عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
8220
 
فوزي الشلبي
من آل منابر ثقافية

فوزي الشلبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
49

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Nov 2012

الاقامة

رقم العضوية
11703
05-24-2013, 02:16 PM
المشاركة 1
05-24-2013, 02:16 PM
المشاركة 1
افتراضي أُغنيةٌ على موقدٍ قديم!
[tabletext="width:70%;background-color:burlywood;border:2px ridge firebrick;"]
أُغنيةٌ على موقدٍ
قديم!
[/tabletext]


[tabletext="width:100%;background-color:coral;"]
كانت الساعةُ الثانيةُ بعدَ منتصفِ الليلِ عندما دخلتُ الحمّامَ لأسمع أغنيةً بصوتٍ عالٍ تنطلقُ من غرفةِ حارسِ العمارةِ "شحاتة"...تقولُ الأغنيةُ: " إسأل روحك..إسأل ألبك..قبل ما تسألْ إيهْ غيّرني.."، مما أثارني وملأني غيظا...قلتُ في نفسي " والله لأسمعنهُ غدا كلاماً لوذعيا"..أفلا يزعجُ ذلكَ سكانَ العمارةِ في هذا الهزيع؟!...إنها قِحةٌ ليسَ بعدها!".. لعلَّ هذا سيكونُ موجبَ طردِه كحارسٍ للعمارة ، خاصةً وأن قلَّ شاكروهُ وكثُرَ شاكوهُ من أهل العمارة.. التي وكلونيها على متابعةِ على شؤونِها..

كانَ عندي موقدُ غازٍ صغير، كنتُ أستعملهُ وعائلتي إذا روّحنا عن أنفسِنا في رحلاتِنا القصيرة، وذلكَ لغليِ الشايِ أو القهوة التي نحتاجُها. وقدكان هذا الموقدُ على قدمهِ أثيراً عندي ، لمتانةِ معدنهِ رُغمَ ما اخترقَ دهانَهُ الأزرقَ الداكنَ في بقعةٍ من صدأ..
ذاتَ يومٍ حالَ عودتنا من رحلةٍ بُعيد الغروب..تركنا هذا الموقدَ في باحةِ الدارِ.ولمّا عزمنا ذات يومٍ على أن نخرجَ في رحلة ٍ في الأسبوعِ التالي..افتقدنا الموقدَ في الساحةِ فلم نجدْهُ..سألتُ حارسَ العمارةِ عنه..فقال في ثقة: حسبتُ أنه من ضمنِ الأدواتِ التي لاتريدونها..فاحتملتهُ مع كومةِ الزبالةِ التي أحتملها كلَّ يوم إلى حاويةِ الزبالةِ في الخارج..قلتُ ساخراً: هلاّ شاورتني في الأمرِ قبل أن تُزين به حاويةَ الزبالة..فأقسمَ على صدقِ ما يقولْ..إلاّ إنني وبختهُ، وحذرتهُ أن لا يُكررَ فعلتهُ تلك، وإلاّ..!..فكان ذلكَ لهُ الإنذارَ الأخيرَ.

في صباحِ اليومِ التالي من سماعِ الأغنية، طرقَ الحارسُ بابَ البيتِ ليأخذكيس الزِّبالة...فهممت أن أوبخه على فعلتهِ في تشغيلِ الراديو آخرَ اللّيل...إلاّ إنني لم أشأْ أن أجرحَ شعورَ الرجل أمامَ أهل بيتي..لئلا يتطاولُ أحدُهم عليهِ فيما بعد..فقلتُ في نفسي سأفعلُ ذلكَُ فيما بعد!
نزلتُ إلى الكراجِ وحيثُ سيارتي ...فإذا الموسيقى الصاخبةُ من مذياعِ سيارتي تملأ المكانْ!!
ولما التقيتُ ابني أحمدَ في البيتِ فقلت له : كم مرةً قلتُ لك.. يا أحمدُ أن لا تترك زرَّ المذياعِ مفتوحا..لأن ترْكهُ مفتوحاً برغمِ إطفاءِ محركِ السيّارة..يُبقي المذياعَ يعمل لوجودِ خللٍ في كهرباءِ السّيارة!

عندما اشتريتُ الشقةَ في الطابقِ الأرضي ...قال لي أبو عيسى مختارُ الحارةِ " والله يا أبا أحمد إني عاتبٌ عليكَ، وعلى أبي محمود"
قلت مستغرباً: ولمَ يا جارَنا العزيز؟!
قال: لأنكمْ اعترضتمْ على حارسِ عمارتِكم أن لا يساعدَ البَنّاء في إصلاحِ سورِ المسجد!
قلت: أأنا أفعل ذلك؟!!..والله لو كان الأمرُ يتعلق بالمسجدِ لأخذتُ إجازةً من عملي ..وجئتُ للمساعدة!..لكن أبا محمود...أحدَ سكانِ العمارةِ شكاهُ إلي لتقصيرهِ بعمله... فوبختُه!

وكان من مقرراتِ الاجتماعِ السّنوي لسكانِ العمارة...أن لا يغسلَ حارسُ العمارةِ شحاتة السياراتِ البعيدةَ عن نطاقِ العمارة، بعدَ أن تمّ رفعُ راتبه ...وأن لا ينقل مشاكلَ العمارة إلى أي من الجيرانِ ليتدخلَ في حلِّها!
إلا إنني شاهدتُ شحاتةَ يوماً، ينقلُ كيسَ قمامةٍ من أحدِ العماراتِ البعيدةِ إلى حيثُ حاويةِ القمامة...
كما شاهدتهُ يغسلُ سيارةً أمامَ منزلٍ بعيدٍ جداً عن العمارة...
وحدثني أحدُ الساكنينَ في العماراتِ البعيدةِ أن الحارسَ شحاتةَ يشطفُ بيت الدَّرج في عمارتهم ...
هل كانَ صوتُ المذياع يغني آخر الليل هو الذي ظلَّ يُثيرني؟!...

..لما نزلتُ إلى السوقِ لا بتياعِ موقدٍ جديدٍ كموقدي ذاك..لم أجد بين المواقدِ الحديثةِ ما يلبي رغبتي، لاشتدادِ حنيني إلى موقدي القديمِ..فانفتلتُ إلى سوقِ الأدواتِ المستعملة..أقلبُّ النّظرَ من موقعٍ إلى آخر..حتى لمحتُ من بين رُكامِ الأدوات في آخر موقع قلبتُ فيه..موقدَ غازٍ كموقدي..فانجذبتُ إليهِ مقترباً..حملته فعاينتهُ وقلّبتهُ بين يدي..أخذتني الفرحةُ وكأنني حصلتُ على كنزٍ ثمين..بقعةُ الصدأِ الجميلةِ هي بقعةُ الصَّدأ..آه يا موقدي العزيز!..نقدتُ البائعَ ثمنه، عدتُ به غانماً إلى منزلي..وما إن ركنتُ سيارتي في كراجِ العمارة..حتى نزلتُ واحتملتهُ معي..وإذا بحارسِ العمارةِ قبالتي..وزعتُ نظراتي بين الموقدِ وبين الحارس..علتْ طبقةٌ رقيقةٌ من العرقِ جبينَه، ولم ينبس ببنتِ شفةٍ.. إلاّ إنّهُ لا يغسلُ الذَّنبَ ذنبٌ آخرُ، إذا عدا موَّالُ الليلِ إلى ضوءِ النّهار!
[/tabletext]