عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2010, 03:04 PM
المشاركة 106
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (11)



عذراً يا بني وطني




أصوغُ شعري على اسم الله والوطنِ
حتى يُشَقَّ على دربِ الهدى كفني


أصوغُ شعري فلا الصُّلبانُ تسمعه
ولا الأهلَّةُ في دوَّامةِ المدنِ


حتى برمتُ به وزناً وقافيةً
وفكرةً في بحار الصمتِ تغرقني


* * *

تميَّزَ الشعر غيظاً إذ برمتُ به
وعقَّني معرضاً عني فأغضبني


وأدبر الحرف مذعوراً أطارِدُه
حتى وقعتُ على فكرٍ يشوهني


فما حملتُ يراعي في مساومةٍ
إلا وشقَّ عصا الإذعانِ يرفضني


* * *

أستغفرُ الشعر كم أسرجتُ صهوتَهُ
وكم ترجَّلتُ فاسترخى يُهدهدني


وكم تثاءبَ في أوكارِ ذاكرتي
وكم غفا تحت ملحاحٍ من الوسنِ


فعدتُ أبحثُ عن أشتات قافيةٍ
كادتْ لشدَّة ما أسرفتُ تهجرني


حتى ملكتُ سنا الإبداع فانتظمتْ
حباتُ عقدي وعادَ الشعر يملكني


يا سارياً بدمي أرَّقتْ أوردتي
لما غفوتَ على الأوجاع و الدَّرنِ


إني رجعتُ إلى هَدْيِ الأُلى فهوتْ
هياكلٌ بدَّدتْ ما كان يقلقني


أغريتُ سرب عذارى الشعر فانطلقتْ
على لساني القوافي البكرُ تطلقني


أفق عدمتكَ إن لم تنطلق حمماً
تجري على موجها رغم اللظى سُفُني


إني سئمت قوافي الشعر باردةً
فَلْتحترقْ في جحيم القول يا وثني


وقد صبأتُ فلا الحسناء تشغلني
ولا المدائح والأذكارُ عن سَنَني*


* * *

أفقْ تقحَّمْ جدار الصمت مُدَّرعاً
بالمعجزين كتابِ الله والسُّنن


وانشر جناحين من علمٍ ومعتقدٍ
تلقَ الحروفَ بنور الحق تكتبني


لَكَمْ شحذتُ يراعي وانطلقتُ به
أغزو المفاتنَ حتى كاد يفتنني


أيام كنتُ الحب أسيرَ الحبِّ يملكني
شوقٌ لعينيْ حبيبٍ كانَ يشغلني


فرحتُ أُلجِمُ أفكاري أروِّضها
حتى تهادتْ على الإيمان تحملني


ما جئتُ بِدعاً ولكن صاغني قدرٌ
بأحرفٍ من سنا الإلهام تبدعني


ويشهدُ الله ما رتَّلتُ قافيةً
إلا استعنتُ بوحيٍ منه يلهمني


فبوركتْ ومضَةُ الإشراق من قلمي
تطوي صحائفَ من عمري فتنشرني


* * *

غنَّيتُ للصبر ما غنَّيتُ فانتحرتْ
كلُّ الأماني على مزماره الخَشِن


حتى تفجَّرتُ كالبركان تقذفني
ثوابتٌ حركتْ ما كان يُمسكني


ما أقبحَ الشعرَ إن لم يَغْدُ صاعقةً
على الرؤوس وما أحلاهُ يصعقني


* * *

تجاهلتني أفاعي السُّمِ في وطنٍ
لا عُذرَ فيه لمن في السَّاِح يجهلني


أَغروا صنائعهمْ بي فانتهوا بَدداً
لما رتقتُ عشاء الطَّبلِ في أذني

ورحتُ أُشعلُ بالإيمان محرقتي
فاسَّاقطوا وتهاوت غلطةُ الزَّمنِ


