عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2011, 10:15 PM
المشاركة 463
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سلاّم الراسي

ولد سلاّم الراسيفي عام 1911 في بلدة “إبل السقي”. وهي واحدة من بلدات الجنوب الأقصى المحاذي للحدودمع شمال فلسطين سابقاً، وشمال “إسرائيل” حالياً. وهي بلدة أكثر سكانها منالمسيحيين. والقسم الباقي من الدروز. وهي محاذية لمدينتي الخيام في الجنوب الشرقيومرجعيون في الشمال الغربي، وتضم هذه المنطقة خليطاً كثيفاً من الديانات الإسلاميةوالمسيحية بمذاهبها المختلفة، وتعتبر المنطقة أقرب إلى سفح جبل الشيخ، وامتداداًجنوبياً للجليل الأعلى الفلسطيني. ولكثرة ما كان يربط بين سكان هذه المنطقة منعلاقة بعرب فلسطين فإن بعض لهجات اللبنانيين في هذه القرى والبلدات يكاد يكون أقربإلى اللهجة الفلسطينية الشعبية.
والد سلام هو المعلم يواكيم الراسي. وهو رجل علمودين. تعلم في مدرسة المرسلين الأمريكيين. ثم أنشاً مدرسة الفنون الأمريكية فيصيدا. وظل مديراً لتلك المدرسة منذ عام 1880 حتى عام 1896 ثم عاد إلى بلدته إبلالسقي وظل فيها حتى وفاته في عام 1917 .
وكان سلام في السادسة من عمره عندما توفيوالده. فربته والدته التي كانت ترغب في أن يصبح ابنها رجل دين.
تلقى سلام علومهالابتدائية في مدرسة البلدة. وأنهى المرحلة الثانوية من دراسته في مدرسة مرجعيونمركز القضاء. في عام 1927 انتقل سلام مع والدته إلى بيروت واستقر فيها حتى وفاته. انتسب في أوائل ثلاثينات القرن الماضي إلى الحزب الشيوعي. ويروي شفيق البقاعي ابنبلدة إبل السقي وصديق سلاّم الراسي قصة انتساب سلام للحزب الشيوعي. يقول البقاعي إنشخصاً اسمه بطرس زكا من بلدة إبل السقي كان معروفاً بثقافته وبمتابعته للأحداثالتاريخية. وكان من بين الأخبار التي عممها أخبار تتصل بالثورة الروسية. وتركت تلكالأخبار مفعولها في البلدة إلى الحد الذي جعل ابنته فيما بعد تصبح مناضلة شيوعيةبارزة في المنطقة. وكان سلاّم الراسي وصديقه عّساف الصباغ وعدد آخر من أصدقائهماممن أصبحوا قادة في الحزب الشيوعي على صعيد منطقة الجنوب وفي اللجنة المركزية فيأربعينات القرن الماضي، كانوا قد تأثروا بتلك الأخبار وبالأفكار التي تنتسب إليها. وذات يوم جاء إلى إبل السقي مثقف ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي حاملاًمعه أفكار هذا الحزب وأفكار مؤسسه أنطون سعادة. وكان في نيته العمل على فتح فرعللحزب في البلدة. وكان معروفاً منذ ذلك الحين أن العلاقة بين الحزب الشيوعي والحزبالقومي متوترة بحكم الأيديولوجيا والسياسة. وما أن شاع الخبر حتى ذهب سلاّم الراسيومعه عساف الصباغ إلى بيروت ليفتشوا عن الحزب الذي يحمل الأفكار التي كانوا قدسمعوا بها من بطرس زكا. فتلقفهم أحد أبناء مدينة مرجعيون وقادهم لمقابلة رئيس الحزبالإشتراكي الذي كان قيد التأسيس. وكاد سلام وصديقه عساف ينتسبان إلى هذا الحزب لولم يصادفا ذات يوم في مكتب هذا الحزب فرج الله الحلو، الذي كان قد أصبح قائداًشيوعياً معروفاً. إذ اصطحبهم فرج الله معه إلى مكان خارج مكتب الحزب الاشتراكيوأقنعهما بالانتساب إلى الحزب الشيوعي. وهكذا صارت للحزب الشيوعي في إبل السقي خليةأولى وكان سلاّم الراسي المسؤول الأول فيها. وزارهم فرج الله الحلو أكثر من مرة. كما زارهم في عام 1936 وفد من الحزب الشيوعي الفرنسي كان قد زار لبنان في ذلكالتاريخ. وهو تاريخ مشهود في فرنسا.
أجمع المثقفون اللبنانيون على منح سلاّم الراسي لقب “شيخ الأدب الشعبي”، وهو لقباستحقه بجدارة. إذ هو اقتحم ميداناً جديداً لم يسبقه إليه أحد من الكُتّاباللبنانيين الذين يهتمون بالبحث في التراث الشعبي اللبناني، في التقاليد والعاداتوفي الأمثال وفي الطرائف الشعبية. وكرس لهذا الميدان الجديد من البحث التاريخيعقوداً عدة من عمره الذي تجاوز التسعين من الأعوام.



وفرض عليههذا الاهتمام الأدبي والتاريخي أن يحدث تغييراً جذرياً في مسار حياته التي أعطاهافي شبابه نمطاً من الاهتمام غلبت عليه السياسة. وهو نمط من السياسة تطعم بانتماءأيديولوجي من نوع مغاير لما كان سائداً في محيطه الجغرافي، الواقع في أقصى الجنوباللبناني على بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع فلسطين. إذ انتمى وهو في ريعانشبابه في أواسط ثلاثينات القرن الماضي إلى أول خلية شيوعية في بلدته الجنوبية “إبلالسقي”.

دخل سلاّم الراسيفي بحثه الجديد هذا من أبوابه الواسعة. لم يقرأ في الكتب وحسب، وبحث عن هذه الكتبطويلاً، واقتناها وقرأ فيها الكثير، واستقى منها كل ما كان بحاجة إليه في بحثهالممتع. لكنه رأى أن الميدان الحقيقي لبحثه إنما يكمن في ما تمتلكه ذاكرة الناس منأبناء القرى، مشايخها وشيوخها، وفلاحوها من كبار السن خصوصاً، رجالاً ونساء، وكذلكمن الأدباء، أدباء الفصحى والشعر الشعبي الذين يحملون في لبنان صفة الزجالين، أوشعراء الزجل. ويكتبون الشعر ويرتجلونه باللغة المحكية. وحين اكتنزت جعبة الراسيبالكثير من الأقوال والأمثال والحكايات، انتقل من البحث والتفتيش عن المخزون الشعبيفي ميدانه الرحب إلى تدوين هذا المخزون في كتب، وبدأت تصدر تباعاً، كتاباً إثركتاب، حتى بلغت أحد عشر كتاباً. وتشير عناوين هذه الكتب، حتى قبل أن يدخل المرء إلىمتنها، إلى المعنى الجميل لهذا الجهد الذي بذله سلاّم الراسي في تعريف القراء،اللبنانيين منهم وغير اللبنانيين، بالثقافة العفوية الفائقة الغنى عند الشعباللبناني. ولفت انتباههم، في الوقت عينه، إلى أن اللبنانيين المتعددي الثقافةوالانتماءات الدينية هم موحدون في تراثهم الشعبي الأصيل. لتأخذ هذه النماذج منعناوين كتبه: لئلا تضيع، حكي قرايا وحكي سرايا، أدب وعجب، الناس بالناس، أحسن أيامكسماع كلامك، في الزوايا خبايا، شيح بريح، حيص بيص، الحبل على الجرار، جود فيالموجود.