عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2022, 03:21 PM
المشاركة 3
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
(3)

تراكيب معادلة الصمود الفلسطيني

لماذا نحنُ صامدون؟

نحن الفلسطينيون، أبناء الأرض والبحر والسّماء، وهبنا الله عناد الصّخر ولين الماء وخصوبة الأرض الفلسطينية. رغم أنّ جميع المعطيات كانت تشير إلى حتميّة اندثارنا، وجميع الحسابات الماديّة تخلص إلى نتيجة واحدة فقط هي "صفر" فلسطيني فوق الأرض المقدّسة، مع توفّر كافة عوامل النجاح لدى العدو الصهيوني وبالإضافة إلى ضعف الجيوش العربية وانهزام الإرادة القوميّة للأمّة العربية والإسلاميّة.

ومع بدايات ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وتحديداً حين قررت بريطانيا منح ما لا تملك إلى من لا يستحق، كانت تراهن قوى الإستعمار آنذاك على ضعف العرب بعد انهيار الخلافة العثمانية وعلى بساطة المجتمع الفلسطيني وانعدام الوجود الرسمي لركائز الدولة الفلسطينية آنذاك.

وفعلاً بدأت حملات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، تارة بحجة الإيواء من ظلم النازية وتارة أخرى بقوة الإجبار الإنجليزية، ومن هنا بدأنا نحن الفلسطينيون استشعار الخطر الصهيوني وبدأنا نفهم معادلة الوعد المشؤوم.

ومع اندلاع المواجهات الفلسطينية العربية ضد الإستعمار البريطاني وميليشيات الصهاينة أدرك العدو مدى قدرتنا على المقاومة وعرف مخزوننا اللامتناهي من الصبر والجلد على التنكيل والتخريب.

ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا والصهاينة يعانون من دخولهم أرض فلسطين ولسان حالهم يقول :"كانت الأرجنتين أولى بنا".

فما الذي شكّل معادلة الصمود الفلسطيني في وجه أعظم الدول وأشرسها؟ وما السرّ في بقاء الجذر الفلسطيني في العمق التاريخي والاجتماعي الفلسطيني ؟ وما هذه القدرة غير العادية على مناكفة الاحتلال ومواجهته بأبسط الادوات والاسلحة؟

الشعب الفلسطيني بمكوناته واختلاف أطيافه ودياناته يعتمد في صموده على ثلاثة ركائز رئيسية:

أولاً: الأرض رابط مقدّس في العائلة.

لا يختلف اثنان على قدسيّة الأرض بالنسبة للمواطن الفلسطيني سواء أكان فلاحاً أو مدنياً أو بدوياً، الأرض وما فيها كنز مقدّس يصعب على الفلسطيني التخلي عنها، والقضية أعظم بكثير مما يتخيله البعض، الأرض هي الزراعة، والتجارة والصناعة، والمأوى والمرسى. والأرض هي العرض والشرف كما يحلو للفلسطينيين التعبير عنها.

ثانياً: العلم دين العائلة الثاني.

العلم وسيلة التحرر، التطور، التمدن، الصعود من قعر البئر إلى سطح الأرض، التخلّص من خيمة اللجوء، فلسفات عديدة نلصقها بالعلم، في نهاية المطاف تشعر أن العلم هو ديننا الثاني، نعبد الله فيما أمر، نبني المساجد وسلّماً إلى القمر، نحجّ عاماً ونتفوّق عاماً. هذه هي مكانة العلم الحقيقية وعند كل عربي فلسطيني ينتمي لقضيّته الفلسطينية.
علماء الشعب الفلسطيني متوزعون في الشتات كالنحل في الحقل وكالنجوم في الفضاء على أمل بعودة إلى الوطن.

ثالثاً: عناد الذاكرة، كرة فولاذية تكبر مع مرور الزمن.

لو كانت الأرض وحدها هي قضيّتنا، أقصد المكونات المادية، لما كان هناك قضية، فنحن في شتاتنا نصنع نسخاً مصغّرة من فلسطين. في كل بلد من بلاد الغربة تشمّ في بيوتنا رائحة فلسطين، وتنعكس صورة لكرومها وسهولها في "حواكيرنا" المتوزّعة على وجه الأرض أينما وجدنا. كل بيت فسطيني لا يخلو من معلّقة تنتمي لفلسطين، ولا يخلو من كتاب يحكي عن فلسطين، ولا يخلو من زيتونة تشبه إلى حدٍّ ما زيتونة فلسطينية.

ولو كان العلم هدفاً للوصول وليس وسيلة للتحرر بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون، لما التحق بثورتنا المقدّسة خيرة المهندسين والأطباء والعلماء والطيارين وغيرهم الكثير من المتفوقين، ولما سمعت عن عملية فدائية خطط لها مهندس ونفذها طيار ليفرح بها فلاح بسيط لم يتم الاعدادية. ولو كان العلم مجرد حاجة لما اغتالوا غسان كنفاني ولا غيره من فدائيي الكلمة.

ولكنّ القضية الفلسطينية هي قضيّة حق وعقيدة لا تمحى من الذاكرة ولا يشطب اسمها من دفاتر الحضور التاريخية ولا ينعم الإحتلال ليلة واحدة في فلسطين دون أن يعاني الأمرّين من مقاومة شعبنا في الداخل وفي الخارج.

القضية الفلسطينية هي قضية كل صبيّ وفتاة فقدوا والدهم الشهيد، وقضية كل أم يحترق فؤادها على ولدها الأسير، وقضية كل أب ابيضّت عيناهُ من الحزن وهو يترقب عودة ولده الشريد من المنفى.

فلسطين، قضية ألهمت العالم الكثير من معاني العزة والكرامة والصمود، فلسطين هي البوصلة الموثوقة لكل حرّ أراد فهم معنى الصمود وأراد تعلم سرّ الخلود.

"يعني الثورة ما انتهت"

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود