عرض مشاركة واحدة
قديم 03-26-2012, 02:21 PM
المشاركة 1112
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليو تولستوى

لطيم...تجاربه الصادمة المبكرة جعلت عقله يعمل بطاقة بوزيترونية هائلة فحقق انجازات ندر مثيلها!

المتفحص لحياة الكاتب الروسي الأشهر ليو تولستوي ومن ثم صفاته، وسماته، وسلوكياته، وبعد ذلك كله انجازاته يجد انه مثال للشخص الذي يتعرض لأكثر من تجربة صادمة في الطفولة المبكرة، وهو الأمر الذي جعل دماغه يعمل بطاقة البوزيترون اللامحدودة وفي أعلى حالاتها على ما يبدو، والذي انعكس بوضوح على سلوكيات هذا العبقري الفذ وسماته وصفاته الشخصية ومن ثم انجازاته المتعددة والعبقرية حد الإبهار.

ولد ليو تولستوي عام 1828 في ضيعة صغيرة تمتلكها عائلته الارستقراطية، و توفيت أمه بعد ولادته بعامين، ثم ما لبث أن توفي والده أيضا، حيث أصبح لطيما (أي فاقد الأب وألام) ليقوم بعض الأقارب بتربية وإخوته علما بأنه يأتي في الترتيب الرابع من بين خمسة أطفال.

صحيح أن وضعه العائلي الارستقراطي الميسور قد وفر له الفرصة للدراسة إلى أن وصل إلى الجامعة, ولكننا نجد بأنه لم ينسجم مع النظام التعليمي العام، وقد وصفه أساتذته بأنه غير قادروغير راغب في الدراسة، كما هو حال الكثير من العباقرة العظماء.

وفي الجامعة ما لبث أن ضجر من الدراسة فترك الجامعة قبل أن يتخرج، وعاد إلى مسقط رأسه عام 1847 ليبدأ بتعليم نفسه بنفسه، فصار يقضي الساعات الطوال، ينهل من مصادر العلم والمعرفة.

وعن هذه الفترة من حياته، كتب تولستوي ثلاث روايات هي: الطفولة (Childhood)، والصبا (Boyhood)، والشباب(Youth).

ولا شك أن في ذلك مؤشر مبكر إلى مصادر الآمة وقلقه واضطرابه، كما انه مؤشر إلى تلك الطاقة الاستثنائية التي كانت تعتمل في ذهنه كنتيجة ليتمه المزدوج والمبكر.

ولا غرابة أن يكون موضوع رواياته الثلاث الأولى هي أحداث حياته الشخصية الحافلة فهي حتما روايات سجل فيها سيرته الذاتية وتوليدها كان ضرورة نفسية لحاجته للتفريغ مما كان يعتمل في داخله من اثر مآسية الصادمة.

وما كانت هذه الروايات الأولى أن يكون لها قيمة أدبية لولا أنها عكست مجريات حياته المبكرة الصادمة وشديدة الدرامية والاضطراب من ناحية، ومن ناحية أخرى تولدت عن ذهن تدفقت في ثناياه طاقة البوزيترون الهائلة كنتيجة لمأساوية، وكارثية ما جرى للكاتب وما وقع له من أحداث درامية صادمة أولا بفقده لأبويه ومن ثم عيشه لطيما لدى أقارب له.

ويجد المحلل بأن ليو تولستوي قد امتلك مجموعة من الصفات والسمات الاستثنائية المتميزة واتصف بسلوكيات فريدة من نوعها تصل إلى حد الغرابة والإدهاش. كما انه تمكن من توليد نصوص إبداعية تأتي في أعلى السلم من حيث القيمة والوزن الإبداعي والتأثير والشهرة والانتشار.

ويجد المدقق انه تمكن من توليد آثار أدبية عالمية في مستواها وإنسانية في ابعادها، وقد ترجمت إلى معظم لغات العالم، وانتشرت بشكل هائل، وأعيدت طباعتها مئات المرات.

ومن الطبيعي ان تكون هذه الأعمال الأدبية مثيرة للجدل، فتلقاها البعض بإعجاب والبعض رفضها بحجة أنها تحتوى على خلل فني يتمثل في إعطاء الأحداث الثانوية في رواية (أنا كرنينا مثلا)، وزن وأهمية، وعلى غير ما هو معتاد في الأعمال الروائية، وهو ما يشير إلى تفرده في الأسلوب، وأصالته في الشكل والمضمون.

