عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2011, 10:45 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي




باب ما جاء في القناعة:


كان يقال أروح الروح القناعة، وهي أقصى رتبة الفقير كما أن أقصى رتبة الغني الشكر. وقال الحسن بن سهل: ما رأيت رجلاً قط مقصراً في مطالبة الظفر بالفضل إلا وسعت عليه العذر وإن كان عظيم التفريط، إذا كانت الأنفس مطبوعةً على حب السعي في حواية الفضل.

وذلك دليل على أن اقتصار هذا على ما قل منه دون ما كثر لما وقف عليه من القسم وميلاً إلى راحة القناعة. أنشدني بعضهم للعطوي:



الحر يد نس بين الحرص والطلب .... فاخلع لباسهم بالعلم والأدب


أقبح بوجه يسارٍ كان قائده.... وجهاً رعت كنفيه ذلة الطلب


ما كان قائده ذلا وسائقه .... منا فأكرم منه لوعة السغب



قرأت في كتاب كليلة ودمنة: إن من صفة الناسك السكينة لغلبة التواضع وإتيان القناعة ورفض الشهوات ليتخلى من الأحزان وترك إخافة الناس لئلا يخافهم. وفيه إن الرجل ذا المروءة يكرم من غير مالٍ كالأسد الذي يخاف وإن كان رابضاً. والغني الذي لا مروءة له يهان وإن كثر ماله كالكلب وإن كان جوالاً.

وأنشدت لمحمد بن حازم الباهلي:


ما كان مال يفوت دون غدٍ .... فليس بي حاجة إلى أحد


إن غنى النفس رأس كل غنى .... فما افتقار إلا إلى الصمد


رب عديمٍ أعز من أسدٍ .... ورب مثرٍ أقل من نقد


الناس صنفان في زمانك ذا، .... لو تبتغي غير ذين لم تجد


هذا بخيل وعنده سعة .... وذا جواد بغير ذات يد



وقال علي بن عبيدة: القناعة نعمة جسيمة، ورزق واسع، وحصن حصين، وألفة دائمة، وراحة عظيمة، وعيش صاف، ودعة للبدن، وعزة للنفس، وصيانة للعرض، وحياة طيبة، وسلامة وعافية فان وفق صاحبها للصواب في التمييز، واختيار ما يستحق به الاصطفاء صفا من الشكوك وعصمة الله (والله لا يحب كل مختال فخور). وأنشدت:



قل للزمان أصب من شئت بالعدم .... وللمنية من أحببت فاصطلم


فحسبي الله رباً قد رضيت به .... البر بالعود والعواد بالنعم


أعد خمسين حولاً ما علي يد .... لأجنبي ولا فضل لذي رحم


الحمد لله شكراً قد غنيت فلا .... أشكو لئيماً ولا أطري أخاكرم


يا نفس لا تعلقي بالأمل في إنصاف من صبحت من المترفين فإنهم في نخوة التجبر وعقوق التكبر والاستخفاف بمن لجأ إليهم. ولا تغتري بالحرمة بهم والتقدم بالاستطالة، وإيثار عاجل اللذة على الحقوق الواجبة، وإغفال محمود العاقبة وترك الأناة عند الغضب والعجلة بالعقوبة، فتنكبي أفنيتهم المعيبة وآمالهم الكاذبة، ولا تكوني تواقة إلى ما لا يجدي عليك، ومعرضةً عما فيه الحط لك.

وارضي بقليل الحظ من الدنيا، وتبلغي بما أمكن منها، وخذي عفو ما كان مخبأ لك، ولا تستصغري ما أنت فيه من الكفاف مع الحروج وما أتيت من الاثم الفاحش. للعرزمي:



رضيت ببلغة وحططت رحلي .... وإني للمطالب مستطيع


وأدركت الغنى وملكت أمري .... إذا اشتملت على اليأس الضلوع


وأحسن بالفتى من لؤم عارٍ .... ينال به الغني كرم وجوع


وسوى اليأس بين الناس عندي .... فلن يشقى بي الرجل الوضيع


وقالوا: قد دهيت.فقلت: كلا .... ولكني أعز بي القنوع


فمن أبدي لنا بشراً جزينا .... ومن ولى فما فقد الربيع



يتبع
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)