عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2010, 08:45 PM
المشاركة 6
خالد الزهراني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قبل الخوض في الموضوع ،،اود التطرق الى اهم المواقف في موضوعة (ألأصالة و التراث ) ومن( الحداثة والمعاصرة ) .

1 ) الموقف السَلفي : يؤمن دعاة هذا الفريق بالعودة الى الجذور وتقديس الماضي ويرفضون كل ما هو جديد ،،معتبرين التراث هو ألأصل ويجب التمسك به ،،فهم يعارضون ألأنفتاح والتغيير ويقيمون الماضي حد التقديس ويعتبرونه هو المصدر الوحيد للنهضة والسبيل ألأنجع لتأكيد الهوية والخصوصية التي تعبر عن فكرة ألأنتماء .

2 )الموقف الحداثي :دعاة هذا الفريق يرفضون رفضا ً كليا ً الماضي ((ألأصيل وغير ألأصيل )) ،،ويتطلعون الى آخر ما انتجه االعالم الغربي ، متخذين منه مثالا ً أعلى وطريق خلاص لكل ألأزمه التي فيها العالم العربي والأسلامي ،،معتبرين كل قديم رجعياَ ً ونجد هذا واضحا ًفي كلام المفكر المصري زكي نجيب محمود الذي يقول : إنما ألأمم بالتقنيات والتكنلوجيا لا با لأخلاق . ويتمسكون بالأنفتاح والعولمه وهم يحلمون ان ثورة الحداثة ستأتيهم من المراكز التنويريه المتقدمه ( الخارج ) .

3)الموقف الجدلي : دعاة هذا الفريق اكثر حيادية وعقلانية ،،فهم ينظرون الى التأريخ او التراث لا كشيء جامد ووثني ، لذلك دعوا الى ربط الماضي بالحاضر عبر الدراسة الحية والملموسة ،مؤمنين ان التأريخ (الماضي ـ الحاضر ـ المستقبل ) وحدة عضوية واحدة ،كما انهم لم يغفلو الجانب المعرفي للأمم المتقدمة ودعوا الى التفاعل معه لأنه نتاج وأرث أنساني يجب ان يحترم ويتم ألأستفاده منه .

اعتقد ان تساؤلا ً مثل : مَن نحن ؟ وهل جذورنا اصيلة ام هجينة ؟،، سيقودنا ذلك الى تساؤل أخر هو : ماهو نتاجنا وابداعنا ؟ وكيف هي نظرتنا الى ارثنا المعرفي والفكري والثقافي ( كيف ننظر الى أنفسنا )، وبما اننا نتطلع الى حاضر تسود فية مفاهيم العصر ، يكون من الضروري ايجاد التوازن المعقول ما بين الثقافة الموروثة والرؤى الأصيلة المعاصره ،،بذلك فقط نساهم في خلق حركة معرفية واقعية تمد جذورها نحوالحاضر وتتطلع نحو مستقبل ايجابي وابداعي ..وعليه يكون التغير ضروريا ً و صحيحا ً وعميقا ً.ومترابطا ً مع البناء ألأجتماعي العام .

نؤكد ما سبق، ان الماضي بتراثة والحاضر بمعاصرته والمستقبل الذي يحمل رؤى التغير عبارة عن أمتداد لرسالة واحدة هدفها ابتكار منظومه اجتماعية وأدراكيه تنسجم مع روح العصر وتتجاوب مع أسس التغير ،،كل ذلك للسمو بالعقل العربي الى عالم الجمال والحقيقة .

عبارة نرددها : ليس كل ما هو جديد أصيلا ً،،كما ليس كل ما هو قديم رجعيا ً...ففي كل عصر هنالك رؤى تفوح منها نكهة التجديد على صعيد الشكل أوالمضمون وهي رؤى أصيلة متحرره من القصور النمطي...وما ابو الطيب المتنبي الذي عاش في القرن الرابع، إلا مثالا ً مفيدا ً ، شاكس بروحة المتفردة ألأصدقاء والأعداء وكان شعره صورة صادقة لعصر ٍ يعج بالصراعات ،، ورغم حياته المضطربة لكنه بخيالة الخصب إستطاع ان يشغلنا وأثارت قوة شاعريته فينا الأحساس بالقيم النبيلة والأنسانية، حيث انه أسس رؤية جمالية وصورية نراها تتفاعل الى يومنا هذا ،
تتعاقب الحقب لكن صورة المتنبي وصوته بقيتا عالقتين في الذاكرة الجمعية العربية،،،ولا غرابه حين يؤكد الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذلك بالقول :
(أذا أردنا ان نقرأ الشعر العربي كله مجازا ً في شاعر واحد نقرأه في المتنبي ) .

