عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2014, 11:19 PM
المشاركة 1202
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر

من دراسة أية احمد حول الرواية

- ملخص الرواية:*تحكي الرواية عن (آمنة) التي انتقلت مع أختها و أمها الى المدينة عقب وفاة أبيها، و عملن كخادمات. لكن اختها (هنادي) وقعت ضحية للمهندس الذي كانت تعمل لديه،حيث اعتدى عليها و حطم حياتها. ثم قتلت (هنادي) أمام أعين أختها على يد خالهما. فقررت (آمنة) الانتقام لأختها، فعملت لدى المهندس، الا أنها لم تقوى على ذاك الانتقام، حيث أغرم كل منهما بالاخر. و لكن طيف (هنادي) كان يقف حائلا بينهما. فصارحته (آمنة) بكل شىء، ولكن رغم هذا لم تتغير مشاعر أي منهما تجاه الاخر، و عجزا عن الفراق.*

- الشخصيات:الرئيسية: الأم (زهرة) - آمنة - هنادي – المهندس.ا
- الثانوية: المأمور- زوجته - ابنته (خديجة) – العمدة - النسوة في دار العمدة ( زنوبة – خضرة – نفيسة ) – الخال- سكينة - البستاني.*
- الكروان: الكروان بمثابة بطل غير منظور من أبطال الرواية، حيث يتكرر دعاؤه و تتكرر مناجاة (آمنة) له.*
- شخصية الأم:هي شخصية نمطية لأم من أهل البادية، تعيش حياة متواضعة مع زوجها وابنتيها. يسهل فهم ضعفها و قلة حيلتها *خلال حديث امنة عنها:"و انها لفي ما هي فيه من اشفاق وغيرة وفزع، إذ جاءها النبأ بأن زوجها قد صرع...فإذا الرجل قد ذهب ضحية شهوة من شهواته الاثمة...و إنما هو العار كل العار قد ألم بهذه المرأة البائسة".و يتوالى ظهور ضعفها مع تطور الأحداث، فبعد هذا العار تترك القرية مع ابنتيها و تذهب الى المدينة و يعملن كخادمات. ثم بعد تعرض هنادي للخداع من قبل المهندس تترك المدينة بغير هدف محدد و تستعين بأخيها، الذي ظنت أنه سيساعدها، الا أنه يقتل ابنتها و تظل هي فيما هي فيه من ضعف الحيلة لا تتحرك ولا تفعل شيئا.*
- شخصية آمنة: هي شخصية واضحة يسهل فهمها من خلال حديثها عن نفسها حيث تقول: "كنت صبية بائسة يائسة قد شوه البؤس و اليأس شكلها" ، كما تقول: "و كنت أتكلم لغة فجة خشنة غليظة هي لغة أهل الريف" ، وأيضا: "و إذا أنا أختلف مع الصبية الى الكتاب فأتعلم كما تتعلم". فهي ليست تلك الشخصية الثابتة وانما هي شخصية تتطور و تتغير مع توالي الأحداث، حيث كانت في البداية فتاة ريفية ساذجة ، و لكنها شغفت بالعلم و حرصت عليه و نالت منه ما تريد. كما أنها عرفت حياة الترف و الرخاء بعد كل ما لقيته من البؤس و الشقاء، فأصبحت سيدة منزل ولديها العديد من الخدم ،بعد أن كانت هي التي تخدم الآخرين.كما أننا لا نستطيع تجاهل الجانب العاطفي ، فبعد أن كانت تود الانتقام من المهندس و تراه آثما شغفت به و أحبته ولم تحتمل فراقه.وهي لا تعد شخصية نمطية فهي في الواقع حالة فردية. فليست كل فتاة ريفية تذهب الى المدينة تستطيع مواكبة نمط الحياة هناك و تستطيع أن تثقف نفسها رغم عملها كخادمة و تستطيع أن تصل الى ما وصلت اليه آمنة.أما فيما يتعلق بعلاقتها مع الآخرين فقد كانت تحنو على أمها و أختها و تحبهن و تشفق عليهن. و لم يتعرف عليها أحد الا و أحبها ابتداءا من خديجة، التي كانت آمنة تعمل لديها ثم أصبحتا صديقتين و انتهاءا بالمهندس ، الذي أحبها و تغير من أجلها.*

