عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 01:06 AM
المشاركة 20
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



هل تعتقدين أن مقالاتكِ كانت على نفس المستوى من القوة مثلما لكتابتك الروائية؟




لقد قضيت وقتاً طويلاً في تجويد تلك المقالات، لهذا آمل أن تراها جيدة!
حين كنت صغيرة، كان يُنتظر مني أن أستضيف أبي، السير ليزلي ستيفن، وأصدقاءه على مائدة الشاي. كان رئيس تحرير مجلة "كورنيل" وأحد محرري المعجم العالمي للسيرة الذاتية، لذا كان أصدقاؤه من صفوة المجتمع ! مؤخراً، أخذت على مقالاتي طابعها الحكائي الثرثار في تلك الأيام. غير أني تعمدت أن تأخذ الطابع الحواريّ. أردت لها أن تبدو وكأنها انعكاس لما يفعله الناس حين يجهرون بآرائهم ووجهات نظرهم حين يتكلمون.

بعض تلك المقالات هامٌ للغاية من أجل فهم رواياتي، مثل مقالة "الرواية الحديثة"، التي فيها أستكشف فكرة كيفية استحضار وعي الشخوص وأحاسيسهم الباطنة في الرواية. كذلك مقالة "مستر ومسز براون". هل قرأت مقالة "كيف يجب أن يُقرأ الكتاب؟" – المقالة التي فيها شرحت كيف يمكن للناس الحصول على الفائدة القصوى من القراءة؟

لكنني آمل أن تقرأ المقالات الأخرى ذات الطابع المرح، مثل تلك التي كتبتها عن الممثلة "آلين تيري". كنت متأثرة جداً بقصة حياتها، كانت بحق امرأة لا تتكرر (مرةً، في أحد العروض، نسيت كلامها على المسرح، لكنها كانت من التمكّن والخبرة والثقة بالنفس بحيث لم يلحظ أحد من الجمهور ذلك). جعلت منها إحدى الشخصيات في مسرحيتي الوحيدة "مياهٌ عذبة".


أي رواية من رواياتك تعتقدين أنها صوّرت حياتك أكثر؟


يا له من سؤال شاسع!.. وسؤال صعب كذلك، لأنني بالرغم من عقدي العزم أن أخدم بالكتابة القيم الفنية وحسب، وليس اعتبارها طريقة للتعبير والبوح، (تماماً كما قلت قي "غرفة تخص المرء)، لكن ثمة شيئاًَ مني موجودٌ داخل كل رواية.
كتابة "غرفة جاكوب" جعلتني أكتشف كيف أبدأ في عمر الأربعين وأقول شيئاً عبر صوتي الخاص.

توقفت عن محاولة الكتابة على طريقة الروائييْن "جورج ميرديث" أو "جين أوستين"، وتعلمت أن أستخدم العين الخاصة بعقلي أنا.

كنت أصوّر المشاهد على ذات النحو الذي يفعله الرسام، مثلما يمكنك أن تلحظ من الطرائق التي وُصفت بها المشاهد في أعمالي (آرثر والشاطئ – البحث عن جاكوب؛ جاكوب يرى الصخرةَ التي تشبه على البعد مربيته، غرفة جاكوب الفارغة في كامبريدج؛ المشهد في النهاية، عندما قدمت مسز فلاندرز حذاءه الفارغ).

"غرفة يعقوب" كانت مشروعاً تجريبيّاً في الرسم المشهديّ، ومن خلالها انعكست اهتماماتي الجمالية في ذلك الوقت.

غير أن ثمة خيطاً من السيرة الذاتية في تلك القصة، لأن شخصية جاكوب (يعقوب) ارتكزت في الأساس على شخصية شقيقي "ثوبي" الذي مات عام 1906 بحمى التيفوئيد، ولم يتجاوز السادسة والعشرين بعد.


رواية "الخروج في رحلة بحرية" تعكس عراكي الثقافي المبكر، وربما تجد شيئاً مني في راشيل فينريس، فيما تتعلم كيف تحيا بين جماعة من الرجال المثقفين اللامعين، من دون أن تفقد إحساسها بذاتها.


وأيضاً هناك شيءٌ مني في كاثرين هيلبري في "الليل والنهار"، بالرغم من اعتقاد الناس أن تلك الشخصية مرتكزة على شقيقتي فانيسا.


رواية "صوبَ المنارة" كانت انعكاساً صادقاً لمشاعري، لأنني خلدّت فيها أبي وأمي في شخصيتيّ مستر ومسز رامساي؛ وأيضاً "أورلاندو" كُتبت من أجل، واعتمدت على، "فيتا ساكفيل ويست"، التي فتنتني وأسرتني.


أعتقد أنه من العدل أن أقول أنني في كل رواياتي، كنت أنهل من ذاتي وفي ذات الوقت أحاول أن أبني هياكل جمالية وفكرية.


وبالتأكيد أنا لا أنتهج في كتاباتي الروائية منهج كتابة السيرة الذاتية، غير أنني أبحرُ عميقاً داخل مشاعري الخاصة قبل أن أكتب الرواية.


وبطبيعة الحال تتغير ذاتي مع كل رواية، إذ أختبر أحاسيسي وأعيد ترتيبها على نحو جديد في كل مرة.



