عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2012, 11:59 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الرد على القائلين بحرمة المظاهرات ..

نذكر أننا هنا بصدد معالجة موقف معين ـــ وهو موقف التيار المضاد للثورة ـــ من تيار معين داخل الإتجاه السلفي وليس كل الإتجاه السلفي الذى ننتمى إليه جميعا عقائديا باعتبارنا مسلمين ..
ولو لم نصلح دواخلنا بأنفسنا علنا كما أخطأ بعض رموزنا علنا ونكشف الوجه الحقيقي لتجار السلفية فلن يصلحه لنا أحد , وسيكونون علينا حربا لا يزيدونا إلا خبالا ,
وهذا الإتجاه الذى نحارب توجهاته هو الإتجاه الذى قلنا أن الدولة كانت تستخدمه استخداما سياسيا مطلقا وفق مصالحها الخاصة عبر السيطرة على قياداته التى تسيطر بدورها على الشباب السلفي وتحركهم أو تثبطهم وفق اختيارات النظام والحكومة لا وفق أحكام الشريعة الحقيقية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ..

وقمة الإثبات على ذلك أن هذا الإتجاه السلفي الحريص على مصالحه كان ـــ للغرابة ـــ خادما لأغراض العلمانية فى فصل الدين عن الدولة ..
كيف هذا ؟!
لقد حصر هذا التيار الدين فى عباءة الدعوة فى إطار محدد وهو إطار العبادات والرقاق واستبعد من نشاطه نهائيا الشأن السياسي والحكم والحكومة والحكام , واعتبروا أن هذه المجالات محظورة عليهم مع أن أول مبادئ الإسلام أن الرعية تصلح بصلاح الحاكم !
واستجابوا فى تبعية منقطعة النظير لأوامر وزارة الداخلية ولم يدخلوا معركة واحدة غير آمنة أو غير مسموح لهم بها من الأمن ..
وهذا التفسير الوحيد الذى يفسر لنا التناقض الغريب والمريب بين موقف السلفيين من مظاهرات الثورة وبين موقفهم من مظاهرات عبير وكامليا وشحاته !! , ويفسر لنا أكثر لماذا كانت مواجهات السلفيين ومظاهراتهم خالية من عنصر المواجهة مع الأمن حيث أنهم لم يصطدموا بالأمن نهائيا فى أى مظاهرة قاموا بها ..
لأن النظام كان يستخدمهم ـــ سواء بعلمهم أو بغيره ــ فى إرهاب النصاري والضغط عليهم وفى تشويه صورة الإسلام السلفي وفق الأجندة التى عمل عليها نظام مبارك منذ نشأته ..
ومرجعنا فى ذلك هو كم الصوت العالى الذى أثارته بعض القيادات السلفية فى قضية عبير وكاميليا شحاته وانعدام هذا الصوت فى أمر الأمة بأكملها عندما خرجت الجموع هادرة ضد ظلم الحاكم !! , بل مرجعنا الأكبر موقفهم من مقتل سيد بلال الشاب السلفي الذى قتله أمن الدولة بالتعذيب فى الإسكندرية بتهمة باطلة فنكص السلفيون على أعقابهم وتركوا قضيته وكأن كامليا شحاته كانت أختا وسيد بلال كان من كفار قريش !
وكذلك كمية الردود وغبار المعارك الذى يثيره أصحاب هذا الإتجاه فى بعض القضايا الفقهية كاللحية والنقاب , فإذا جاء ذكر مظالم الناس سكتت الألسنة واعتبروا الحديث فى هذا الشأن فتنة يجب ألا تثور !
فهم يتعاملون مع المعارك والمواجهات بصيغة المواجهة الآمنة التى لا ترتب صداما مع الأمن ومع الدولة بأى حال من الأحوال , وإلا لو كانت الدعوة مخلصة لإصلاح أمر البلاد لكان السلفيون بحق هم قادة الأمة إلى الخروج فى مظاهرات ضد الحاكم لأن نظام الحكم كان هو مدار الفساد فى جميع جوانبه وأهمه الفساد السياسي والأخلاقي وحربه على الإسلام وتشويهه لصورته ..
وهو نفس مع فعلوا السلفيون فى بلاد أخرى عندما خرجت الفتاوى الرسمية تعتبر المظاهرات ضد حرب غزة والجهاد فى فلسطين رجس من عمل الشيطان وملهى عن ذكر الله بينما هم قبلها بسنوات كانوا هم أنفسهم من اعتبروا الجهاد ضد السوفيات فى أفغانستان جهادا مشروعا ومحببا ودفعوا الشباب دفعا إلى الإلتحاق بكتائب المجاهدين ضد القوات السوفياتية فى أفغانستان بينما عندما قامت القوات الأمريكية بضرب أفغانستان نفسها وضرب العراق واتخاذ أرض العرب تكئة لضرب إخواننا المسلمين وبلادهم خرجت تلك الفتاوى التى لا تحرم الجهاد ضد العدو الأمريكى وحسب بل تحرم مجرد التظاهر السلمى وتعتبره خروجا عن شرع الله
والتفسير طبعا لهذا التناقض يكمن فى أن الجهاد فى أفغانستان ضد السوفيات كان جهادا مشروعا بسبب دعم الحكومات العربية له ورغبتهم فيه بينما الجهاد ضد القوة الأمريكية يتصادم مع مصالح الحكومات العربية ولهذا لابد من تحريمه ..

