عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-2011, 09:42 AM
المشاركة 118
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان دعونا ننتقل الى مجموعة جديدة من 41- 50 ونتعرف على سر الروعة لدى هذه الروايات:

41 ـ البحث عن الزمن الضائع،للمؤلف مارسيل بروست.

"البحث عن الزمن المفقود" رواية مطولة ضخمة من سبعة كتب ألفها الكاتب الفنرسي "مارسيل بروست"، يبتعث فيها السارد ماضيه بدقة تعطي للذكرى من الواقعية أكثر مما كان للأحداث نفسها. ألفه ما بين 1905 و1910.

أبصر "مارسيل بروست" النور في 10 يونيو 1871، وأعطته روايته الطويلة الموسومة بعنوان "بحثا عن الزمن الضائع" شهرة عالمية واسعة كونه أبدع فيها في تصوير الأحاسيس والمشاعر الإنسانية بدقة متناهية بحيث خلدت هذه الرواية مؤلفها بروست وجعلته في مصاف الأدباء الكبار في العالم. وتعد اليوم من أمهات الرواية الحديثة في أوربا لأنها ليست (رواية) بالمعنى الأكاديمي للاصطلاح الكلاسيكي لهذه الكلمة، وهي كذلك لا تدخل في أبجدية الاعترافات والمذكرات لأن راويها يسرد أحداثاً موضوعية تاريخية تكاد تكون معيشة وهي أيضاً لا تريد أن تكون معرضاً لكشف أسرار حياة مؤلفها، عبر قصّة لسيرته الشخصية ولذكرياته وفكره وذوقه، بل كانت معرضاً للعالم الخارجي الذي عاشه وعرفه بعمق ورسمه بقلم موغل في التحليل والتركيب. وهي ليست رواية التصوير الصادق لمجتمع من المجتمعات الباريسية قبيل الحرب العالمية الأولى وخلالها، بل على العكس هي أول رواية لم تصور (الواقع) بل صورت ضرباً من الحلم الواعي الدقيق في توصيفه، وانطوت على فترات من الزمن ينزلق بعضها في بعض ليختلط ويمتزج وينصهر في عالم الذكريات، لتقدم الرواية للقارئ نظرة جديدة للكون والوجود وتصوراً جديداً للحياة والإنسان بعد إتمام قراءتها.‏

ولقد جازف (مارسيل بروست) بحياته في سبيل تحرير هذه الرواية وأنفق على نشرها من أمواله الخاصة بعد أن رفضت دار (غاليمار) طبعها لما فيها من خروج على المألوف الروائي السائد في حينه، وكان (اندريه جيد) يومئذٍ على رأس إدارتها وهو من هو كاتباً روائياً كلاسيكياً. ويبدو أن ذلك الحدس الذي هجس بأن الرواية ستكون فناً (عالمياً) يهدف إلى أن يسيطر على الفنون الأدبية ويحسر ظلها باستعارته ميزاتها الأساسية وأدواتها التعبيرية في طريقه الآن إلى التصديق تأسيساً على القفزات الهائلة التي تطالعنا بها الرواية بشكل مستمر على خريطة الأدب العالمي بلغاته الحيَّة المنتشرة.‏

بدأ المترجم السوري إلياس بديوي، رحمه الله، ترجمة هذا العمل الروائي الكبير منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأصدر منه ثلاثة مجلدات (الثاني والثالث والرابع)، وتوفاه الله قبل أن يتمها، وقد بدأ المشروع بدافع منه، وبدون دعم مالي من أحد، إلا الدعم المعنوي الذي قدمته الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة السورية السابقة، وبعض ممن تولوا مسئولية النشر فيها وفي مقدمتهم مثقفان كبيران، انطون مقدسي وأديب اللجمي رحمهما الله. ، والشذوذ الجنسي (بروست نفسه كان شا
البحث عن الزمن الضائع
سيكولوجية الذاكرة / ذاكرة الزمن ــ المكان

