عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
15

المشاهدات
7304
 
مصطفى الطاهري
من آل منابر ثقافية

مصطفى الطاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
117

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Dec 2014

الاقامة

رقم العضوية
13405
01-18-2015, 04:10 PM
المشاركة 1
01-18-2015, 04:10 PM
المشاركة 1
افتراضي ذات الوجه الطويل
ذات الوجه الطويل

خميساتك معلقة بالصدر
بخيط رفيع من الصوف...
وخمسة الوان تطفو على السطح
في إناء شفاف
تتباري...

وأنت من البيت إلى مقهى الشمس، ومن الشمس إلى البيت، وإن شئت فلتتسكع في وجه
مولاتك الطويل، عيون كثيرة ستنظر إليك، ستحصي خطواتك، تعرف من أنت ، من أين أتيت،
متى تنام ومتى تصحو، لونك المفضل، فاكهتك، المشتهاة، كم عمرك ،عدد أسنانك
المتبقية، قميصك البني، حذاؤك الرمادي... و... أشياؤك الأخرى....
مولاتك نائمة بين جبلين، تغط في سباتها، ولا تستفيق إلا اذا نادى المنادي للسهر، ساعتها
تهز بجذعها، فتنط فسيفساء وجهها طربا ويرتعش نصبها.
وحده وجهها الطويل لا ينام، نصبه ممدود إلى السماء دون حياء، أخته التوأم على الجانب
الأيمن غير بعيد، وأنت في طريقك إلى سرتها الملونة، تفتح حضنها للريح، لتملأ صدرك بالريح
إن شئت ولتذهب إليها، ستجد حولها وجوها ممدة، تطحن كلام الأمس، وتنتظر رمش
العين، دربها سبعا تر عجبا...
كل المساحيق لوجهها الطويل، كل الأصباغ وكل الألوان...
- تجمل، قيل له، مد شكلك الممشوق، تضمخ بالعطر والشذى، ارفل في أبهى
الحلل، واحك للعابرين عن الجمال والبهاء، عن محاسن مولاتك الثلاثة : النصب الممدود
إلى السماء دون حياء، مخابئ اليمام الذي لم يأت بعد، والقرود التي تتناسل
في الأقفاص، فاحك، احك عن العبقرية والعيون التي لا تنام...
وأنت يا صاحبي ، يا من لا يسكت عن الكلام غير المباح، احذر إن سرحت عن وجهها
الطويل، وتهت هنا وهناك، أن تمد عينك في أي مكان، فالفخاخ منصوبة
حتى في الهواء، وإن ابتعدت قليلا وكان الليل وأعمدة الأضواء انطفأت مصابيحها، ورأيت
شمعة تحترق في العراء فتلك هي، تأكل ذاتها وتستحم في الرماد، ووجهها
في صالة العرض يبدو من خلف نعشها الزجاجي مهيأ للكرنفال...
في تلك الليلة بالذات، خرجت من قوقعتك، نفخت برودتك في الهواء ، ورميت بترددك
في إناء من طين وقلت :
- لا بد من رسم مخطط للحركة.
وقبل أن يسيل الحبر من ظفرك، وترسم العلامة الأولى، سقط منك سهوا
قلمك، ورغما عنك سقط فكرك، فجلست عند موضع قدميها تحت شجرة زيتون، تحفر
قبرا لسمكة ميتة، لم تكن ميتة، كانت نائمة تحلم بجدول بين شجرتين وطريق الى البحر...
ديكور متنقل :
ثم إن رجالا شدادا غلاظا، قرروا تشريف مولاتك بزيارتها في عقر دارها، وكما تعرف
يا صاحبي، فسيذكرون أعمالها الجليلة، وما أسدته للبلد أيام المحنة الكبرى، سيترحمون
على أبنائها الشهداء، ثم يأكلون ويشربون ويقهقهون...
فأقام الأصفر الدنيا، استدعى الحلاقين والحلاقات، وكل من لديه رأي في الديكور
والتزيين، لمعوا أسنانها، قوموا اعوجاج شفتها السفلى، نظفوا أظفارها، رطبوا شعرها...
ولما انتهوا ونظر إليها الأصفر، اطمأن قلبه وعاد لوجهه بعض الاحمرار.
قال لك مقدم الحي ليلتها : ستكون غدا باكرا، عند باب وجه مولاتك
في الاستقبال، أنت وأهلك الكبار والصغار.
انتصبتم على طول الطريق المؤدي إلى وجهها، كان الوقت يمر، والشمس تتحرك
نحو قبة السماء، كان ابنك الرضيع يلهث كجرو، ابنتك تبكي وزوجتك المريضة
بالربو توشك أن تختنق، تراجعت إلى الوراء، زوجتك تستند عليك، ابنك
بين يديك، ابنتك تتمسك بثيابك...
نظرت حولك، فتراءت لك شجرة زيتون.
قلت : نستظل الى أن يصلوا أو يؤذن لنا بالانصراف.
أسرعت الخطى نحو الشجرة، فأتاك صوت من داخلها :
احذر، لا تقترب أكثر!
تسمرت في مكانك ثم قلت : لو تسمحين أيتها الشجرة.
قاطعتك : لا لا تقترب أكثر أرجوك، قد اسقط اللحظة.
فغرت فاك عجبا فأضافت :- اعذرني، ما أنا هنا لما ترغب فيه، أنا هنا
مثلك واقفة للتزيين فقط.
- قلت متسائلا : كيف؟ كيف أيتها المباركة ؟
قالت : انتزعونا البارحة أنا وأخوات أخريات، وقد أتوا بي أنا الى هنا : حفروا حفرة
كالقبر، أدخلوا جذعي ثم شدوني بالحبال والأوتاد الى أن جفت الأرض من حولي
فأزالوا حبالهم وأوتادهم.
قلت : لن تكون هذه إلا فكرة الأصفر.
وأطل عليك من عين مولاتك اليمنى بوجه أنثوي مصفر الشفتين بحوصلة طائر البجع.
خاطبك : أنت طويل اللسان، كم تريد؟
قلت مقهقها : في لساني؟!
صاح : في لسانك، في عمرك، في عائلتك، كم تريد؟
قلت : قبل ذلك أسألك!
لم يتكلم فقلت: أتعرف أن أبناءها حضروا البارحة حين كنت تحت برج إيفل تدخن
سيجارك الثامن؟
لم يرد، فأضفت : وأنهم ضبطوا في جيبها ظفرك؟
أحنى رأسه وتابعت : وأنك دون جيبها لا شيء؟
وسقط القناع، فرأيت شكلا من شمع أصفر ينساب تحت ذقن مولاتك: عند القنطرة
الواصلة بين الجيب واليد، تشكل أفعى بقرنين والوقت صار ظهيرة، وفي البدء
كان كذلك، يوم السباق للجلوس على أرائكها الوثيرة...
في ذلك اليوم :
في ذلك اليوم، قيل لا بد أن يكون، وحدد تاريخ ميلاده قبل أن يولد فأزاحوا أنفها
الشامخ، وبنوا لهم برجا للمراقبة، ثم تساءلوا : هل يكون الأول؟
قال قائل من أهله : لن يكون إلا الأصفر.
مازلت تذكر، خرجتم الواحد تلو الآخر، في كل جيب نصف ورقة، النصف الآخر
مقابل الأخرى، وفي كل يد حلوى، وكان في الانتظار ممددا تحت خصلة من شعر
مولاتك، يحادث في السياسة والتاريخ والاقتصاد ومستقبل الشعوب، أوصاكم خيرا
بلونه، ووعدكم بتلطيف الهواء من الغلاء، وعلف كثير لبهائمكم.
سؤال غير متوقع :
أذكر يا صاحبي ثلاثة أسماء وشمت صدر مولاتك بالطين ...
ملاحظة :
إن عرفت واحدا فقط، فقد مررت بوجهها مرور العابرين.
إن عرفت اثنين فقد لامست أضلاعها البارزة.
وإن توصلت إلى معرفة الثلاثة فقد رأيتها في عريها التام.
وإن لم تتوصل الى شيء، فالجواب في خيوط تلك الرقعة التي تنسجها
بأهذاب عينيها الذابلتين..