كما يعزوا بعض النقاد روعة رواية (آنا كارنينا) والتي قضى في كتابتها أربعة سنوات كاملة، إلى براعة تولوستوي في التداخل مع الحدث في جريانه...فأحداث الرواية ساحةتتحرك في رحابها طبقة من النبلاء الروس الذين تخلوا عن نظام القنانة وانتقلوا منالإقطاع القديم إلى ارستقراطية جديدة.

وقد استطاع أن يغوص إلى عمق القلب الإنساني النابض بالعاطفةوالأحاسيس والمشاعر، ووان يصور ذلك في اعماله الابداعية باتقان وشفافية مذهلة.

ويرى البعض الآخر انه استطاع أن يفهم هذا القلب الإنساني بمقدرة غير عادية فكان اقرب إلى الطبيب النفسي الخبير والمتمكن. كما أنهتمكن من استحضار الحياة بدفقها إلى كل ما كان يصفه، ويسعى إلى رؤية الحقيقة العاريةالكامنة فيه وهو ما يشير إلى قدرة هائلة على الحبك وتوليد نصوص متفوقة في تركيبتها وأثرها الأدبي.

ولذلك يعتبره كثيرون من ابرز الشخصيات الأدبية في عصره، وأكثرهاتأثيراً في الأدب الروسي، والأدب العالمي على حد السواء. ونجده قد تربع على عرش الأدب الواقعي. وترجمت أعماله إلى عدة لغات، ليصبح واحد من أعظمالروائيين على الإطلاق. ولكنه تمكن من الكتابة الخيالية أيضا وأبدع فيها على التوازي مع الكتابة الواقعية.

كما نجده قد أبدع في كتابة بعض الأعمال المسرحية والمقالات وغيرها من الأنماط الأدبية.

فلم يكن توليستوي روائي فقط، وإنما كان مصلحا اجتماعيا، وداعية سلام، ومفكر أخلاقي. ونجده كفيلسوف أخلاقي قد اعتنق، بل طور مدرسة فكرية فلسفية متكاملة تبنت أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف، وتبلورت تلك الأفكار في كتابه ( مملكة الرب بداخلك )، وهو العمل الذي يقال بأنه أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتاما غاندي ومارتن لوثر كنجالذين تبنيا هذه الأفكار في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.

كما لم يقتصر إبداع ليو توليستوي على الإبداع الأدبي أو الفكري والفلسفي والأخلاقي بل نجده كان مهتما بالفن ودوره بشكل عام، وقد كتب لهذه الغاية كتاب اسماه " ما الفن؟ " أوضح فيه أن الفن ينبغيأن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًايخاطب عامة الناس.

كل ذلك يشير إلى أن ليو توليستوي كان متعدد المواهب وانه أبدع وبرع في عدة مجالات في نفس الوقت.

ومن الناحية الشخصية نجد أن ليو توليستوي قد عاش أنسانا مهموما، شغله هم تحديد الهدف من الحياة وارقه. ويمكن النظر إلى حياته على أنها عبارة عن رحلة للبحث عن الحقيقة وتحديد ذلك الهدف من الحياة.

كما انه كان يفكر في مسألة الموت وتساءل لماذا نموت؟ ولماذا نخاف من الموت؟ وكتب عن ذلك كتاب خلص فيه إلى أنه كلما زاد وعينا انفصلنا عنالطبيعة وعن المجموعة البشرية ونحن نتألم لهذا الوعي وهذا الانفصال عندالموت.

ونجد أيضا أن تولستوي عندما تخلى عن دراسته الجامعية قد سئم حياته في مرحلة الشباب فالتحق بالجيش وشارك في بعض المعارك. ونجده قد سافر على اثر تقاعده من الجيش إلى أوروبا الغربية، وهناك أعجب بطرق التدريس، ولما عاد إلى مسقط رأسه حاول تطبيق النظرياتالتربوية التقدمية التي عرفها في أوروبا الغربية، ومن اجل تحقيق تلك الغاية فتح مدرسة خاصة لأبناء المزارعين، وأنشأمجلة تربوية تدعى (ياسنايا بوليانا) شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بينالناس لكن تجربة التربوية الفريدة ما لبثت أن أجهضت بسبب ملاحقة البوليس السري له.