" البحث عن الزمن الضائع"
رائعة الكاتب الفرنسي مارسيل برووست كانت من العمقِ والادهاش ماجعلها سيرةَ الزمن والشعور، حالة من حالات التأمل والاستبطان و تجسيداً للأنا والعالم الخارجي..
يقول برووست:" ليس العالم ذاك الذي ينتظمُ ويتناسقُ حولنا بل هو في دواخلنا ـ إنه نحن ـ
فنحن الذين نعطي أنفسنا ذاك الحجم والبعد حين نهتم بما يثيرنا من حبٍّ وغيرةٍ وغضبٍ ووو... ونحن الذين نُلغي ذواتنا حين باللامبالاة نتعامل مع الحدث...
إن الحدث وما يولِّده فينا من مشاعر لابدَّ وأن يخلقَ لدينا مفاهيمَ معينة تهيمن على حياتنا الخاصة"...
فتصوير المجتمع السطحي والهش عملٌ معقَّدٌ وعميق...
وكما الانطباعيين ، كان برووست يدركُ عمق الموضوع منذ تبلورِ الفكرة، فقد لاحظ أن الشعور بالعدم ليس إلا إعادة خلقٍ لهذا العدم، وبذلك تنتفي فكرة العدم ليصبحَ الحياة بأسرها والغِنى بمطلقه...
إن سيكولوجية برووست لم تكن سكونيَّة بل تطورية وتحركية؛ فهو يدركُ أن ( الأنا) هبة تتطور وتتغير على الدوام وأن كلٌّ من الاستمرارية والدوام لم يكن عبثاً أو من أجل الألم...
وحده الماضي ملكٌ لنا أما الجنة الحقيقية برأيه فهي تلك التي ضيَّعناها لكن مؤقَّتاً وليس للأبد...
فالذاكرة ستعملُ من جديد على بعث هذه الجنة التي نفتقد في الزمن الحاضر...
تلك الذاكرة اللاإرادية حاضرةٌ دوماً لاستقبال الحاضر المجرَّد لأنها تبني صرحَ الذكريات الشاهقِ العمق..
وقد اخترتُ مقطعاً من روايته ، فيه يتحدثُ عن أثر العطر في الذاكرة ـ الزمن/المكان...

