عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
1374
 
هشام اجران
من آل منابر ثقافية

هشام اجران is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
40

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
اكادير

رقم العضوية
16511
01-21-2021, 01:30 AM
المشاركة 1
01-21-2021, 01:30 AM
المشاركة 1
افتراضي قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
متى تشرق الشمس؟
صرخ بغضب :
- "ارحلي أيتها الشمس ! "
ضم قبضته في قوة، ورمق الشمس المتربعة في كبد السماء بنظرة شرزاء كأنما يتوعدها بالضرب، لكن سرعان ما تراخت القبضة في ضعف واضح بعدما بدت له سخافة الفكرة.
أطلق تنهيدة من الأعماق علها تبعد مشاعر الضيق واليأس والغضب والحزن التي اجتاحته ،ثم رنا للفضاء أمامه بنظرة ميتة، وعاد ليزفر من جديد بعد أن زاد المنظر من الغصة داخله، وهذه المرة لم يتمالك نفسه، فأطلق العنان لعبرات ساخنة بللت الوجنة السمراء، والأرض الصفراء.
لم تعد السماء تجود بعطاياها، جفت الينابيع، وفقدت الأرض نسمة الحياة، حكم الجفاف على هذه الأرض بالموت وعلى أهلها بالضياع. طال انتظار تلك الهبة الإلاهية، لكن لا شيء، فسكن اليأس القلوب، وفترت همة الرجال وماتت بداخلهم الإرادة والقوة والصبر وحتى الإيمان أحيانا. ليبدأ النزوح الجماعي نحو الجانب الآخر، هجروا أرضهم وبيوتهم الطينية وجيرانهم وتوجهوا نحو المدينة الكبيرة عل الحياة تفتح حضنها من جديد، قليلون فقط تشبثوا بالأمل فبقوا صامدين ينتظرون، وهو واحد منهم، لكن إلى متى؟
أغمض عينيه في ألم كأنما يحاول أن ينسى كل شيء و ألا يرى شيئا ، لكنها الشمس مرة أخرى، حتى وإن أغلق عينيه ، فانعكاس ضوئها يبقى ساطعا وسط الظلمة .
دخل بيته بخطى متثاقلة وهو يدعو الله أن يجد الأبناء نائمين، استقبلته زوجته بنظراتها التائهة، وسألته بلوعة : - ماذا قررت؟
رد بصوت خافت وهو يتحاشى النظر إليها:
_ "غذا سنرحل." ولم يزد.
الطريق طويل، منذ زمن بعيد لم يسافر، تسابق الأبناء للظفر بمقعد قرب النافذة للتملي بالمناظر، بدوا مندهشين هم الذين لا يعرفون من الأمكنة سوى بلدتهم البئيسة، وارتمى هو على المقعد في تهالك واضح، وقد شرد ببصره نحو اللامكان. بعد لحظات أيقظه صوت خشن يخبر الراكبين بالوصول.
وضعوا أولى الخطوات على الأرض الإسفلتية، هرج كبير يسود المكان وزحام أكبر، تمسكوا ببعضهم البعض، وبدت ملامحهم مثيرة للشفقة بكل ما تحمله من مظاهر الدهشة والخوف والترقب والانبهار. وكأنما تذكر شيئا، رفع عينيه للسماء ففاجأته غيوم كثيفة تملأها، وحاول أن يتذكر آخر مرة رأى السماء بهذا اللون والمظهر.
أيقظته من تأملاته قطرة ماء ضربت وجهه في رفق وصرخة طفولية بريئة من أحد أطفاله وهو يصيح:
_" مطر ...مطر!!"
أحس بالمطر يغسل وجهه وجسده ويحيي القوة والشباب والأمل فيه من جديد، ضم قبضته في قوة، واستنشق الهواء من حوله فكأن رائحة التراب تناديه، النداء يكبر في أعماقه ويزداد.
_"ماذا أنتظر؟" تساءل بدهشة.
شعر بأن الأرض تحت أقدامه أشد صلابة، فتذكر أنه بعيد عن أرضه. نظر حوله، فواجهته عيون قاسية وسحنات غريبة ترمقه بنظرات أغرب. تذكر قريته، حيث الوجوه السمحة والقلوب الطيبة، وعاد ليستنشق الهواء في محاولة لتجاهل النظرات المخيفة، كان للهواء طعم مختلف هذه المرة، طعم سيء يخنقه ولا ينعشه كهواء بلدته.
توقف المطر، خرج الناس من مخابئهم وانتشروا في الفضاء الواسع، خطوات مسرعة ونظرات قاسية ووجوه غابت عنها الابتسامة، تذكر أنه لا يعرف أحدا هنا، أين سيمضي؟ أين سيعمل؟ وأين سيسكن؟؟
الأرض تحته زادت صلابتها والهواء الملوث أصبح وقعه عليه أشد، التصق به أطفاله في خوف، ومدت الزوجة يدا نحيلة لتمسك بيده الباردة.
نظر للسماء نظرة أخيرة، كانت الغيوم تتحرك مخلفة وراءها غيوما أخرى أشد سوادا.
ارتخت قبضته في ضعف، وخرجت الكلمات من شفاه ميتة:
_ " متى تشرق الشمس؟"