عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
2123
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
02-25-2021, 08:02 PM
المشاركة 1
02-25-2021, 08:02 PM
المشاركة 1
افتراضي الاستعمار والاستشراق
الاستعمار والاستشراق*


عادة ينظر إلى الاستعمار أخلاقيا بسلبية، لأن أخذ ما للشخص قهرا سرقة ظاهرة، لكن الاستعمار حاضر في الماضي كما اليوم وسيبقى في المستقبل سواء كان أخلاقيا أو غير أخلاقي. فالجماعات البشرية من طبعها التمدد متى تجمع لديها فائض قوة يكفي للانتشار، وكل تمدد هو بالضرورة على حساب جماعة أخرى تنحصر وتتضاءل قوتها. في الحياة العادية ترى أناسا لا يملكون شيئا وسرعان ما يفاجئك هذا الشخص أو ذاك بتزايد ممتلكاته وغالبا تمدده يأتي نتيجة نجاح أسلوب تدبيره لإمكانياته، وهذا التمدد يكون على حساب آخرين تقلصت نجاعة أساليبهم في الحفاظ على ما كانوا يملكون. يستغل المتمدد فائض قوته والفراغات القانونية، كما يستغل القانون أيضا لصالحه حيث يمتلك القدرة على تطويعه لصالحه، ومتى وقف القانون في وجهه تحايل عليه أو قفز عليه وأنشأ أمرا واقعا يصعب اجتثاته.*

فائض القوة هذا له الكلمة العليا في التمدد، كان الشرق من أدناه إلى أقصاه رقعة تمدد للغرب على حساب حضاراته المختلفة، وتم إحكام السيطرة عليه. والكثيرون يرون في الاستشراق أداة استعمارية محضة. فالاستشراق هو رؤية غربية للشرق. عودة إلى الحلبة الإنسانية العادية، فالشخص عندما تتمدد ممتلكاته تتعاظم منزلته ويكون لرأيه حظوة بل يستشار في مجتمعه البسيط وفي الغالب يكون رأيه هو الصواب، لكأن الجماعة تستشيره لتسانده إيمانا منها بقوة مشروعه ويعطيها نوعا من الأمن. فائض القوة يمنح لصاحبه الجرأة على إبداء الرأي ولا يخجل من رأيه، بل رأيه يحالفه الصواب. يكاد نيتشه ينطق الصدق في هذا الباب، فالجماعة في نظره لا غاية لها إلا خلق القائد وتهيئة الظروف لنجاحه، والضعيف وجب عليه الامتثال. إذا سرنا على هذا النهج وصلنا إلى ما استخلصه إدوارد سعيد أن الاستشراق ما هو إلا رؤية إمبريالية تفرض صورة نمطية على الشرق وليست نظرة موضوعية، فهو يرى أن الرأي والمعرفة هي وجه آخر للسلطة متأثرا بفوكو التلميذ النجيب لنيتشه.*

