عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2015, 10:40 AM
المشاركة 4
عبدالله علي باسودان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي تابع : حول الجدلية في الشعر

كما أن الرؤيا في الشعر تعبير وجداني تخترق حدود الظاهر إلى أعماق الباطن يعبّر فيها الشاعر بلغة غيرمألوفة كما عبرعنها امرؤ القيس في بعض الأبيات من معلقته، وقد يكون الشِّعْرَ مفعما بالأساطير والرموز الَّتِي تتخلل النص الشعري وتجعله صورة من صورأعماق الذات الإنسانية.
وبالمقابل نضرب مثالاً لشعر أحد كبار َالشُّعَرَاء التقليديين في القرن الماضي’ فمثلاً عندما يخاطبنا أحدهم بالبيت التالي :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكنّ تؤخذ الدنيا غلابا
أو قول الآخر :
يا جوهر الحسن لا تضعني
لديك بالموضع المهان
من عبث القول أن نقول أين الإبداع، أو أين الرؤيا في هاذين البيتين حيث أنهما لم يأتيا بجدبد في هاذين البيتين وأمثالهما، ليس إلا كلام نثري مغلف بالصناعة الجرسية بمقدور أي ناثر عادي أن يقول ذلك لأن روح الرؤيا الشعرية الحقة ذات الأبعاد النافذة إلى أعماق اللامادي منعدمة كليًا من كل أعصاب هاذين االبيتن ولأن لا فرق بين قول أي ناثر عادي في مخاطبته لنا بهذين البيتين إلا في الوزن العروضي فقط، لأن كلمات هاتين البيتين ليست نابعة من النفس وإنما هي نابعة من العقل، ذلك لأن الرؤيا الشعرية تتخطّى حجاب الذات وحجاب العالم وتحمل في شمولها واتساعها على تحرير الذات من أقفالها، وتدفع إلى تجاوز محدوديتها، وإلى الخروج من ضيق المنطق والعقلانية ، حيث أن المنطق والعقل هما من اختصاص الناثر وليس من اختصاص الشاعر.
إن الحلم كما يراه كثير من النقاد هو الوجه الحقيقي للشعر، لأنه ينبع من النفس وليس من العقل وكما يقول هربرت ريد " لو استطعنا أن نروي أحلامنا لأمكننا أن نرويها شعراً متواصلا". .

كما أن الرؤيا في الشعرهي موجة من موجات الإبداع ينفتح عليها الشاعر على عوالم إنسانية عميقة في التعبير بما يدور في أعماقة من تأزمات وحزن وفرح.كما أنها تشكل موقفاً جديداً من العالم والأشياء، وأن الشِّعْرَ الذي يتخلله الرمز والرؤيا وكذلك الأسطورة هو في الواقع شعر وجداني يتخطى كل حدود الزمان والمكان، وهو من أساسيات الوصول إلى الجودة والإبداع والموهبة الفنية الحقيقية الَّتِي تؤكد على استنفار الحس الإنساني الكامن في أعماق النفس البشرية.


بتصرف من كتابنا " مفاهيم تحت المجهر"