عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 01:22 PM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الاستاذ ياسر المحترم
وفي جوابك على سؤال : هل الانحلال الاسري وارتفاع اعداد الايتام والايتام الاجتماعيين والناتج عن الطلاق والام العزباء ثم وما الى ذلك من امور هو سر العبقرية والتقدم في المجتمعات العربية؟


تقول "الانحلال الأسري ، ليس أكثر من التشبع بالفكر الأناني الرأسمالي ، فالرأسمالية بوسائل الدعاية هي من انتهجت أسلوب التفتيت ، والتفريق ، فتجزيء الدول إلى دويلات كمفهوم للمجتمع الكبير ، و تهييج الطائفية و الجماعات الصغرى ، و تفتيت الأسرة ككيان مقاوم ، لأنه كلما كان الفرد وحيدا أحس بوحشة كبرى ، و سهل برمجته و احتواؤه ، لأنه أصلا يحب الحياة الجماعية ، لكن الدعاية تحاول على الدوام أن تحسسه أنه الأقوى في اختياراته الفردية ، لكي تستغل حنينه إلى الجماعة ، وتعويض تلك الحاجات بأشياء أخرى استهلاكية بالأساس ، فيصبح التلفاز صديقه أو الأنترنيت أو رمز من رمز الدعاية ، وهذا ما يسمى بالإستلاب ، أي الانخراط في عالم لا يؤسس فيه الإنسان الهدف ، فالأسرة تعاني من تلك الأنانيات المختلفة وتتفتت و يضمحل عقدها الأسري .
اليتم للشخص ربما كان محفزا على الفعل و ربما كان مدمرا ، الأمر يتعلق بالظروف التي صاحبت اليتيم أثناء التنشئة ، عندما نرجع إلى أوربا بعد الحرب العالمية الثانية التي راح فيها العدد الأكبر من الرجال و النساء و فيها عدد لا متناهي من الأيتام ، فلا أعتقد أن أوربا استطاعت أن ترجع إلى رتبتها العالمية التي انسحبت منها بفعل الحرب ، فالامبراطورية الانجليزية لا تزال تتقلص إلى اليوم ، وكذا الامبراطورية الفرنسية ، أضف إليها حتى الألمانية . فأوربا مجتمعة لم تستطع على مدى الستين سنة أن تنافس أمريكا .
فاليتم ربما له علاقة قوية بالعبقرية الفردية ، واستنهاض قدرات خاصة عند الفرد يستطيع من خلالها رؤية الحياة بشكل آخر ، وبنظرة مغايرة للآخر . لكن التقدم بمعنى أخذ المقدمة بين الشعوب ، لا يمكن اكتسابه من غير مشروع مجدد ، فيه ابتكار . و استغلال فترة فتور حضارة معينة لأخذ مكانها .
الأم العزباء نتاج علاقة حميمية ليست مبنية على الالتزام الأسري ، فالفرد وصل إلى درجة لا يستحلي فيها أن يشترك مع الآخر في حياته ، و عندما يقع الحمل تتعرض المرأة لتغيرات هرمونية تؤثر بنسبة ما على توازنها النفسي ، وهناك تطفح غريزة الأمومة فتحافظ على طفلها ، فالأمر هنا ليس اختيار في الغالب ، بل واقع تحاول النساء التعايش معه .
==
- بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الانحلال الأسري في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، علما بأننا نجد من يَعزي التفكك الأسري في الولايات المتحدة إلى انعكاسات الحرب الفيتنامية حيث فقدت الولايات المتحدة أعداد هائلة من الجنود الذين سقطوا قلتي وجرحى وخلفوا ورائهم أعداد هائلة من الأيتام ، ومن عاد سليما جسديا من الجنود أصيب بصدمة فيتنام وعانى من أثار ما بعد الصدمة والذين يطلق عليهم اسم Vietnam veterans ولا شك أن هذه الحرب وفشلها كان لها نتائج هائلة مدمرة على الأسرة الأمريكية.

أيضا وكنتيجة لتلك الحرب ونتائجها المدمرة برزت حركة شبابية مناهضة للحرب انطلقت كبداية لرفض الحرب، ولكنها توسعت فيما بعد ونتج عنها ما يسمى بالثورة الجنسية والتي حدثت في ستينيات القرن الماضي.

وقد أسقطت هذه الثورة كل العادات والتقاليد التي كانت تحكم المجتمع المفكك أصلا كنتيجة لطبيعة وسائل الإنتاج وتعظيم الفردية والظلم الاجتماعي.
وأدت هذه الثورة الجنسية إلى التفكك الأسري بشكل مباشر فلم يعد الزواج أمرا مهما أو واجبا بكل ما في الكلمة من معنى ونتج عن ذلك الكثير من المشاكل الاجتماعية واختلاط الأنساب وارتفاع هائل في الأبناء من دون أب سواء كنتيجة لارتفاع نسبة الإطلاق عند القلة الذين ظلوا يؤمنون بالزواج كرابط اجتماعي أو لعدم وجود الأب أصلا حيث زاد عدد الأبناء غير الشرعيين أو الذين كانت بعض النساء وما تزال تختار أن تنجبهم بعيدا عن وجود الأب وهي الظاهرة التي أطلق عليها اسم الأم العزباء ، فقد زادت أعداد الأطفال الأيتام الفعليين أو الاجتماعيين بشكل هائل.

