اللطيفه ترفض أن تقول لنا ما سيحدث لاحقا,” يقول الفتى الآخر, فتى أشقر نحيل ببسمه باهته متكلفه تكاد تبدو كأنها ملتصقه دائما على وجهه.لديه تقويم على أسنان لا تبدو أنها بحاجته !.. بالرغم من أن عينيه تخبر بليالى ساهره, إلا أن شعره فى حاله مثاليه, كونر يستطيع القول أن هذا الفتى _بغض النظر عن الخرق التى يرتديها_ يأتى من عائله غنيه..

“سيتم إرسالنا لمخيم الحصاد و سيقطعونا إربا, هذا ما سيحدث لاحقا,” تقول الفتاه, هى آسيويه الأصل, و تبدو قويه تماما كالفتى ذو الوشم, و شعرها مصبوغ بظل غامق من الوردى و خناقه جلديه مدببه على عنقها.

فتى القرش ينظر لها بحده,” هلا خرستى بهرائك عن نهايه العالم؟”.
يلاحظ كونر أن الفتى لديه أربع علامات خدش متوازيه على جانب وجهه, متطابقه مع أظافر.
الفتاه لديها أعين سوداء ,“إنها ليست نهايه العالم,” تتمتم الفتاه,” فقط نهايتنا نحن..”
“أنتِ جميله حين تكونين انعداميه*”, يقول الساخر.
“اخرس”
“أنتِ تقولين هذا فقط لأنك لا تعلمين ماذا تعنى الانعداميه.”

ترمق ريسا كونر بنظره, و هو يعرف فيماذا تفكر, علينا أن نعانى خلال أربعه أيام مع هذا الطاقم؟, مع هذا, فهى تسبق بتعريف نفسها و تمد يدها... كُرها, يفعل كونر المثل.
يتضح أن كل من هؤلاء الثلاثه, تماما ككل متفكك, لديه قصه تحصد المركز الأول على مقياس المناديل الورقيه!

الساخر, اسمه هايدن, كما توقع كونر, يأتى من عائله غنيه لدرجه السخافه. حين تطلق والديه, كان هناك معركه حضانه طاحنه عليه. بعد سنتان و سته مواعيد للمحاكمه, مازالت غير محسومه. فى النهايه.. الشئ الوحيد الذى استطاعا الاتفاق عليه كان أن كلاهما يفضل أن يرى هايدن متفكك على أن يحصل الطرف الآخر على الحضانه.
“لو استطعتم شحذ طاقه حقد والداى,” يقول لهم هايدن,” ستستطيعون أن تشغلوا مدينه صغيره لعده سنوات.”
الفتاة اسمها ماى ,والدايها ظلا يحاولا الحصول على ولد حتى حصلا عليه أخيرا, لكن ليس قبل الحصول على أربعه فتيات..ماى كانت الرابعه,” لا شئ جديد,” تُخبرهم ماى,:” فى الصين, فى الأيام التى كان مسموح بها الحصول على طفل واحد فقط, الأهالى كانت تقتل أطفالهم من البنات يمينا و يسارا.”

الفتى الأكبر يكون رونالد, كان لديه أحلام أن يكون بويف فى الجيش, لكن يبدو أنه أخذ نسبه عاليه من التستوستيرون, أو المنشطات.. أو خليط منهم !, تاركته مخيف قليلا حتى ليكون بويف فى الجيش.

مثل كونر, رونالد تورط فى عراكات فى المدرسه, لكن كونر يعتقد أن قتالات رونالد كانت أشد سوءا.. بكثير.
مع هذا,فذلك ليس ما تسبب فى دماره, رونالد قد أبرح زوج أمه ضربا لأنه ضرب والدته, الأم أخذت جانب زوجها, و الزوج خرج منها بتحذير.. رونالد على الناحيه الأخرى, أُرسل ليتم تفكيكه.
“هذا ظالم للغايه,” تقول له ريسا.
“كما لو أن ما حدث لكِ أقل ظلما؟” يقول كونر.

