عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-2011, 12:36 AM
المشاركة 31
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع رواية - 7- "حياة تريسترام شاندي" للروائي لورنس ستيرن



لم يكتب ستيرن روايته الأولى "حياة تريسترام شاندي وآراؤه" التي تضم تسعة أجزاء، والتي نشرت ما بين العامين 1760 و1767، ولم يكتب روايته الثانية "رحلة مؤثرة عبر فرنسا وإيطاليا" التي نشرت عام 1768، إلّا خلال الأعوام التسعة الأخيرة من حياته.
أمضى لورانس الأعوام العشرة الأولى من طفولته متنقلا بين مدن عدّة، تبعا لعمل والده، ولم تتجاوز مدة إقامته في أي مكان سنة واحدة.
ولم ير والده مطلقا بعد التحاقه بمدرسة قرب هاليفاكس في بريطانيا. ,وعمره 11 سنه.
بعد ذلك، درس علم اللاهوت في كلية كامبردج، وتخرّج عام 1737، وكان من المقرّر أن يصبح واعظا دينيا، وكان تسلّم وظيفته كقِسّ في يوركشاير في عام 1738، ولكن، وبتأثير من عمّه جاكس ستيرن، بدأ العمل كصحافي سياسي، عِلما بأنه تزوج في عام 1741.

الصراع مع الضمير

عاش ستيرن في ستاتون ما يقارب العشرين سنة، وارتبط بعدد من العلاقات العاطفية، نظرا لفشل زواجه.
وحينما بدأ كتابة الجزء الأول من روايته الشهيرة "تريسترام شاندي"، توفّيت والدته
واشتدّ المرض على زوجته،
فيما كان يعاني، بالإضافة إلى مرضه، تناقضا حادا بين حياته الشخصية وهويته الدينية، مثل بطل رواية هوثورون في روايته "الحرف القرمزي"، حيث يواجه القس صراعه مع ضميره
. ويمكن القول إنه وجد في الكتابة خلاصه من القلق والتوتّر الذي كان يهيمن على حياته.

وفي عام 1762 غادر إلى فرنسا للعلاج، وهناك استقبله الشعب الفرنسي باحتفاء كبير للشهرة الواسعة التي حققتها الأجزاء الأولى من روايته. وفي فرنسا، بدأ كتابة روايته الثانية "رحلة مؤثرة عبر فرنسا وإيطاليا"، التي نُشرت في بداية عام 1768. وقبل مضي عام على نشرها، تدهورت حالته الصحية، فتوفي في 18 آذار، وكان في الخامسة والأربعين من عمره.

الصفحة السوداء

وعلى عكس أدباء عصره، فقد توجّه في كتابته الى الطبقة الوسطى من الشعب، ما أمّنَ شهرته في بريطانيا وفي كل البلدان الأوروبية. ولقد اعتبره النقّاد بمثابة الشخص الذي عبَر بكتابته الجسر من طبقة الأرستقراطيين إلى قرّاء الطبقة الوسطى. ويذكر الناقد إيان كامبل روس، من جامعة برنستون، في دراسته التي قدّمها حول هذا الكاتب، بأن من
أسباب شهرة روايته، نجاحه في ابتكار تقنيات عدة لتسويقها.
ومن هذه التقنيات التي شدّت القارىء، أن يختار، مثلا، وضع صفحة سوداء بالكامل بعد حديث بطل الرواية عن وفاة إنسان عزيز عليه، وهذا السواد هو تعبير عن حزنه.
وكذلك اختياره لأن تكون الصفحة التي تَلي الحوار بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة، إن كانت العاطفة أو الرغبة هي التي تربط بينهما، ويقترح على القارىء أن يدوّن رأيه الخاص في الصفحة الفارغة بكلّ أمانة.

أمّا روايته "تريسترام شاندي"، والتي نشرها ضمن 9 أجزاء، يتضمّن كل جزء ما يقارب الستين صفحة، فقد يصعب وصفها كما ذكر العديد من النقاد. فهي لا تعتمد على أسس الرواية التقليدية، إذ انه من الصعب تحديد حبكة القصة. وهي أقرب إلى أدب السيرة الذاتية، ولكن في ذات الوقت يصعب على القارىء، بعد انتهائه من قراءتها، أن يعرف أي شيء يذكر عن حياة بطلها شاندي، فكل ما يعرفه عنه يتلخّص في يوم ولادته، واليوم الذي عانى فيه حادثا حينما كان في الخامسة من عمره، ورحلته عبر فرنسا.
كما لا تتوافر معلومات كافية، يستطيع القارىء من خلالها أن يحكم إن كانت جيني، والتي ذكرت في مواقع عدة، هي زوجته أم لا. ومن خلال عنوان الكتاب، يتجلّى مضمون القصة المتمثل في عرض آراء وأفكار والد شاندي، وليس أفكاره.