- شخصية هنادي:هي شخصية نمطية لفتاة ريفية ساذجة ، تأتي الى المدينة فتنبهر بما ترى، ولكنها لا تغير من نفسها لتساير تلك الحياة الجديدة، حيث تقول عنها آمنة: "و لكنها ظلت كما أقبلت..ريفية بدوية لا تقرأ و لا تكتب* كما كنت أقرأ و أكتب، ولا تحسن من أمور الترف شيئا". الا أنها تتعرض للخداع من قبل فتى المدينة -المهندس- الذي استغل برائتها و سذاجتها و أدى الى موتها على يد خالها.

- شخصية المهندس:*تتضح تلك الشخصية من خلال حديث آمنة عنها، حيث تقول عنه في البداية: "ذلك الشاب الرشيق الأنيق ذو الوجه الوسيم" ، ثم تقول بعد حادثة هنادي: "إنما هو صائد يحتبل الفتيات احتبالا و يختلبهن اختلابا....إذن فقد خان هنادي ولم يحفظ لها عهدا....و هو يضيف اثم الخيانة الى اثم الغواية". إذن فهو ذلك الشاب العازب الذي يتقرب الى الفتيات، يسحرهن بحديثه، يقوم بغوايتهن حتى ينال مبتغاه. ولكن هذه الشخصية لم تظل كذلك ، فقد تغير تغييرا جذريا بعد أن عرف آمنة وأحبها. فبعد أن كان يراها صيدا ثمينا يود افتراسه،أصبح يحترمها و يقدر تلك اللحظات القليلة التي يتحدث فيها معها، وحتى بعد معرفته حقيقة الأمر لم يقو على فراقها.و تعتبر شخصية المهندس حالة فردية ، فليس كل شاب يعيش في المدينة يتربص بالفتيات و يعمد الى إيذائهن.*

- *الراوى:تتم رواية الأحداث هنا على لسان المتكلم. فتتولى (آمنة) مهمة سرد الوقائع و التعليق عليها. وقد انتقد البعض الكاتب لاختياره فتاة ريفية لم تنل قسطا كافيا من التعليم-امنة- لكي تقوم بدور الراوي.و البعض الاخر رأى أن الكاتب قد جعل هذا منطقيا، حينما تحدث عن ملازمة (آمنة) لـ (خديجة) و مشاركتها لها في القراءة و الدرس. و في رأيي أن ما يجعل الأمر منطقيا أكثر هو أن (آمنة) تحكي القصة بعد مرور أكثر من عشرين عاما على حدوثها. فهي تحكي بشخصية جديدة و اسم جديد، فقد أصبح اسمها(سعاد) و أصبحت تعيش في رغد من العيش، يؤهلها للحصول على القسط الذي تريد من العلم و الثقافة. و هذا الأسلوب في الحكي هو ما يعرف بالاسترجاع أو (الفلاش باك)، أي أن تبدأ البطلة القصة من النقطة التي انتهى اليها مصيرها.*

- المكان:يعكس المكان في بداية الرواية المستوى الاجتماعي الذي انتهت اليه حياة آمنة. فالكاتب يصف بيتها وصفا تفصيليا يجعلنا ندرك مدى الرخاء الذي وصلت اليه، ويتضح ذلك في قولها: "و أنا أمد عيني الى المرآة أمامي و أثبتها في أديمها الصافي الصقيل"، ثم تقول: "و أقف عند ما يملأ هذه الغرفة من أدوات الترف و النعمة فأطيل النظر اليه". ثم يوضح الكاتب من خلال وصفه للمكان التباين بين حياة الريف و حياة المدينة ، كما يوضح المستوى الاجتماعي الجديد الذي انتقلت اليه أسرة آمنة. فبعد أن أن وصف القرية الصغيرة التي عاشت فيها آمنة مع أسرتها، انتقل بنا الى وصف المدينة: "حتى ينتهين الى هذه المدينة الواسعة ذات الأطراف البعيدة و السكان الكثيرين، و التي تشقها الطريق الحديدية نصفين..."، ثم يوظف الكاتب المكان بعد ذلك لتصوير الحياة الشاقة التي عاشتها تلك الأسرة في المدينة ، فبالرغم من اتساع المدينة و جمالها ، الا أن آمنة كانت تعيش مع أسرتها في حجرة ضيقة قذرة، كما وصفتها، و كانت تضيق بهذه الحجرة و تكرهها. ثم يصور بعد ذلك دار الضيافة في بيت العمدة و اتساعها و حجراتها الكبيرة وكثرة من يسكنون بها ، كي ينقل لنا مدى اغتراب تلك الأسرة داخل ذلك المكان الكبير الذي لا يعرفون به أحد.**