رونالد يثبت نظرته على كونر, مشاعره بارده كالحجر.” تظل تحدثها بتلك النبره, ربما ستجد لنفسها حبيب جديد.”
كونر يبتسم بازدراء نحوه, و ينظر للوشم على ساعده.” يعجبنى الدولفين.”... رونالد ليس مستمتعا,:” إنه قرش النمر يا غبى.”
يصنع كونر ملاحظه عقليه, ألا يعطى الأمان لرونالد أبدا...

***
أسماك القرش, قرأ كونر ذات مره, لديهم نوع قاتل من رهاب الاحتجاز, ليس خوف من الأماكن المغلقه بقدر كونه عدم قدره على البقاء فيها. لا أحد يعلم لماذا, البعض يقول أنه المعدن فى أحواض السمك, الذى يدمر اتزانهم.. لكن أيا ما كان السبب,فأسماك القرش الكبيره لا تدوم طويلا فى الأسر..

بعد مرور يوم فى قبو سونيا. يعلم كونر كيف يشعروا, ريسا لديها الرضيعه لتبقيها منشغله ,تتطلب كم هائل من الانتباه, و بالرغم من تذمرها من المسئوليه, كونر يعلم أنها ممتنه فقط لوجود شئ يساعدها على تمرير الساعات. يوجد غرفه خلفيه للقبو, و رونالد أصر على أن تحظى بها ريسا و الطفله, يحاول التصرف كما لو أن فعله نابع من اللطافه, لكنه واضح أنه يفعل هذا لأنه لا يتحمل بكاء الرضيعه.

ماى تقرأ, يوجد مجموعه من الكتب القديمه المتربه فى الزاويه, و ماى دائما تحمل واحد فى يدها.
رونالد, بعدما سلم الغرفه الخلفيه لريسا, يسحب وحده أرفف للكتب فارغه و يصنع مكان خاص لإقامته خلفها.يشغل المساحه كما لو كان لديه خبره بالوجود فى زنزانه. حينما لا يجلس فى زنزانته الصغيره, فهو يعيد تقسيم الطعام فى القبو لحصص.” أنا أهتم بالطعام,” يُعلن.” الأن, بعد أن أصبحنا خمسه, سأعيد تقسيم الحصص, و سأقرر من سيحصل على ماذا , و متى.”
“أنا أستطيع أن أقرر ما أريد و متى لنفسى,” يقول له كونر.
“لن يحدث الأمر كذلك,” يقول رونالد.” لقد وضعت الأشياء تحت السيطره قبل مجيئك هنا, و ستبقى كذلك.” ثم يناول كونر علبه من لحم الخنزير المعلب.
ينظر لها كونر بتقزز.” أتريد شئ أفضل؟” يقول رونالد,:” اذا تلتزم بالبرنامج.”

يحاول كونر وزن حكمه أن يتورط فى قتال حول هذا الأمر, لكن الحكمه نادرا ما تصل حين يُستفز كونر. انه هايدن الذى يُذيب الموقف قبل أن يتصاعد. يأخذ هايدن العلبه من كونر و يفتحها.
ويقول :“حين تغفو, تخسر” ,و يبدأ بأكل اللحم بإهمال بأصابعه.” لم أتناول هذا حتى أتيت هنا, الآن, أنا أحبه.”, ثم يبتسم,”فليساعدنى الله, أنا أتحول لأصبح كالفقراء الذين يعيشون فى المقطورات.”

يحدق رونالد بكونر وكونر يحدق تباعا, ثم يقول كونر ما يقوله دائما فى تلك المواقف,:
“جوارب جميله.”

بالرغم من أن رونالد لا ينظر للأسفل فى التو. فهو يشتته بما يكفى ليبتعد. لا ينظر ليتأكد من أن جواربه متماثله حتى يعتقد أن كونر لا ينظر, و اللحظه التى يفعل فيها, يكتم كوتر ضحكته. الانتصارات الصغيره أفضل من لا شئ .