نستنتج مما سبق ان الحداثة تتطهر بالأصالة إذا أفرزت نتاجا ً فية نكهة ألأبداع والرؤية المستقبلية التي تعطيها ديمومه البقاء .
اني اعتقد ان التفاعل مع الثقافة الغربية (ألأصيلة ) ليس بألأمرالسلبي ،،ولا يؤثر على حقيقة هويتنا وخصوصيتنا ،،وذلك لأننا نعيش في زمن تلاقح الحضارات وتحاورها ، في ضوء هذة الرؤية تكون قضية تعميق التفاعل مع روح العصر أمرا ًمهما ً ، بذلك نكون فاعلين ومؤثرين في دورات الحياة
بدأ عصر التنوير في الغرب منذ عدة قرون ،وأنتج مدارس حداثويه متعدده،لكن ريح التنويرشملتنا في نهاية القرن التاسع عشر ،،،ألم يحن الوقت لنكون ( تنويرين ) في رؤيتنا الى ألأخر( الأمم المتقدمة )،،في نفس الوقت ،،ألسنا بحاجه لتحديث أصالة تراثنا (عقيدة ـ ادب ـ فن ـ فكر ...الخ )،، ألم يحن الوقت لكي نقوم بعمليات الهدم لكل الأفكار الأصولية والضلامية التي تفرز سمومها وتعشش على العقل العربي وتعيق إنطلاقه . ونكون بذلك نؤسس ونجذر حداثتنا الجديدة والصحية لأنتشالنا من ألأنحطاط الفكري والتبعية ألأقتصادية وما يجهض تطورنا ألأبداعي .

قد يبدو للوهلة ألأولى ان موقف الثورة والتمرد طريق شاق ًوغاية صعبة المنال ،،،لكن منطق الحياة المعاصرة وضع أمامنا هدف التحدي الذي يحفز أرواحنا نحو ألأرتقاء بوعينا الخلاق. ،،أتساءل : هل نحن أهل لذلك ؟ .

يجدر بنا ان نأخذ من مراحل أزدهارنا درسا ً نستأنس به وشكلا ًجديدا ً للتحاور لأعادة التوازن الى أرواحنا ويحفزنا للأنطلاق الى فضاءات أكثر ديناميكية .

على مستوى ألأصالة والخلق يحضرني الواسطي صاحب ( المنمنمات )الذي كان بحق مرآة لعصره ( القرن الثالث عشر )،إن اطلاعةعلى الفن البيزطي والساساني ساعدة على إبداع رؤيتة الحداثوية المبكره،، فرسومه التصويرية المرموقة تعد بحق خطوة جريئة للتفاعل مع الأرث الحضاري وتجاوزه ،فتلك الروائع تدهش الشرقين كما الغربين ، وكان لها حظوة الديمومة ....
تميزت اسلوب الواسطي بالوحدة والتكامل على صعيد الشكل او المضمون من هنا تكمن حداثته .كما تميز منجزاته الفنية بالسرد (الحبكة التصويريه والتعبيريه ) وخفة الروح والشعور المرهف لخلق عالم جمالي قائم بذاته .
من الملاحظ ان اغلب المؤرخين يؤكدون ان اعمال ( الواسطي ) توجت الشكل ألأمثل لمدرسة بغداد للتصوير والتي امتدت تأثيراتها الى يومنا هذا ،،حيث انها رسخت وأسست فنا ً عراقيا ً وعربيا ً مميزا ً نفتخر به

ان الأبداع العربي له امتدادات عميقة ومتداخله مع النتاج الغربي ، فان أغلبية الشعراء والكتاب والفنانين القرن العشرين والى يومنا هذا قد سقطوا تحت تأثيرات المدارس الحديثة ألأجنبية بتقنياتها وتكنيكها ولكنهم بلوروا رؤاهم الفردية وفلسفتهم الخاصة والعصرية ، مستلهمين من تراثنا ألأصيل طاقة لأثبات هويتهم الشخصية (العربية وألأسلامية ) .
وما الشاعر بدر شاكر السياب سوى نبراسا ً جميلا ً في سماء الحداثة و الذي بدأ رومانسيا ً بقوالب القصيدة العمودية ، إطلاعه على الثقافة ألأنكليزية وعلى الشاعر ( اليوت ) تحديدا ً ، قاد رؤيتة الى الرمزية التعبيرية وجاءت قصيدتة (هل كان حبا ً) كسرا ً للشكل العمودي و تجاوزا ًلذلك النمط السائد بسطوته ، منطلقا ً نحو بناء قصيدة تعتمد على الشعر الحر في إيقاعاته وبنائه .... وتتابعت قصائد السياب لتكون انفتاحا ًرياديا ًوثورة وتمرد على ذائقتنا الشعرية بقوالبها النمطية والمحافظة .

ان موضوع ألأصالة والأنتماء يضعنا أمام تحديات جديدة ، في تقديري إن أتخاذ موقف نقدي تأريخي من ما ضينا يجعلنا اكثر أصالة و يجعلنا اكثر اجتهادا ًوحداثة لتغيير واقعنا المكبل برواسب الموروث، وبذلك يمكنا اثبات هويتنا والأجابة على حقائق عصرنا ومتغيراته ومتناقضاته وتطورة ....