نفس الأمر بالنسبة لوجود القواعد الأمريكية فى بلاد المسلمين , وجد الحكام العرب من ختم لهم على فتاوى تجيز الدخول وكان الأمر عارا بحق حيث أن الفتاوى بدت وكأنها صيغت فى واشنطن ! , ولكن هذا لم يمنع علماء السلفية الحقيقيين من الصدع بالحق ,
فالذى لا يعرفه خصوم السلفية أن تيار السلفية المهادنة لا علاقة له بالسلفية الأصيلة الحقيقية التى تستند إلى فقه بن حنبل وبن تيمية , ولو حاكمنا هذا التيار ـــ وسنفعل ـــ إلى السلفية الحقة لاتضحت معالم هذا التيار الغريب على الإتجاه السلفي الأصيل الذى يمثله الرموز لكبار ..
ففي البداية تيار مهادنة الحاكم لم يعرفه أهل السنة وإمامهم بن حنبل أبدا بل ولم يعرفه أى عالم من علماء المسلمين الربانيين ولم يكن هناك واحد منهم يهادن فى دين الله ودفعوا الثمن فى مواجهة ظلم الحكام بدء من أصحاب المذاهب الأربعة وسفيان الثورى وبن تيمية وغيرهم ..
ولكل عالم من هؤلاء تجد فى سيرته الذاتيه فصلا ضروريا يتكرر مع كل عالم ألا هو فصل ( المحنة ) , وتجد فيه أن كافة هؤلاء العلماء الذين يمثلون المرجعية الكبري فى السلفية المعاصرة , تجدهم واجهوا الحكام وتدخلوا فى الشأن العام والشأن السياسي ولكل منهم كانت له قصة مع الحكام إنتهت إما بقتله أو باعتقاله وتعذيبه ..
فكيف يدعى أصحاب تيار المهادنة أنهم سلفيون ويستندون فى المرجعية إلى هؤلاء الأبطال ويخالفونهم إلى تلك الدرجة ؟!
وكيف لا نجد فى تيار المهادنة عالما واحدا منهم عانى من السلطة أو أصابه منها حتى أعراض البرد والزكام ! وهل كان حكامنا اليوم أصلح وأوفي من الحكام فى عصر التابعين وما تلاهم ..؟!

ولماذا لم نر منهم موقفا مثل موقف شيخ الإسلام العز بن عبد السلام عندما خرج على الصالح إسماعيل والذى كانت كل جريمته أنه تحالف مع الفرنجة وسمح لهم بشراء السلاح من دمشق ! وهى جريمة تهون إلى جوار التطبيع الكامل من حكامنا ــ خصوصا نظام مبارك ـــ الذى تحالف التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة وصار وكيل مصالحها فى المنطقة , ثم تحالف مع الإسرائيليين ضد الفلسطينيين المحاصرين وأعان اليهود بالمال والسلاح والوقود لكى يفرغوا أرض فلسطين من الأحياء فى حرب غزة وما قبلها ؟!

بل إن تيار المهادنة يخالف أول ما يخالف أيضا تيار السلفية الحقة من المعاصرين , ونعنى بالمعاصرين جهابذة العلم فى التيار السلفي أمثال الشيخ حمود بن العقلا الشعيبي والذى يكفي أن نقول فيه أنه أستاذ الأستاذين للسلفية المعاصرة وأن جبال العلم التى تلته كانت كلها تدور فى فلك علمه وتستقي منه أمثال الألبانى وبن باز وبن عثيمين , وللقارئ أن يعود إلى سيرته الذاتية ليتعرف سيرته وأثره رحمه الله
هذا الرجل وقف فى وجه الفتاوى التى تجيز إعانة الكفار على قتال المسلمين واستقدامهم إلى أرض الإسلام ودفع ثمن فتاواه التى أخرجها فى كتاب علنى تحت اسم ( القول المختار فى حكم الإستعانة بالكفار ) "[1]"
كذلك هناك العلامة الألبانى رحمه الله وهو الأب الروحى لمعظم الجيل الموجود اليوم , فالرجل كان له نفس موقف المعارضة للحكام ودفع الثمن اعتقالا وتعذيبا فى قلعة دمشق فى الستينات والسبعينات , واتخذ نفس موقف الشيخ حمود العقلا فى بداية التسعينات من تحريم الإستعانة بالكفار وتحريم دخولهم أرض المسلمين فى فتاوى علنية مشهورة له مستندا إلى قطعية تحريم هذه المسألة بحديث النبي عليه الصلاة والسلام ( لن أستعين بمشرك )
بل إن له فتوى شهيرة أيضا ومسجلة على موقع يوتيوب تبيح الخروج الفعلى على الحكام الظلمة ــ وليس مجرد المظاهرات ــ شريطة أن يكون الخارجون قادرون على تغيير الأمر الواقع والإطاحة بتلك الأنظمة ..
فهذه هى السلفية كما عرفناها ونعرفها وهذا هو موقف السلف الصالح القائم على مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..

