عرض مشاركة واحدة
قديم 07-01-2019, 09:45 PM
المشاركة 7
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: سيميوطيقا الثقافة
دراسات حول الثقافة:

يمكن الحديث عن أنواع ثلاثة من المقاربات التي تناولت موضوع الثقافة بالدرس والتحليل والاستكشاف، ويمكن حصرها في ما يلي:


• المقاربة الفلسفية:

لقد كانت الدراسات الثقافية، في بداية أمرها، خاضعة للتصورات الفلسفية؛ و الدليل على ذلك التقابلات الأنتروبولوجية بين العناصر، مثل: التقابل بين الطبيعة والثقافة، حيث تتميز الطبيعة بمجموعة من السمات، مثل: الحرية، والفوضى، والبدائية، والتوحش، والعنف، والعدوان... في حين، تتسم الثقافة بمجموعة من الخصائص المميزة، مثل: القانون، والعقل، والمنطق، والمجتمع، والحضارة، والمدنية، والتعاقد، والانضباط، والالتزام...
هذا، ويعد كلود ليفي شتروس (Claude Lévi- Strauss) من الأنتروبولوجيين الأوائل الذين درسوا علاقة الثقافة بالطبيعة، ضمن أنظمة الأبوة وإنتاج الأساطير[1]. وكان هدفه هو البحث عن الانسجام الدلالي لأنظمة الأبوة، مستلهما في ذلك كثيرا من الأعمال الأنتروبولوجية الأنگلوسكسونية وأبحاث المدرسة السوسيولوجية الفرنسية، سيما دراسات مارسيل موس (Marcel Mauss) ومارسيل كراني (Marcel Granet). ومن ثم، فقد بين كلود ليفي شتروس كيف انتقل الإنسان من الطبيعي نحو المجتمعي والثقافي. كما درس البنيات المعقدة والمركبة لظاهرة الأبوة. كما خصص أربعة أجزاء، من كتابه (الميثولوجيات )، لدراسة الحكايات الأسطورية في ضوء المنهج البنيوي، على غرار الشكلاني الروسي فلاديمير بروب (Vladimir Propp). وعلى العموم، لقد انصبت أعمال كلود ليفي شتروس على رصد الثوابت والمتغيرات والتحولات في بنية الأساطير. وبالتالي، تندرج هذه الدراسة التحليلية ضمن المنهج المقارن، مادام هذا البحث يقارن الأساطير التي تتضمنها العينة التي يشتغل عليها، من خلال البحث عن المشترك والمختلف. ويرجع تأسيس الدراسة المقارنة، في مجال الأسطورة، إلى ماكس مولر(MAX MÜLLER) الذي كان رائدا في هذا الميدان بكتابه (مدخل إلى الميثولوجيا المقارنة) سنة 1859م، وقد طورها جورج دوميزيل (Georges Dumézil)، وبالضبط في أعماله المنجزة حول الأساطير القديمة (1942-1947)، وحول إيديولوجيا الشعوب الهندية -الأوروبية القديمة (1958م).

• المقاربة اللسانية:

انتقلت الدراسات الثقافية من طابعها الفلسفي المبني على التقابلات الأنتروبولوجية إلى الطابع العلمي الموضوعي، من خلال تحويل المعطيات الثقافية إلى مواضيع للدراسة العلمية. ويعني هذا الانتقال الثقافي، مما هو فلسفي وفكري إلى ما هو علمي موضوعي، أن الدراسات الثقافية قد حققت تقدما كبيرا على مستوى المنهج والتصورات النظرية والتطبيقية. وقد استفادت، بشكل خاص، من المناهج الوصفية ذات الطابع العلمي الدقيق. ومن ثم، فلقد أصبحت النصوص الأسطورية، والملحمية، والفلكلورية، وغيرها من النصوص الثقافية، ميدانا للتحليل اللساني والبنيوي والشعري والمورفولوجي، كما يؤكد ذلك الباحث الفرنسي فرانسوا راستيي [2]، (François Rastier) وبالضبط مع مجموعة من الباحثين، مثل: فرديناند دوسوسير(F. DE. Saussure)، وشتاينال(Steinthal)، وبريال(Bréal)، ودوميزيل(Dumézil)، ورودولف إنجلر (Rudolf Engler)..
وإذا كانت اللسانيات هي بمثابة سيميولوجيا عامة للغات والنصوص والخطابات، فإن سيميوطيقا الثقافة هي جزء من تلك اللسانيات أو السيميولوجيا العامة.


• المقاربة السيميوطيقية:

لم تتبلور سيميوطيقا الثقافة أو الثقافات بشكل جلي إلا مع مدرسة تارتو (Tartu) - موسكو التي كان يمثلها كل من: إيفانوف (Ivanov)، وأوسبنسكي(Ouspenski)، ولوكموتسيف(lekomcev)، ولوتمان(Lotman)، وغيرهم...
ويعد يوري لوتمان (Youri Lotman) من أهم الشكلانيين الروس الذين اهتموا بسيميوطيقا الثقافة، علاوة على عنايته ببنية النص الفني، خاصة أنه كان عضوا مهما في مدرسة تارتو (Tartu) بموسكو، ومن أهم كتبه: (سيمياء الكون)[3]، و(انفجار الثقافة)[4]، و(بنية النص الفني).. [5].

ومن هنا، فقد اقترن اسمه بسيمياء الكون (La Sémiosphère) (1999م). ويعني هذا المفهوم الفضاء السيميويطقي المعقد والمركب الذي تشغله ثقافة ما. وبالتالي، يمكن التعامل مع مجموع الثقافة مثل نص أو خطاب ما. كما يتفرع هذا النص المركب إلى نصوص فرعية متناسلة ومنقسمة بطريقة تراتبية وطبقية. بمعنى أن كل نص ثقافي ينقسم إلى نصوص، ويتفرع كل نص بدوره إلى نصوص أخرى، وهكذا دواليك... ومن ثم، تأبى الديناميكية الثقافية الانعزالية، والانغلاق، والسلبية في تلقي التأثيرات الخارجية، دون المساهمة في التفاعل والعطاء والتبادل الثقافي. ومن ثم، فالسيميوطيقا الثقافية هي سيموطيقا مقارنة واختلافية وتعددية. ويعني هذا أن لوتمان قد تأثر كثيرا بفلسفات مابعد الحداثة، سيما فلسفة الاختلاف لدى جاك ديريدا (Jacques Derrida). ويعني هذا أن الثقافة لا يمكن فهمها إلا ضمن نطاق فضاء المثاقفة الكونية أو العالمية، وضمن مسار الثقافات القديمة والمعاصرة على حد سواء.

وثمة دراسات سيميوطيقية معاصرة أخرى تندرج ضمن سيميوطيقا الثقافة كتلك التي أشرف عليها كل من: فرانسوا راستيي (F. Rastier) وسيمون بوكيه (Simon Bouquet) تحت عنوان (مدخل إلى علوم الثقافة)، وقد قدمت منظورا جديدا حول البرامج المعاصرة المتعددة الاختصاصات، خاصة تلك التي تهتم بالعلوم المعرفية والعلوم الثقافية، ضمن أنتروبولوجيا سيميوطيقية تعنى بالمواضيع الثقافية من وجهة علاماتية.

يتبع ..

الابتسامة هي قوس قزح الدموع