عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2022, 08:34 AM
المشاركة 14
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
>>>>>

هذا ولو أعارتني خُطباءُ إيادٍ أَلْسِنَتِهَا وكتَّابُ العراقِ أيديها في وصفِ
أياديهِ الّتِي اتَّصلت عندي كاتّصالِ السُّعودِ، وانتظمتْ لديَّ في حالَتيْ
حُضُوري وغَيبتي كانتظامِ العُقُودِ، فقلتُ في ذكرها طالبًا أمَدَ الإسْهاب،
وكتبتُ في شكرها مادًّا أطنابَ الإطْنابِ، لَما كنتُ بعدَ الاجتهاد إلا مائلًا
في جانب القُصور* متأخرًا عن الغرضِ َلمقصودِ، فكيفَ وأنا قاصِرُ سَعْيِ
البلاغةِ قصيرُ باعِ الكتابةِ، وعلى هذا فقد صَدِئَ فَهْمي مع بُعْدٍ كان عن
حضرتِهِ، وتكدَّر ماء خاطري لتطاوُل العهد بخدمته، وتكسَّر في صدري
ما عَجزَ عنِ الإفصاح به لساني، فكأنَّ أبا القاسم الزّعفرانيّ، أحدَ شعراء
العصر الذين أورَدْتُ مُلَحَهم في كتاب "يتيمةِ الدّهرِ، قد عبَّر عن قلبي
بقولِهِ:

لي لسان كأنّهُ لي معادي
ليس يُنبي عن كُنْه ما في فؤادي

حَكَمَ اللهُ لي عليهِ فلو أُنـ
ـصَفَ قلبي عَرَفْتَ قَدْرَ وِدَادِي



فإلى من جمَّل الزمانَ بمجْدِهِ، وشرَّفَ أهلَ الآدابِ بمناسبة طَبْعِهِ، ونظر
لذوي الفَضْلِ بامتدادِ ظِلِّه، ودَاوَى أحوالهم بطبِّ كرمه، أرغبُ في أن
يجعل أيامَهُ المَسْعودَةَ أعظمَ الأيام السالفةِ يُمنًا عليهِ، ودُونَ الأيام
المُسْتَقْبَلَةِ فيما يُحِبُّ ويحبُّ أولياؤُهُ لهُ، وأن يديمَ إمتاعَه بظلّ
النعمةِ، ولباسِ العافيةِ، وفِراشِ السلامة، ومركبِ الغِبْطَةِ، ويُطيل بقاءه
مَصُونًا في نفسه وأعِزّتِهِ، متمكنًا مما يقتضيهِ عالي همَّته، وأن يَجمعَ له
المدَّ في العُمر إلى النفاذِ في الأمرِ، والفوزَ بالمثُوبَةِ مِنَ الخالقِ، والشكرَ
من المخلوقين، ويجمع آماله من الدنيا والدين.

>>>>>

*القصور: العجز.