أّفقْ تنكَّبْ سلاحَ الحرف مُنصلتاً
على الرقاب بعزم الواهبِ الفطنِ


أشعلْ جراحي بهمِّ النور مبتكراً
واعتقْ لسانيَ تلقَ الصمت يعتقني


لا تلجُمنِّي بما ترضاه لي هدفاً
لا كنتُ .. لا كنتُ إن حاولتَ تلجمني


لم أحترقْ بشهيقِ النار ما احتدمتْ
لكن أحسُّ زفيرَ الصمت يحرقني


* * *

هذي الملايينُ صرعى الزيفِ يبصقها
عصرُ الحضارة في ماخورهِ النتنِ


أضحوا على العتباتِ السودِ يجذبهم
نهرُ الظلامِ إلى بوابةِ العفنِ


* * *

فانظرْ بعينِ الرِّضا والسُّخط حين ترى
إرادةَ القوم بين العزم والوهنِ


ناموا مع الفجر لا نامتْ عيونُهُمُ
وأسرجوا الخوفَ والإذعانَ في المحنِ


صاموا عن الحقِّ والإيمانِ حين أتى
شهرُ الصيام وجاؤوا الفطرَ بالفتنِ


هذي منابرهم في كلِّ مُنعطفٍ
تروي حكاية مسلوبٍ ومرتهنِ


دبَّ الخنوع بهم حتى لتحسبهم
أشباحَ قومٍ .. دبيبَ السُّكرِ في البدنِ


باعوا دماء الضحايا فاستهان بهم
من راح يذبح كبش السِّلمِ في الدِّمنِ

* * *


ماذا أقول وقد جفَّ المدادُ ولم
يَجْرِ القريض سَرِيَّاً غيرَ ذي أَسَنِ


فرحت أوقظُ من ناموا بثاقبةٍ
حمراءَ تنذزُ أهل الصمتِ في وطني


* * *

يا حاملينَ عصا التّرحال من وجعي
هاتوا اللهيب لعلَّ الكيَّ يُبرئني

شُقُّوا الغيوم رياح الغيث ساكنةٌ
لعلَّ صحوَ سماء الفكر يمطرني


* * *

هُزُّوا النخيلَ أرى العذراء ضارعةً
وطفلها ناحلاً من نُدرةِ اللبنِ


لم يطَّرحْ رُطَباً حتى تقرَّ بها
عينُ التي أحصنتْ فرجاً ولم تَخُن


هُزُّوا النخيلَ أرى الجدران باكيةً
وصخرةُ المسجد الأقصى تؤنبني


هُزُّوا النخيلَ أرى الزيتونَ قد صَبأتْ
أغصانُه بثمار الكفر تقذفني


يا ابن الوليد صراخي ضاعَ في نَهَرٍ
صوتُ الضفادع في شطَّيْهِ يزعجني


ما لامستْ كلماتي جرحَ منتفخٍ
هل في القبور طري الجرح يسمعني ؟


* * *

هُزُّوا النخيل أرى الآبار قد نضبتْ
بل صودرتْ وتفشَّى الزيت في الحَزَن


تلك الجذوعُ التي غصَّتْ بما حملتْ
يجوع في ظلِّها طفلٌ يمزقني


تثاقلتْ وارتمتْ إذ راحَ صاحبها
يقايضُ الزيتَ و الآمال بالمؤنِ


والجائعون حيارى في مواسمهمْ
لم يحصدوا القمحَ بل ناموا على ضَغَن


ونحن نوغلُ في أحشاء منتنةٍ
بحثاً عن العطر في سرٍّ وفي عَلَنِ


كأنَّنا سربُ طيرٍ دون أجنحةٍ
نهوى البقاء بلا أهلٍ ولا سكنِ


فاستغفروا ليَ إنْ حمَّلتُ قافيتي
ما لا تطيقُ من الآلامِ والشجنِ


إنِّي شربتُ دمائي في مقامرةٍ
وما ارتويتُ فعُذراً يا بني وطني




30-6-1997
* السَنَن ... الطريقة