لكن إلى أي حد يمكن اعتبار الاستشراق مجرد سلطة معرفية غربية تحاصر الشرق وتحشره في زاوية مغلقة. لا يختلف اثنان أن الاستعمار الغربي متزامن مع نقلته الصناعية المتزامنة أيضا ونقلته المعرفية. وهذا ما يجعله مختلفا بعض الشيء عن الاستعمارات السابقة له، التي تأتي على الأخضر قبل اليابس في البلدان المستعمرة حتى تجد الشعوب انصهرت انصهارا كاملا في الثقافة الوافدة. ويمكن أن نضرب مثلا بانصهار الشعوب الأمريكية واستراليا في الثقافة الغربية، بل أصبحت تمثل الغرب *حرفا بحرف. الشرق الأقصى خطا خطوات مهمة في التحديث بداية باليابان بشكل اختياري والصين بجبرية شيوعية والهند المستقلة بشكل سلس. هذه الشعوب المالكة لرصيد حضاري عتيق لم تفقد كل مقومات شخصيتها وإن انفتحت بشكل من الأشكال على القادم الجديد، فاليابان استفادت من البعثات الطلابية وبعدها من الغزو الأمريكي، والصين استفادت من الشيوعية وكسرت طوق التقاليد الصينية، والهند زاوجت بين تقديس الذات والآخر، وانفتحت على أسلوب الحياة الغربية، وهذا الأسلوب المتبع في شرق آسيا إلى حد كبير فيه ما يسمى في علم النفس بالاتحاد مع المعتدي وهو تكتيك يستعمل ضد السلطة القمعية وليس استلابا حقيقيا. والشعوب المجاورة لهذه الدول بصورة أو بأخرى تدور في نفس الفلك. ومن هذا المنطلق سادت فلسفة القوي على الشرق الأقصى وتم استيراد النظم الاقتصادية والسياسية والعلمية والتربوية، بل أضحت تلك البلاد في بعض المجالات غربية أكثر من الغرب، لكنها رغم ذلك تظل شرقية. فلنقل أن العقل الشرق أقصوي استطاع احتواء الطفرة الغربية وجعلها مطية للحفاظ على حضوره التاريخي، في خضم هذا التفاعل نستطيع القول أن أوربة الأرض تكاد تكون متحققة وتجسدت بوضوح في العولمة الاقتصادية و انتشار التقنية.

ينسب الفضول المعرفي للغرب والعقل الغربي عقل تحليلي وسؤال لماذا يظهر الشيء على هذا الشكل جوهري، أما المشارقة فيكتفون بالدهشة *ويحققون أشباعا وجدانيا من خلال هذا التفاعل مع الشيء، فتفكيك الأشياء والبحث في مكوناتها والعلاقات الناظمة لأجزائها جزء لا تيجزأ من عوالم التقنية. بينما الشرقيون ميالون إلى الكل والوحدة وهي نوع من الإيمان بالانتماء إلى الطبيعة والوحدة معها والعقل الغربي مؤمن بالانفصال عن الشيء لذلك تراه يحب التحرر من الأشياء بل يعتقد الغربيون أن الوعي هو شعور بالاستقلال فالأنا هي نقيض الغير، والآخر ليس إلا موضوع معرفتي أحقق عليه سلطة المعرفة فالوعي هو وعي بشيء ما. لهذا نجحت النزعة الفردية والقيم الاستهلاكية. فالفرد هو الحرية والشيء خارج الفرد موضوع استهلاك لذلك فالغربيون لا يعيشون علاقة الوحدة مع الأشياء بل يسهل عليهم استبدالها والتخلص منها ويحبون تجديد أشيائهم.*

لكن هناك جانب آخر أن أي عنصر دخيل يترك أثرا في البنية فرفرة فراشة لا بد تحدث بعض تأثير، فحين توجه الوعي جهة شيء يكون لهذا الشيء تأثير على الوعي ذاته فالوعي ليس صلبا وليس إلا انتظاما لغويا في الأخير، لذلك حين تنفتح على لغة جديدة تهتز أركان وعيك الأولي، الأوربيون عاشوا هذه الفترة حيث انقلب السحر على الساحر، وأصابهم مس الشرق في فترة من فترات حياتهم المعرفية وخاصة مع شوبنهاور ونيتشه اللذين استغرقا في الفلسفة الشرقية. والحركة الرومنسية،والهيبيزم، وحتى الخضر حاليا كلها ارتدادات عكسية، فهي رجات انفتاح العقل الغربي على الشرق، وكسر لجبروت عقلانيته المفرطة. بل هو تجسيد للحمة الطبيعة إنسان، الأنا والآخر. لذلك يصعب تصديق أن الاستشراق كان في إتجاه واحد، بل يحدث أن تتلاقح الأفكار ضدا على رغبة المتمدد.



التعديل الأخير تم بواسطة ياسَمِين الْحُمود ; 02-28-2021 الساعة 12:11 AM