ثمة عطر سرمدي!...
" لقد بقي كلٌّ من Meseglise و Guermantes ـ منطقتيْن في الريف الفرنسي ـ مرتبِطٌ بأحداثَ صغيرة تتشابكُ وحياتي الفكرية الأكثر غنىً بالأسطورة والمفاجآت..
هذه الأحداث نمتْ داخلي لكنها فتحت أمامي سُبُلاً لم أكن لأدركها فيما مضى(الشكل والمعنى)_الحقيقة.
فمنذ أمدٍ بعيد ونحن نسعى لتحقيق ثمة اكتشاف ، لكنه ( الاكتشاف) قائمٌ منذ اللحظة التي أصبحنا فيها إما زهوراً على العشبِ تميسُ أو جداولَ عذبة تجري حيث الشمس...
والذي يحيطُ بهذا المشهد حتماً سيواصلً مسلسلَ الذكريات بحثاً عن الحقيقة ـ ذاك الوجه التائه ـ.
أما الذي عابراً يتأمَّلُ المشهد المتواضع رغم غناه فهو كالطفل الذي يحلمُ بأن يُصبحَ ملكاً في وثائقَ مفقودة بين الناس...
هذا الركن من الطبيعة أو ذاك الطرف من الغابة، من المحال أن ينعمَ كلٌّ منهما بالحياة وبخصوصيةٍ مؤقتة لولا المؤلِّف.. إن عطر الزعرور الممتد على طول سياج زهر النسرين سيتبدَّلُ عما قريب..
ها صوت خطوةٍ على الحصى المبعثرة فوق الأرض لكن لا صدى..
وهاهي فقاعات الماء تجتمعُ على حواف النهر التي تتصل بالحقول لتجتازَ بعد قليل سنوات وسنوات..
بينما اندثرَ كل الذي يحيط بالدروب وكل الذين عبروها...
هذا المقطع من المشهد الراسخ في ذاكرتي حتى الآن منعزلٌ عن كل شيء، إنه وبغموضٍ يتردد عى ذهني مثلما * ديلوس _جزيرة دائمة النضارة ، لكن لا أعرف من أي زمان أومكان أو ربما من أي حلم !...
كلٌّ من المنطقتين يمثل بالنسبة لي طبقة معدنية عميقة في الأرض، بل أرضاً صلبة ثابتةً أعتمدُ عليها حتى الآن...إنني ورغم تجاوزي للأشياء والكائنات التي تمنحني السعادة والسرور، فما أزالُ أؤمنُ بالذكريات إما لأنها تخلقُ داخلي زمن الصبا أو لأن الحقيقة لا تتشكَّلُ إلاَّ في الذاكرة..
هذه الذكريات جعلتْتني أدركُ أنَّ الأزهار التي رأيتها اليوم وللمرة الأولى تختلف عن تلك الحقيقيةفي الماضي
وأن منطقة الــ Meseglise حيث الزنابق ، شجيرات الزعرور، المنثور والتفاحيات قد شكَّلتْ و منطقة
الــ Guermantes بنهرها وأزهار النيلوفر صورة البلدة التي أحببتُ العيشَ فيها حيث كنتُ أذهبُ للصيد
والتنزه بالزورق لرؤية الآثار الغوطية ككنيسة ( آندريه ــ قديس الحقول) والتي كانت وسط حقول القمح
كطاحونةٍ ذهبيةٍ قد نسيها الزمن... وكذلك للاستمتاع بمنظر ورائحة الزعرور والتفاحيات في الذهاب والاياب..
هاتين المنطقتيْن لهما صلةٌ وثيقةٌ بقلبي لأنهما من حيث العمق هما بمستوى الأمس الذي مضى..
وهناك خصوصية المكان؛ فحين أرغبُ زيارة الـ Guermantes ليست الرغبة وحدها هي التي تأخذني
إلى ضفاف النهر حيث النيلوفر الأكثر جمالاً من الذي في منطقة Vivonne التي أنا فيها حالياً،
وليس أيضاً حلول المساء حين يصحو الألمُ بداخلي ليسافرَ في الحب فيصبح جزءاً لا يتجزَّأُ منه،
بل الخصوصية، خصوصية المكان...
ففي مُدخَلِ درب البلوط، هناك السهول الممتدة كمستنقعٍ يعكسُ أشعة الشمس على التفاحيات فتبدو
في غاية الجمال .. وفرادةُ هذا المشهد تغيِّبُني فلا أصحو مطلقاً من ليل الأحلام التي لم تكن لتختبرَ مشاعري فيما تعرضه هاتين المنطقتين من ذلاتٍ وخيبات أملٍ مستقبلية بل لتوحِّدَني بها وبشكلٍ سرمدي... إن الرغبة برؤية أي شخصٍ يذكِّرُني بسياج الزعرور تحرِّضُ فيَّ الخيال...
تلك الشجيرات ماتزال حتى اليوم حاضرة في وجداني، تحاصرُ نفسها لتأخذَ من العمقِ بعداً رابعاً ( الزمن)
تنفردُ به دون غيرها ما أضفى عليها سحراً مميزاً أشعر به وحدي ...
ففي ليالي الصيف، وحين تعلن السماءُ قدوم العاصفة ، يبدي الجميع استياءه بينما وحيداً أبقى لأتنفَّسَ
ذهول الطبيعة ونشوة الأرضِ حين المطرُ يهمي...
ها هو المكان بل الكون ، يتأرَّجُ بعبيرِ الزنابق الراسخ بالذاكرة حتى اللحظة
ذاً جنسياً)، وفكرة الحب التي اعتبرها بروست نوعاً من المرض أو الوهم، ثم موضوع الزمن الذي اعتبره بروست السيد النهائي للإنسان والكون. فالحياة في مجراها ليست إلا زمناً مفقوداً وأوهاماً زائلة، والذاكرة والفن هما السبيل الوحيد لاستعادة هذا الزمن المفقود وتحويل الأوهام إلى أشكال ملموسة من الجمال الأبدي
.
ويتميَّز أسلوب بروست الأدبي بانتمائه إلى التراث الأدبي الفرنسي الكلاسيكي، فقد تأثر بفلوبير وسان سيمون ورغم أن بروست كان كاثوليكي النشأة فرنسي الثقافة لا يرتبط عقائدياً أو وجدانياً باليهودية، فإن كثيراً من الأدبيات والمراجع اليهودية تُصنِّفه باعتباره يهودياً، بل حاول البعض التلميح بوجود مسحة من اليهودية التلمودية في أسلوبه الروائي الغريب الذي هو في الواقع أسلوب ينتمي إلى التراث الأدبي الفرنسي. بل ويشيرون إلى تأثره البالغ بقضية دريفوس والتي تناولها في بعض رواياته، وأنه كان أول من أقنع أناتول فرانس بالتدخل في هذه القضية. ومن ناحية أخرى، فإن تناول بروست للشخصية اليهودية في روايته البحث عن الزمن المفقود دفعت البعض لوصفه بمعاداة اليهود. فروايته تضم ثلاث شخصيات يهودية رئيسية، إحداها شخصية عدوانية متفردة تُجسِّد أسوأ الصفات الاجتماعية، أما الشخصية الثانية، فقد تناولها بروست بشكل أفضل وهي ليهودي مندمج يعيش في الأوساط الراقية ويكتشف هويته عقب حادثة دريفوس وينفصل عن حياة البرجوازية. وقد اعتبر البعض أن هذه الشخصية تجسيد لبروست نفسه. وتتميَّز شخصياته اليهودية بالتَكبُّر الشديد ولكنه تكبُّر يخفي وراءه شعوراً عميقاً بعدم الأمان، فاليهود في نظر بروست أقلية مضطهدة يتملكها جنون الإحساس بالاضطهاد والارتياب الشديد في الآخرين، وهم « جنس ملعون » أشبه بالشواذ جنسياً، على حد قوله. وهذا الربط بين اليهود واللبيدو أو الطاقة الجنسية أو الانحراف أو قوى الظلام هو موقف متجذِّر في الحضارة الغربية يعود إلى الرؤية المسيحية للكون، حيث يلعب اليهودي دور قاتل الرب وحيث لا يمكن خلاص العالم بدون تنصيره.