هايدن كاللغز بعض الشئ,
كونر ليس متأكد إن كان حقا مستمتع بكل ما يحدث حوله, أم تصرفاته فقط ادعاء, طريقه للدفاع عن النفس حتى لا يسمح لنفسه بالشعور بمواقف مؤلمه للغايه.
غالبا, كونر يكره الفتيان الأغنياء المتصنعون مثل هايدن,لكن يوجد شئ ما حول هايدن يجعل من المستحيل ألا تحبه..!

كونر يجلس بجوار هايدن, الذى يلمح المكان ليتأكد من أن رونالد قد ذهب خلف وحدته الخاصه.
“تعجبنى مناوره ( جوارب جميله)” يقول هايدن, “أتمانع إن استخدمتها أحيانا.”
“تفضل”
يسحب هايدن آخر قطعه من اللحم و يعرضها على كونر. و مع أنه آخر شئ يريده كونر الآن, يأخذها, لأنه يعلم أن الأمر ليس متعلق باللحم, تماما كما يعلم أن هايدن لم يأخذ اللحم فقط لأنه أراده.
قطعه اللحم المعالجه تعبر من هايدن إلى كونر, و شئ بينهم.. يسترخى..!, تفاهم يتم التوصل إليه, أنا على جانبك, تلك القطعه من اللحم تقول : سأحمى ظهرك.

“هل قصدتم الحصول على الطفل؟” يسأل هايدن.
كونر يفكر كيف يمكن أن يجيب .يكتشف أن الحقيقه هى أفضل وسيله للبدء, حتى لو صداقه غير مؤكده,:“إنه ليس طفلى”.
يومئ هايدن,” انه رائع أنك متمسك بها بالرغم من كونه ليس طفلك.”
“هو ليس طفلها أيضا.”
يبتسم هايدن ابتسامه ساخره, لا يسأل كيف وقع الطفل فى حيازتهم, لأنه كما يبدو ,فالنسخه التى توصل لها عقله أكثر إمتاعا من أى شئ قد يقوله كونر.
“لا تُخبر رونالد,” يقول هايدن.” فالسبب الوحيد لكونه لطيفا معكما هو أنه يؤمن بقداسه الأسرة الأوليه*”

لا يستطيع كونر معرفه ما إن كان هايدن جدى, أم ساخر..! يشك أنه لن يعرف ذلك أبدا.يمضغ هايدن أخر ما تبقى من اللحم, و ينظر لحاويه فارغه, و يتحسر..
” حياتى كمورلوك*,” يقول.
“هل من المفترض أن أعلم ما هذا؟”
“ ضفادع بشريه تحت الأرض, حساسه للضوء. غالبا يتم تصويرها فى أزياء مطاطيه خضراء سيئه, للأسف, هذا ما أصبحنا عليه.. ماعدا جزء المطاط الأخضر بالطبع !"

يرمق كونر أرفف الطعام نظره خاطفه, حينما يستمع بحرص, يمكنه سماع نبض خافت للموسيقى آتٍ من مشغل الموسيقى القديم الذى من المؤكد سرقه رونالد من أعلى حين وصل ؟
“منذ متى تعرف رونالد؟”
“ثلاثه أيام أكثر منك”, يقول هايدن,” كلمه للطائشين, الذى أظن أنك أحدهم, رونالد لا بأس به مادام يعتقد أنه فى القياده, مادمت تتركه يعتقد ذلك, فجميعنا, أسرة واحده كبيرة سعيدة.”
“ماذا إن كنت لا أريده أن يعتقد كذلك؟”
يرمى هايدن علبه اللحم الفارغه فى سله القمامه على بعد عده أقدام و يقول:” الشئ بخصوص المورلوك هو أنه معروف عنهم أنهم آكلى للحوم البشر.”
__________________________________________________ ______________
تويد: صوف خام
انعداميه : مبدأ فلسفى يرفض كل المبادئ ويقر أن الحياه ليس لها معنى ولا هدف.
أسرة أوليه : أسره تتكون من الأب و الأم و الأولاد بدون أقارب آخرين.