الموضوع: ماذا سأكتب؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2021, 09:58 AM
المشاركة 143
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: ماذا سأكتب؟
سأكتب اليوم عن سعة الدنيا وضيق الحذاء

تأخرت طائرة الخطوط الجوية الكويتية المتوقع لها أن تقلنا من نيويورك إلى لندن وسط تلك الليلة الجليدية العاصفة ومع كل ساعة تأخير كانت زحمة قاعة المغادرين تستقبل فوجاً مرتجفاً جديداً، كنا أجناساً من مختلف بقاع الدنيا، ألواناً شتى، لهجات عديدة، لغات عجيبة وملابس وعادات أغرب وأكثر عجباً، لكن العين لا يمكن أن تخطئه هو !!!
نظرة واحدة على انكسار نفسيته وعلى انطفاء مختلف مشاعل الأمل لا يكاد أن يستقر إلا على حالة ثبات واحدة ، هي حالة شكوى ضعف الحال، تلك الشكوى التي لاتملك أمامها سوى أن تستنفر كافة حواسك الإنسانية لتتظاهر تأييداً لهذا المخلوق ضد كافة العوامل الخفية التي جعلت من كيانه عاصمة وموطناً أزلياً لكل ما يبعث على الرثاء.
تأخرت طائرتنا تلك لنتابع من بين كل هذه الحشود والمزيج العالمي مواطنين لثلاث جنسيات عربية، لم نكن كَسِوانا بحاجة للتعرف على جنسياتهم من خلال متابعة اللافتات الإلكترونية التي تعلو قاعات الإقلاع التي تجمعوا فيها، تلك اللافتات التي كانت تحمل رقم كل رحلة ووجهتها ومسمى الشركة الناقلة التي تكشف بوضوح جنسية الغالبية العظمى إن لم يكن كل جنسيات زبائنها.
لم نكن بحاجة إلى معرفة كل جنسية من جنسيات هؤلاء على حدة، بل يكفي أن تراقب الوجوه المرهقة وتتابع الخطوات المثقلة وتصغي قليلاً لالتقاط بعض العبارات المتطايرة والتي تلخص نوعية التيه اذي ينتظر هؤلاء!!
لا تحتاج إلى مهارة خاصة أو علم متأصل لتكتشف أن هناك رابطاً مشتركاً يجمع مابين كل هؤلاء الذين لو قدر لهم الله روائيا عربياً على وزن فيكتور هيجو، لخرج للدنيا بأسرها بملحمة تتقزم أمامها رائعة البؤساء، ولن يحتاج ( فيكتور هيجو) العرب للخوض في بحار حزن الشارع المعاصر،ولن يكون مضطراً لتتبع ومطاردة سائر خيوط جذور تاريخ الألم والوجع العربي، بل يكفيه أن يلتقط وبصورة عشوائية عدداً بسيطاً من أي جمع عربيّ ليبدأ بعدها بتأليف روايته دون حتى الاستماع لأي منهم بل يكفيه مراقبة الخطوات وتأمل الوجوه والتسلل بحذر لاحتواء كل ما ستبوح به العيون وآه من بوح العيون بني يعرب هذا القرن!!
ذاك البوح الذي نحمد الله أن رجال ضبط وأمن الشارع العربي واستخبارات الأنظمة لم تتوصل بعد إلى طريقة لتسجيل وتحليل و كشف سر أقوال العيون وإلا خلت قرى ومدائن عربية بكاملها من قاطنيها!!
ونعود لخليطنا العربي الذي التقى من غير ميعاد وسط قاعات مطار كيندي في نيويورك ليتيح لكل متأمل إنساني محايد وراصد متجرد لأحوال الشعوب فرصة حقيقية لرسم لوحة لمخلوق هذا الجزء من العالم، لوحة لا يحتاج فيها لكثير من الاجتهاد أو التحليق بعيداً عن جنح خيال الإبداع، بل كل ما يحتاجه فقط حدود دنيا من الحس الإنساني وخبرة بسيطة للربط فيما بين الأمور، ولو كان بيدي من الأمر شيئاً لاخترعت تلك اللوحة التي سيخرج بها هذا المتأمل المحايد مسمى " هذا المسكين" ولجعلت مركز اللوحة وموضوعها الأساسي هو عينات هذا اليعربي المسكين!!
مسكين مواطنك ومواطني اليعربي…
مساكين أنت وأنا وكل هؤلاء الناطقين بلغة الضاد بغض النظر عن مستوى ما يأكل أو يلبس أو يسكن بعضنا، كلنا في المسكنة عرب، فلا يمكن أن تكون سعيداً مهما توافرت لك أسباب السعادة وأنت محاط ببحر كلي من التعاسة لا يمكن أن تصل لقمة جبل الراحة والسفح كله واقع تحت خط الشقاء، ولا يمكن للعين الهانئة أن تنعم طوال الوقت بالهناء وهي ترقب كل تلك الأجساد التي أحالها الانكسار إلى ما يشبه الأشباح أو ما يوازي بقايا الشبح بعد هدأة ثورة بركان نار.
كم أنت مسكين يا هذا المخلوق الذي قدر للصراع داخله أن يعزله عن سائر صخب وضجيج حياة أهل الدنيا، عزله صراعه الداخلي ليس عن دنيا الله الواسعة فقط بل حتى عن الدنيا بمفهومها الضيق جدا فلم يعد يحس حتى بمن حوله لأن ما بداخله أعنف وأقسى من أن يعطيه رفاهية تأمل حال الجالس على مسرته أو إلقاء التحية على ذلك الجار القابع على يمينه!!
هو سجين زنزانة انكساره، أو لنقل أسير إحباطاته
على رأي (الدكتور مشعل المشعل)
صاحب منطق" ماذا يفيدني وسع الدنيا كلها مادام حذائي ضيقاً"
وليت مفهوم ضيق هؤلاء المساكين توقف عند حدود ضيق الحذاء، فالحذاء إن ضاق ما أكثر بدائله وإن لم يتوفر البديل أو القدرة على شراء البديل فما أسهل شق ذاك الحذاء اللعين أو حتى التخلي عنه ورميه بأقرب سلة مهملات ودوس الأرض ولو بعاري القدم.
ولكن المصيبة أنها زنزانة انكسار وإحباط أكثر ضيقاً على النفس من الحذاء، وأبلغ وأشنع آثاراً وأعقد كثيراً من أن يفكر البعض حتى مجرد تفكير بكيفية الخروج منها لأن مجرد ضبطه متلبساً بمحاولة التفكير أو بتهمة التفكير في بعض أرجاء( بلاد العرب أو طاني) سينقله مجانا هذه المرة لمقابلة جده الأول في نعيم أو جحيم الآخرة، " الخيار والعلم عند الله"
وهنا تبلغ مأساوية المسكنة مداها!!
وتبلغ مأساوية المسكنة مداها حين ينظرون لك بعد كل هذا عن العرب وتحديات المستقبل أو حين يطلبون منك التفاؤل بمستقبل هذه الأمة.