- الفترة الزمنية التي تغطيها أحداث الرواية:تبدأ الرواية من اللحظة التي انتهى اليها مصير البطلة ، فيما يعرف باسم الفلاش باك. وتتحدث البطلة عن فترة شبابها منذ انتقالها من الريف الى المدينة، وما واجهته مع أسرتها وصولا الى حياتها المترفة. ولم يكن طه حسين يقفز بالأحداث أو يختصر بأي شكل من الأشكال ، فلم يقل مثلا: و بعد مرور عدة شهور أو حتى عدة أيام . الا أنه لم يكن أيضا يعطي الحدث أكثر من الوقت الذي استغرقه، فقد كان هناك توازن الى حد ما بين فترة استمرار الحدث و الفترة التي استغرقها الكاتب في الحديث عنه.**

- الأسلوب:اعتمد د/ طه حسين على الوصف التفصيلي الدقيق للشخصيات و الأماكن و الأحداث، حتى أن القاريء يكاد يشعر أنه يرى كل ذلك و يعايشه. فهو يصف دار الضيافة في بيت العمدة، و لحظة اقبال النسوة على الطعام و طريقتهن في الأكل. كما أسهب في وصف شخصيات مثل (زنوبة) و (خضرة) و (نفيسة) و غيرهن. ويلاحظ القاريء أيضا قلة الحوار، و أحيانا يفضل الكاتب العدول عن الحوار تماما و الاكتفاء بسرد مضمونه مثل حديث (آمنة) مع أختها: "فأنبأتها بمقدم خالنا، و بأننا مرتحلات في أكبر الظن، إذا أسفر الصبح، و جعلت أزين لها الرحيل". وأحيانا أخري يمنح طه حسين القاريء استراحة من توالي الأحداث فيقف معلقا عليها مثل قوله : "و أي قلب لا يخاف على فتاة غرة لم تتجاوز الصبا تسعى وحدها في الطريق العامة إلى غير غاية.....لك الله أيتها الفتاة الناشئة! إلى أين تذهبين؟". أما الأسلوب اللغوي فلا يخلو من وضوح و جلال وفخامة هذا الى جانب الحرص على سلامة التركيب ، فرغم استخدامه لهذه اللغة الرصينة، الا أن القارىء لا يكاد يشعر بأي صعوبة في فهم الكلمات . كما يتميز الأسلوب أيضا بخصائص الاستحضار والتأكيد وكلاهما ينبع من حرصه على التأثير في القارئ واقناعه بما يقول.

- تحليل المضمون:تقوم الرواية على ثلاثية (الخطيئة والثأر والحب) ، ومن ثم فهي رواية عاطفية ، مع ذلك تمثل الرواية *صورة من كفاح الطبقة الفقيرة الكادحة في محاولة للتغلب على تعاستها. حيث وظف الكاتب الشخصيات القادمة من الريف الى المدينة لينقل تصور هؤلاء عن المدينة و كيفية الحياة بها وما وجدوه من واقع تلك الحياة. ومن المنطلق العاطفي نرى أن العاطفة هي لب هذه الرواية ، بداية من الفزع و التمرد على مصرع هنادي، ثم الكراهية و الاصرار على الثأر من المهندس ، وصولا الى الحب الذي يصبح قدرا لا مفر منه. و من المنطلق الأخلاقي نجد الكاتب يشجب المأساة و يدينها ، لأنها جريمة فقط لا غير ، لأنها قبل كل شيء عدوان أثيم على روح آدمية و اراقة لدم بريء.