فمن أين أتى السلفيون الجدد من تيار المهادنة بهذه الكمية من مساندة الحكام والعمل على تبرير ظلمهم ناسين أو متناسين عواقب ذلك فى الدنيا والآخرة وأن علماء السلطان وخطباء الفتنة هم الذين يبررون لكل حاكم ظلمه تقرض شفاههم يوم القيامة بمقارض من النار كما أخبر النبي المختار عليه الصلاة والسلام


وفى موقفهم من الثورة ..
كان موقفا مخزيا فى الحقيقة حيث اختاروا جانب النظام واعتمدوا فى ذلك على أحاديث وجوب الطاعة لولاة الأمر , وأن ما يحدث من مظاهرات هو أمر تخريبي لا يرضي عنه الشرع فضلا على أنه سيكون خروجا فى فتنة !
وبغض النظر عن أن موقفهم هذا تغير وانقلب بعد نجاح الثورة واعتبروا المظاهرات أتت بخير وأن رياح التغيير هبت , إلا أنهم لم يتركوا عادتهم القديمة فى الترصد للثورة وللثوار ..
وللرد على هذا القول .. نفصل الأمر فى عدة نقاط ..
أولا : أمر الثورة لم يكن أمر فتنة , الفتنة وفق التعريف الشرعي هى الحادث أو الحدث الذى لا يعرف فيه المرء المسلم الحق من الباطل فهنا تُشرع له العزلة فلا يشارك مع أى جانب ,
تماما كما حدث فى فتنة استشهاد أمير المؤمنين عثمان بن عفان وكان الأمر واضحا لبعض الصحابة , ومستغلقا على البعض الآخر فمنهم من شارك ومن من اعتزل , وكان خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه يمشي مع صف علىّ ولا يقاتل حتى إذا قُتل عمار بن ياسر رضي الله عنهما .. قاتل ..
لأن خزيمة هنا عرف جانب الحق بلا خلاف بعد مقتل عمار لأنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول لعمار ( تقتلك الفئة الباغية )
فالشرع يبيح العزلة فقط إذا كان المسلم لا يعرف فى أمر الحوادث أي الجانبين على الحق وأيهما على الباطل ..
فهل ينطبق هذا على الثورة ؟!
سبحان الله ..
بل إنه حتى باعتراف السلفيين أنفسهم لم يكن نظام مبارك على الحق فى أى مرحلة من مراحله , ولم يكن مجرد حاكم ظالم حتى يمكن اعتبار النداء بسقوطه فتنة , بل كان حاكما عبر حاجز الكفر البواح كما سنفصل بعد ذلك ويكفيه عارا أنه كان حربا على الإسلام وبنى وطنه سلما على الغرب وإسرائيل حتى اعتبرته السياسة الإسرائيلية كنزا استراتيجيا لا ينبغي التفريط فيه وفق مقولة بن إليعازر !
فلم يكن الخروج ضد مبارك بالمظاهرات فتنة بل هو صدع بالحق وأمر بالمعروف فى وجه نظام أمر بالمنكر ونهى عن المعروف , ولست أدرى من أى جانب شرعي استقي هؤلاء الدعاة مقولتهم بأن المظاهرات كانت فتنة رغم أن القتل والترويع كان من جانب واحد فقط هو جانب النظام , والنداء السلمى كان من جانب الضحية فكيف أساوى بين الجانى والضحية وأعتبر الأمر أمر فتنة لا يظهر لى ــ كمسلم ــ أيهما على الحق وأيهما على الباطل
بالإضافة إلى توسعهم فى مسألة المفاسد والمصالح وهتافهم بأن المصالح والمفاسد تقتضي عدم الخروج عن الحاكم مهما فعل , إلى الدرجة التى وصلت بالحكام إلى ارتكاب كل الموبقات التى تهون الأرواح والجهاد لدرئها وإلا كانت الحياة عبارة عن غابة لا يحكمها إلا قانون القوة , لأن الحكام مهما فجروا , سيجدون من يتصدى لهم ولظلمهم مهما كان الثمن وسيجدون أيضا من يعينهم من علماء السلطة تحت مبرر حفظ النفس بينما النفوس أصلا والأعراض منتهكة بأفعال السلاطين فمتى نتحرك للدفاع إذا ؟!
والأمر أشبه بمن يطالب رجلا ألا يدافع عن أهل بيته فى مواجهة القهر والإغتصاب والقتل للحفاظ على نفسه من قوة خصومه !
فإذا كانت الكرامة والشرف والعرض والنفس فى مهب الريح فمتى يكون الجهاد فرضا إذا إن لم يكن فى تلك الحالة ؟!
ومن أراد التفصيل فى تلك المسألة فعليه بمقال الدكتور راغب السرجانى الذى رد على القائلين بأنها فتنة ردا واسعا مستفيضا ..



الهوامش :
[1] ــ القول المختار فى حكم الإستعانة بالكفار ـ حمود العقلا الشعيبي ــ طبعة إليكترونية