كما انه رأى بأن على الإنسان أن يعيش حياته بجدية ونظام صارم، وعليه أن يتمتع بقوة وأن يُصارع كل المثبطات، فإذا أخطأ بدأ من جديد، وكلّما خسر عاود الكفاح منجديد، موقِناً أن الخلود إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط. وكان يلوم نفسهبشده إذا أحسّ منها تهاوناً أو تراجعاً. ونجده قد شعر وهو في العشرينات من العمر بعذاب الضمير ورأى أن الحياة مع الندم محض عذاب، إلى حد انه ظن بأن قلته لنفسه أهون عليه من أن تمر عليه أيام قليلة دون أن يقوم بفعل شيء ينفع الناس وهو ما يشير إلى انه طور فلسفة حياتيه لا بد أنها ساعدته للتعامل مع ميوله الانتحارية التي قد تظهر عند البعض كنتيجة لوفرة الطاقة الذهنية وعدم الإحساس بالقيمة الذاتية من خلال تحقيق منجزات إبداعية.

ونجده انه كانا معارضا شرسا للتفكير الديني التقليدي. فقد عارض الكنيسة وقاوم سلطتها، وتبنى الدعوة لعدم الاستغلال والتسلط، ولذلك لم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت بسرعة كبيرة وأصبح له أتباع كثر، فكفرته الكنيسة وأبعدتهعنها وأعلنت حرمانه من رعايتها.

ونجد أن ثورية ليو توليستوي لم تتوقف عند حدود رفض العنف، ورفض سلطة الكنيسة، ولكنه وعلى المستوى الشخصي اتخذ قرارا ثوريا نادرا حينما ترك عائلته الثرية وعاش حياة المزارعين البسطاء.

ومن سماته الشخصية الأخرى نجده قد تزوج امرأة تصغره بستة عشر عاما، وأنجبا 13 طفلا. لكنه كان متعدد العلاقات النسائية، وكان له طفل غير شرعي أيضا. مما يؤشر إلى حالة من عدم الاستقرار العاطفي وهو احد مظاهر الشخصية العبقرية التي تتمتع بطاقة ذهنية هائلة.

وعلى الرغم من ذلك يبدو أن زواجه كان مهما لصحته النفسية، وكان ملاذا له لتحقيق التوازن الذي افتقده كنتيجة لما كان يعتمل في ذهنه، وكنتيجة لوفرة تلك الطاقة البوزيترونية الهائلة، وكأن الأعمال الإبداعية الفذة لم تكن كافية لتفريغ شحنات الطاقة المتدفقة في دماغه.


وخلاصة القول،،

لا شك أن ليو توليستوي امتلك مهارة أدبية فذة وكان قادرا على توليد أعمال إبداعية عبقرية.

وواضح انه كان صاحب بصر وبصيرة وكان له دراية بالنفوس وبما يجول في خاطر الإنسان وتمكن من استثمار ذلك لتوليد نصوص اقرب إلى الحياة.

وكان ثوريا مجربا رفض الظلم والاستغلال والعنف ودافع عن المظلومين وأصبح بمثابة المواطن العالمي كما لقبه البعض.

ولا شك أن تجاربه الحياتية كانت غنية ودرامية مزلزلة. فلا عجب إذا أن تتصف أعماله بالجدية والعمق والطرافة والجمال كما يصفها البعض.

ولا عجب أن يتصرف على شاكلة ما تصرف، فيتخلى عن حياة الترف ليصطف إلى جانب الفقراء والمساكين من أبناء طبقة المزارعين ويحي حياتهم في سني عمره المتأخرة.

كل ذلك لأنه امتلك طاقة ذهنية لا متناهية. تلك هي طاقة البوزيترون التي تولدت لديه كنتيجة لظروف طفولته الصادمة....فحقق انجازات اعجازية في مجالات متعددة... فكان مثلا لمن توصله مآسيه إلى أعلى هرم الإبداع والانجاز العبقري المؤثر.

يتبع،

- مزيد من المقالات عن ايتام عملت عقولهم بطاقة البوزيترون!!!!!!!!

ارحب بتعلقياتكم.