ولا شك أن وجود هذه الأعداد الهائلة من الأيتام الفعليين والأيتام الاجتماعيين وذلك التفكك الأسري ونحن الآن نفترض أن هناك علاقة متينة بين اليتم والعبقرية بغض النظر عن الكيفية التي يحدث فيها التأثير وبدليل الدراسات الإحصائية التي قدمناها هنا في منابر ، وفي ظل وجود وفرة اقتصادية هائلة ونظم رعاية اجتماعية وتربوية وتعلميه ورعاية نفسية ..الخ...وهي حتما الأفضل في المجتمعات الغربية وتخضع لمقاييس ورقابة عالية كل ذلك وفر الفرصة لهذه العقول بأن تقود وتساهم وتشارك في حركة إبداعية مهولة غير مسبوقة في التاريخ البشري ونتج عنها هذا التقدم الهائل في المجتمعات الغربية بشكل عام والمجتمع الأمريكي بشكل خاص كونه كان المجتمع الذي عصفت فيه حرب فيتنام وتأثر أكثر من غيره بالآثار الجانبية الأخرى التي نتجت عن هذه الحرب وعلى شاكلة الثورة الجنسية.

ولو أننا دققنا في حياة قادة الإبداع والاختراع والتقدم العلمي لوجدناهم من أبناء هذه الشريحة من الأيتام أو من أبناء الثورة الجنسية التي خلفت أعدادا هائلة من الأبناء تربوا في الملا جيء أو لدى عائلات بديلة وفرت لهم الرعاية والكفالة فأنتجت عقولهم ابد عات اقرب إلى الخيال العلمي.

والمعروف أن شخص واحد من أبناء هذه الشريحة والذي تخلى عنه والديه وكان ثمرة لعلاقة محرمة في زمن الثورة الجنسية، لكن عائلة بديلة تبنته ورعته.. ساهم لوحده في توليد إبداعات أثرت في كافة مناحي الحياة وجعلت أمريكيا رائدة في عالم الاختراع وخاصة في عالم التكنولوجيا بل جعلتها تتفوق على كل الدول بما أبدعه عقل هذا الفرد.. وهذا الشخص العبقري الفذ اسمه ستيفن جوبز.

ولا شك أن أمثاله كثير في الولايات المتحدة تحديدا منهم من صار رائد للفضاء ومنهم من صار عالما في الجينات وآخر في الكيمياء وثالث في الفيزياء وآخر في الطب وآخر في الاقتصاد، ولذلك نجد أن معظم الفائزين بجوائز نوبل في المجالات المختلفة من أبناء الولايات المتحدة ولو دققنا لوجدنا أن اغلبهم من الأيتام أو من الأيتام الاجتماعيين وأنهم عانوا من ظاهرة التفكك الأسري فأبدعوا وتفوقوا وأدى مجموع ما أبدعوه إلى تقدم الغرب بينما ظل الشرق المحافظ والفقير والذي غيب الرعاية الاجتماعية للأيتام ولم يستثمر في عقولهم ظل متخلفا.

ولا يمكننا أن ننسى أن ظهور وبروز هؤلاء العلماء العظماء الذين تحشد الولايات المتحدة الآن منهم 40000 للعمل فيما يعرف بتكنولوجيا النانو ضمن برنامج واحد فقط تزامن هذا الظهور مع ارتفاع نسبة الجريمة والقتل وذلك متوقع في ظل غياب الرعاية أو الفشل في علاج الآثار النفسية المدمرة للانحلال الأسري عند الكثير من الأفراد من أبناء هذه الشريحة.

وخلاصة القول ، صحيح ان الانحلال الاسري وارتفاع اعداد الايتام والايتام الاجتماعيين والناتج عن الطلاق والام العزباء في المجتمعات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة يؤدي حتما الى اثار اجتماعية ونفسية سلبية عديدة ومدمرة احيانا مثل ارتفاع نسبة الجريمة وهي امور غير مقبولة اخلاقيا ودينيا ، لكنها ايضا توفر الارضية الخصبة لبروز افراد عباقرة افذاذ تولد عقولهم افكارا ابداعية مهولة وغير مسبوقة وذلك من خلال نجاح المجتمع في تسخير ما يمتلكونه من طاقات دماغية وقدرات مهولة تسبب بها ذلك الانحلال الاسري واليتم بشقية الفعلي والاجتماعي وكما سبق شرحه، ومن خلال ما يوفره المجتمع من برامج رعاية وتأهيل وتدريب فتثمر هذه الرعاية لهذه العقول مخرجات ابداعية وعبقرية هائلة، وذلك حتما سببا اساسيا ورئيسيا في التقدم الهائل في المجتمعات الغربية والتي اذا ما نجحت في تطوير ما يعرف بتكنولوجيا النانو ربما تنتقل الى كواكب اخرى ليظل ابناء الشرق يعتاشون على فتات ما تخلفه هذه الشعوب على الارض ان لم يتعرضوا للانقراض اصلا.