هل ترسمين خريطة لروايتك، أم تتركينها تنمو مع تقدمها؟



هذا يختلف من رواية إلى أخرى. دائماً ما تكون لدي خطّة من نوع ما للرواية، حتى ولو لم يكتمل المحور الرئيس تماماً في التو. حينما بدأت "غرفة يعقوب" كان المحور الرئيسيّ مفقوداً بالنسبة لي، غير أني كنت قد قبضت تماماً على الحالة النفسية والمزاجية التي أريدها.

تخيلتها مثل بناء بغير سقالات أو هيكل... بدا تشكيل الحضور لشخصية جاكوب تدريجياً وساحراً، يلمعُ مثل النار تحت طبقة من الضباب. كتبتُ "دعنا نفترضُ أن الغرفة سوف تحمل هذا الحضور مجتمعاً في الصفحة الأولى من المخطوطة، ثم تبنيت وباشرت فكرة غرفته كنقطة مرجعية ومتكئ انطلاق للعمل.

بالنسبة لرواية "صوبَ المنارة" كان لدي أكثر من خطة للمشروع. رسمت شخصية مسز ومستر رامساي اتكاءً على شخصية أمي وأبي، خاصة حسب ذكرياتي عنهما خلال إجازاتنا الصيفية في سانت آيفيز، حيث كنا نذهب ونحن أطفال. عرفت منذ البدء أنني أودُّ أن أخلق حالة موت ما. كان لدي، حتى في البدايات الأولى لكتابة الرواية، فكرة تدور حول أب يجلس في قارب فيما ينشد "سوف نفنى، كلٌّ على حدة" بينما نحن نسحق سمكةً ماكريل تحتضر. رسمت مخططاً للشكل العام الذي أردته للكتاب: كتلتان من الكتاب:

الجزء الأول والجزء الأخير، يتصلان سوياً عبر ممر ("الوقت الذي يمرُّ" خلال حلم اليقظة في المنتصف). وهكذا عمدت إلى تخطيط الشكل والهيكل ثم بدأت بعدة صور قوية. أما ماذا حدث لشخوص روايتي فقد كانوا ينبثقون في رأسي فيما أتقدم في كتابة الرواية.


غير أنك لو زرت يوما مكتبتي الضخمة، لرأيت كم المحاولات التي أنجزها في الكتابة قبل أن تأخذ مسارها المضبوط، يمكنك أن تلقي نظرةً على مسودات مخطوطة "صوبَ المنارة" أو "الأمواج"، وسوف تعرف كمَّ الكتابات التي أخطها قبل أن أنتهي إلى رواية مكتملة! كم ضخم!



لماذا غيرتِ منهجك تماما بعد رواية "الليل والنهار"؟



كنت مسرورة للغاية من تلك الرواية. فكرت أن هذه الرواية أكثر نضجاً بكثير من روايتي الأولى "الخروج في رحلة بحرية" . أقترح عليك أن تقرأها إن لم تكن قد فعلت من أجل أن تلمس أفكاري المبكرة عن استقلال المرأة. هذه الرواية تدور حول أيهما أكثر أهميةً، أن تكون نفسك من أجل خاطر الآخرين بأن تأخذ هويتك منهم (مثل مسز هيلبري، التي تؤمن بالحب والزواج)، أم أن تكون نفسك من أجل خاطرك أنت (مثل كاثرين الذي خالفتها الرأي) . لكنها ماري داتشيت التي جسدت شخصية ذات عقلية فردية ومهدت للتبرير السياسيّ.



أيٌّ من الشخصيتين من وجهة نظرك نجحت في انتزاع تعاطفك أكثر، ماري أم كاثرين؟



المشكلة أن النقاد كانوا فظّين جدا تجاه الرواية وغير متعاطفين معها. إي إم فورستر قال أنها كانت محض رواية كلاسيكية و احتاجت الشخصيات أن تكون جديرة بالحب أكثر من هذا، أما ربيكا ويست فقد قالت أنها رأت عالم الرواية كله غريب عنها.


حين اشترينا ليونارد وأنا دار نشر، وبدأنا في طباعة القصص القصيرة والقصائد الخاصة بأصدقائنا، كتبت وقتها قصة ربما تعرفها وهي "كيو جاردنز". نالت هذه القصة مع "العلامة التي على الحائط" الكثير من الاستحسان والقبول: كل واحد بدأ ينتبه أن لي أسلوباً مرناً وانسيابياً في وصل الأشياء معاً عبر منظومة بدت أكثر تشويقاً عما كان الأمر عليه في أسلوبي الكلاسيكي، ومع هذا لم أكن مقتنعة في بادئ الأمر، وواصلت الكتابة القصصية فيما أفكر كيف يمكنني أن أجعل كتابتي أكثر مرونة وانسيابية.


ثم كتبتُ قصةً أخرى وهي – رواية لم تُكتب بعد –وبدأت أتبين أنه يمكنني أن أكتب روايةً كاملةً على نفس النحو: شيء ما ينفتح على شيءٍ آخر. هذا الأسلوب غذّاني بالكثير من الأفكار وأفادني في الرواية التي كتبتها بعد ذلك وهي "غرفة يعقوب"، وفي تلك النقطة فكرت أنني أخيراً توصلت إلى كيفية أن أبدأ في قول شيء بصوتي الخاص الخالص... غير أني مازلت أحب "الليل والنهار" رغم كل هذا.


يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)