عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2018, 03:17 PM
المشاركة 13
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
التعبيرات الفنية

إذا تتبعنا التعبيرات الفنية التي استخدمها الشنفرى ليبث ما يدور بداخله من آلام وشعور بالغربة، فسنجد ارتفاعا في النضج الفني لديه، وإن ابتعد عن الاستقصاء في وصف مال يدور بداخله، إذ يكتفي بالإشارات السريعة التي تجعلنا نعمل الذهن في استخلاص فنيتها، فقد بدأ قصيدة بالنداء صارخا في قومه الذين شعر منهم بالنبذ ولم يجد منهم ما تصبوا إليه نفسه:



أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ


واختار هذه الصلة "صلة الأمومة"؛ لأنها أقرب الصلات إلى العاطفة والمودة التي يفتقدها الصعلوك طريد الصحاري، "وذلك ليرميهم بالفضيح ويسجل عليهم بالقبيح؛ لأن الأم شأنها الحنوّ والشفقة، وأولادها من شأنهم المحبة والتراحم، وقد خرجوا معه من حيز التصافي إلى حيز التنافي".



ويتناص هذا البيت مع بيت عروة بن الورد يستنفر قومه للإغارة على القوافل:


أقيموا بني لبنى صدور ركابكم
فكل منايا النفس خير من الهزل



بيد أن الغرض يختلف، فعروة يستنفر قومه ليتبعوه ويلتزموه في طريق الإغارة، وهو ما يقصده بإقامة الصدور، أما الشنفرى فغرضه من إقامة الصدور تنبيه قومه ليقوموا من أخلاقهم معه إذ اضطرته معاملتهم إلى هجرهم، أو يقصد استعدادهم لرحيله عنهم أو أنه لا مقام لهم بعد رحيله.



ونلحظ في اللامية البعد عن المقدمة الطللية أو الغزلية التي يتميز بها الشعر الجاهلي، ويرى الدكتور يوسف خليف أن السبب في ذلك جنوح الصعاليك إلى الوحدة الموضوعية في شعرهم ومقطعاتهم، إذ المقدمات الطللية تخل بهذه الوحدة الموضوعية، ولكني أرى السبب هو الشعور النابع عنه الاستهلال، ذلك أن الشعور الذي ينتاب الشعراء الجاهليين - غير الصعاليك - هو الحنين للماضي أو للمحبوبة أو للديار.. أما الأزمة النفسية التي يعيشها الصعلوك فهي الشعور بالنبذ الاجتماعي والفقر، لذا فهو يبدأ قصائده بالحديث عن هذا كما يبدو من مقدمة "اللامية" محل الدراسة.



ونظرا لنزوع الصعلوك للبعد عن المجتمع وعزوفه عنه إلى حياة الإغارة والنهب جعلته يتحلل من الولاء للقبيلة فلا نجد اعتزازه بهم مثلما هو الحال في الشعر الجاهلي "لأن ما بينه وبين عشيرته انقطع، فلم تعد له قبيلة، وإنما أصبح شعره صورة صادقة من حياته هو".

لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئٍ
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ


والأرض واسعة سواء لصاحب الحاجات والآمال أم للخائف، بشرط أن يكون عاقلا متزنا بصيرا بالأمور، فطلب الآمال والتهرب مما يخاف منه يتطلب الحكمة والتعقل، خاصا لمن كان طريدا!



هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ


أشار إلى الحيوانات بالضمير "هم" ووصفهم بالأهل تأكيدا على أفضليتهم عن أهله الذين خذلوه، وعلل الوصف بأنهم لا يذيعون سره أو جرائمه بل ويناصرونه وإن كان مخطئا، عكس ما يفعله الناس!! وكأن الجريمة أصبحت في نظر الشنفرى هي الصواب الذي ينبغي لأهل الجاني الوقوف معه فيها وحمايته. إن هذا البيت يظهر مدى بغض الشنفرى لأهله لعدم تأييده في باطله، ويبين إصراره على المواصلة في طريق الجريمة.