هل حان الوقت ،، للتحلي بالمسؤلية والشجاعة للنظر الى مشاكل مجتمعاتنا ( العربية ـ الأسلامية ) برؤية ألأصاله والحداثة، خلاف كل ذلك وأعني ان بقيت مواقفنا غير مبالية لأمر الثورة والتغير بشيء سنكسب قوالب التراث ولكننا سنخسر الحاضر بل والمستقبل ايضا ً ،
سيبقى التساؤل جوهري يطاردنا : هل نريد ونطمح للتغيير؟ .

خلاصة ألأمر ، علينا اخراج التراث من نزعة ألأسطرة و من دائرة النص المقدس ، المسلم بة ، في نفس الوقت ينبغي التفاعل معه بشكل موضوعي ، وان نعي ان ذلك الأرث ما هو إلا نتاج معرفي لبشر عاشوا في زمن غير زماننا .
هكذا تقع علينا مسؤلية الحفاظ على خصوصيتنا الأصيلة ، التي فيها تفردنا وتنوعنا ، وعلى اساس نفس المنطق علينا ان لا ننظر الى كل ما هو غربي على انه الكمال وفية الخلاص والنور ،
في ضوء هذا ، نستطيع ان نقول : ان اتحادنا بأصالتنا الخاصة والمبدعة والتي نتجت عن فهم التأريخ (ألأصيل ) ، وتفاعلنا وأستيعابنا لتحديات عصرنا في نفس الوقت ، سيلهمنا جذوة النهوض بوعينا لأبتكار نتاج فني ـ علمي ـ فكري، عصري وأصيل ينسجم مع الواقع ألآني وبشكل حداثوي .

حقا ً ان اشكالية ( ألأصالة ) مزدوجه وثنائيه ، وتبقى المعادلة تحتاج الى ذلك القديم الذاتي كما تتحتاج الى الرؤية الثورية في حداثتها .
يمكنني القول ان التراث الأنساني بكل تجلياته ما هو إلأ تراكم كمي ، وان حداثة المعاصرة ما هي سوى قفزة نوعية ، ستتحول بفعل الزمن المتحرك الى إرث ربما تقدمي او رجعي .
لاحظت خلال تتبعي لسيرة الفنان العراقي ألأصيل جواد سليم انه كان حذرا ً وواعيا ًلأشكالية ألأصالة والحداثة ،حيث انه كرس جل حياته داعيا ً الى استلهام التراث كروح وجوهر ،وعلى هذا ألأساس درس بعناية ممنهجه وبصبر إرثه الحضاري (ألبابلي ـ ألأشوري ـ السومري ـ ألأسلامي) ، معرفته للغات ٍ خمس ساعدته في ألأطلاع على المنجز الحضاري الغربي والتفاعل معه ، وجاءت جداريته التي تحولت الى رمز لبغداد كأجمل رؤية ، فيها مازج بشكل ذكي ومبدع وجدلي بين ألأصالة والحداثة وعكست في نهاية الأمر فهما ً ذا بعد انساني عميق ومعاصر .

خاتمة القول : ان عقلا ً عربيا ً ـ أسلاميا ً متنورا ً مثل ( محمد عبده ، سلامة موسى ، سيد درويش ، احمد امين ، لطفي السيد ، ، جبران خليل جبران ، ساطع الحصري ، بدر شاكر السياب ، هاشم محمد الخطاط ، جواد سليم ، نجيب محفوظ ، حسين مروة ، فؤاد زكريا ، حسام ألآلوسي ، أدورد سعيد ، نوري الجعفر، محمد اركون ، رشاد رشدي ) كل هؤلاء وكثيرون غيرهم ، عاشوا مع سيزيف ، لكنهم خلقوا حوارا ً ايجابيا ً بين ( ألأصالة ـ والحداثة ) وعبروا عن ارواحهم وعصرهم بشكل أنساني جميل ، وفتحوا افقا ً نحو المعرفة والجمال والحياة ، واضافوا الى الفكر العربي والأنساني لمسات طيبة .

إن معرفتنا لثنائية (ألأصالة ـ الحداثة ) يأتي أذن من معرفتنا المنهجية لفكرة : ان الأصالة كالقطب السالب وان الحداثة كالقطب الموجب وان قوتهما في وحدتهما ، وان انتصارألأصالة يعني انصارا ً للحداثة ، وان انصار الحداثة يعني انتصارا ً للأصالة .

أليس من الجميل ان نعيد تأملنا لجدلية ( ثنائية ألأصالة والحداثة ) ، لكي يكون لنا حظور فعال لخلق رؤيتنا المعاصرة التي فيها اطلالة مشرقة على المستقبل ؟ .


منقول

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقـم عليهـم مأتما و عويلا