عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2012, 03:18 PM
المشاركة 554
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رشيد بوجدرة في «الرعن» استحضار طفولة

الكاتب : رامي قطيني في : 7 مارس 2011 – 9:42 صأضف مشاركة | 1,053 مشاهدة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
في هذه الرواية (الرعن) نجد رجلاً محكوماً عليه أن يبقى في المستشفى، تحاصره امرأة وتؤثر البقاء إلى جواره فتجلس إلى سريره وتحدّق فيه النظر مرسلة إليه شرارات مستعرة ملؤها الكراهية، فما كان منه إلى أن غرق في نوبة من السعال المتواصل كي يظن المشرفون على المستشفى أنه مصاب بمرض السل، فينقلونه إلى جناح آخر غير جناحه، من أجل أن يهرب من براثن هذه الأنثى الرهيبة، ولكنها كانت له بالمرصاد فهي مصرّة أن يبقى في قبضتها المفزعة. ويروح الكاتب فيروي قصة اختتانه يوم كان عمره ست سنوات: (وسط الصخب الموسيقي وضوضاء الخادمات السوداوات، وسط بربرة تلامذة الكتّاب وهم يرضخون لأوامر مرشدهم سي الأخضر). وعندما لم تصدقه، راح يقصّ عليها خرافات لا أساس لها البتة وروايات ملفقة ووقائع وأحداثاً حقيقية كان يتعمد تحريفها وتزييفها، لم ينقذه منها سوى رنين الجرس بعلاماته الحمراء، عند ذلك انصرفت الممرضة الشمطاء مهرولة ومبتعدة، بدأ بالتفكير لماذا هو هنا؟ وبأي حق يحشر في هذه الغرفة البائسة الحقيرة ؟ ولماذا يصطلي بنيران تلك المرأة الطاغية؟
وعندما لا يجد جواباً يمضي بالكتابة على الأوراق مستضيئاً بسراج القاعة الشحيح مستعيناً بقلم عتيق: (كنت أحرّر ليلياتي بين الفينة والأخرى خلال دوريات الممرضات المتجولات متيقظاً وكنت قد جعلت من الحذر مبدأ من مبادئ الحياة المقدسة، لا يمس). ‏

وفي اجتراح الذكريات نعرف أن بطل الرواية، أو الشخصية الأولى فيها، كان يعمل مدرساً بسيطاً للفتيات، أصبح موضوع تهديد من قبل أحد كبار التجار الشرسين المتسلطين على المدينة ليس لـه إلا أن يتذكّر قصة حبه لـ (سامية) وكيف قضى معها على البحر أروع قصص الحب على الإطلاق، يراقبهما قط أبيض خبيث، ورجل عجوز. ‏
تنقله الذاكرة إلى الطفولة وحلاق القرية الذي يفعل الأعاجيب للكبار والصغار معاً، زغردة النساء وهياجهن أمام رؤيتهن لـه وقد قطع (الغرلة) وغسل يديه بإبريق ذهبي، وغير ذلك نشاهد ولعه بالراقصة سامية جمال تلك التي اكتشفها عبر أفلام إباحية، وكان يشاهدها في إحدى قاعات العرض الصغيرة والقذرة من أيام الطفولة، وهي تلوي خصرها بينما هو/ الطفل يلوك حبات الفول السوداني بنهم فائق، فيكاد يختنق وهو يسعل متربصاً عقب سيجارة يرميه أحد الفلاحين على الأرض، فينقض عليه قبل سحقه. ‏
ها هو يروي لنا قصة أحد المهاجرين إلى فرنسا الذي نسي لغته فلا يتذكّر كلمة عربية، وإذا أراد أن يعبّر فعلى دفتر لا يفارقه، يرسم رسوماً غريبة تشير إلى رجال ونساء يقودون أمامهم كلاباً تتوقف من حين لآخر رافعة قدماً، تريد التبول أو التغوط على الأرصفة. ‏
هذه المشاهد وغيرها من شبان هربوا من الخدمة العسكرية، ودراويش وعرافين ومتعصبين، ومحتكري الأموال العّامة، وعلماء الموسيقا المتحمسين للتواشيح الأندلسية، ومبدعين مصابين بالعقم، وثرثارين دوزنوا الفصحى حسب مقاييس مجهولة، وفلاسفة ذوي الوجوه الذميمة والطرق الماورائية القبيحة، إضافة إلى معوقي حرب السبع سنوات والهاربين من مرض السرطان، ودكاترة مختصين في فن الديماغوجيا الحديثة، كل هؤلاء يروي عنهم الكاتب إلى نادية، وهي لا تصدقه، يروي عن سامية، التي نزلت إلى البحر، وهو لا يعرف أقتلها، أم أنها انتحرت، يروي عن أبيه الذي ليس أباه، يروي عن أمه التي اغتصبت، ولم تغتصب، يروي عن القبطان الذي يعود في نهاية الأمر مثقلاً بالأوسمة من الحرب التي شارك فيها في الهند الصينية، يجرجر ساقه البلاستيكية على الدرج، وفي فترة الاستراحة يثني على القومية الفرنسية والوطن الأم، عند ذاك سوف يقومون بسؤال نادية: (كيف الأحوال اليوم، هل خف نبض هذا الرعن، لا بأس به، الحمى معتدلة)، يتهمونها بالتهاون والتغاضي عن حراسته والسهر عليه سهراً دقيقاً، أما هو فقد أخفى كل ما يملكه (القرآن الكريم ورأس المال العظيم ورسالة الغفران للمعري)، هذه الكتب لم تفارقه قط. ‏
شخصيات كثيرة ولكنها مهمّشة، وتبقى شخصية الكاتب/ المجنون، تطفو على السطح، بكل انفعالاتها وقسوتها ولينها وجبروتها، وخيبتها ومرارتها، شخصية تعاني من مرض مستفحل ألا وهو الجنون، يجلس مع ممرضة (نادية) يقص عليها ويكتب وهي لا تصدق قصصه بشيء، لأنها تعتبره مجنوناً، لا أمل له بالخلاص. ‏
لقد أراد الكاتب أن يتخلص من فخ العادات البدائية والاتفاقات الاجتماعية، وهذه المحاولة تجعله يعيش في الماضي ويستحضر الطفولة مصدر كل كتابة تريد بلوغ أقصى ما لديها. ‏
المؤلف في سطور: ‏
رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 أيلول سنة 1941 م في مدينة عين البيضاء، اشتغل بالتعليم ، وتقلد عدة مناصب منها ، مستشار في وزارة الثقافة ، وأمين عام، ‎له من الرّوايات: 14 رواية، منها : الحلزون العنيد – التفكك – فوضى الأشياء – واقعة اغتيال – الانبهار، وله ديوانا شعر هما: من أجل إغلاق نوافذ الحلم – لقاح، وله دراسة واحدة : الشرق في الفن التشكيلي. وجميع أعماله صدرت عن المؤسسة الوطنية للاتصال «ANEP» . ‏