حوار مع القارىء

كما أن الأجزاء الثلاثة الأولى كُتبت قبل ولادة شاندي، وفيها يتناول شخصيّة والده وعمّه، كما يتحدث عن شقيقه. والرواية عبارة عن سرد لذكريات نَبيل من القرن الثامن عشر، وتتضمن الكثير من المواقف الكوميدية والطريفة، وإن كانت تتطلب الكثير من التركيز والانتباه.
وتتجلى أهميّة هذا العمل عبر تطوير لورانس لبنية الرواية من خلال أسلوب السرد، والذي تبنّاه العديد من الكتّاب، في إطار أدب الحداثة وما بعد الحداثة، فالموضوع لا يرتبط بشخص البطل، بل بالموضوعات التي يحلو للكاتب تناولها، والتي تكون متفرّعة عن المحور، إلى جانب حوارات متخيّلة مع قرّاء ونقاد.
وهو يهدف من خلال بنية الرواية إدخال القارىء إلى عقل شاندي، وهو الأسلوب الأدبي الذي تبنّاه كتّاب القرن العشرين، حيث يتدفّق النص من خلال الوعي الداخلي للشخصيّات. ويتخلل العمل الكثير من الحوارات مع القرّاء والتعليق على الأحداث، ومثالنا على ذلك، قوله : "لقد وعدت بكتابة الفصل الخاص بالأزرار، ولكن عليّ قبلها أن أقدّم لكم الفصل الخاص بخادمات الغرَف".
إستخدم جايمس جويس، في رواية يوليوس، أسلوبا مشابها لأسلوبه في الأدب الانكليزي. فكلاهما اعتمد على العلاقة المتشابكة بين الكاتب والقارىء، وكلاهما تميّز بروح السخرية، وإن كان البطل شاندي يفتقد إلى الجديّة وطبيعة التشاؤم في شخصية بطل رواية جويس المدعو ليوبولد بلوم. كما أن الأول نتاج القرن الثامن عشر، والثاني نتاج القرن العشرين.

حَيّر النقاد

وتجلّت الصدمة التي شكلّتها الرواية في المجتمع الفيكتوري، من خلال المواقف الصريحة الفجّة التي عرضها المؤلف، والتي تحتمل على الدوام تأويلات عدّة، مع طرحه للعديد من التساؤلات حول الواقع السياسي والاجتماعي ومفهوم الحياة والثقة والأمانة، وذلك من خلال تساؤل الرواية في شخص بطلها، هل الرجل يتبع القواعد ؟ أم أن الآخرين يتبعونه ؟
تلك التساؤلات قدّمها ستيرن من خلال حياة عائلة البطل، التي تروي قصّته بصورة ما. فهو ابن جندي توفي في معركة في جامايكا، وتمحورت طفولة شاندي في حياة أفراد الأسرة، ورؤيتهم للحرب من خلال منظور قادتها أو جنودها، وذلك عبر القصص التي كان يسردها عمّه توبي، وهو من جيل المحاربين القدماء الذين سُرّحوا من الخدمة بعد انتهاء حرب السنوات السبع.
أما شقيق عمّه توبي ووالد شاندي، فهو القس وولتر شاندي الواقعي بأفكاره، الذي يحاول السيطرة على كل احتمالات المغامرة في حياة ابنه.
وقد عمد ستيرن، من خلال شخصية شاندي، إلى إيقاع النقاد في حيرة من أمرهم. فعمله إمّا يتجاوز قدراتهم، أو أنه أدنى من إثارة اهتمامهم. وعلى عكس بريطانيا، فقد استقبل النقاد في ألمانيا روايته بترحيب وإعجاب، وعلى رأسهم غوته وروّاد الحركة الرومانسية، كما تأثر بعمله كارل ماركس الذي حاول محاكاة ذلك في رواية.
ولم يحظ ستيرن بتقديره ككاتب في بريطانيا إلّا في بداية القرن العشرين، حيث وصفته فيرجينيا وولف بقولها : "إنه أقرب ما يمكن من الحياة"، أمّا جيمس جويس فقال عنه "إنه رجل الريف".