عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2011, 11:56 AM
المشاركة 181
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الروائي الطيب صالح: أهم شيء صنعته في الرواية العربية


أنني أضأت مناطق مظلمة في الوعي العربي
  • (النوستالجيا).. أو الحنين للوطن.. عنصر طاغٍ على كتاباتي
  • الأعمال مرهونة بأوقاتها.. وفي المستقبل يمكن أن يرى البعض (بندر شاه).. أهم من (موسم الهجرة إلى الشمال)
  • الرجل بمفرده كائن ناقص لا يكتمل نفسيًا أو عقليًا إلا بوجود المرأة
إنه واحد من أجمل الهدايا التي قدمها السودان الشقيق للثقافة العربية. ذلك هو الطيب صالح الذي تقدم له مجلة (العربي) هذه التحية بمناسبة حصوله على جائزة ندوة الرواية العربية التي عقدت أخيرًا في القاهرة, وهي تحية لرجل طالما أغنى حياتنا بالمعنى ووسع من رقعة الرؤيا حين أضاف لنا شهادة عن عالمه في الجنوب.
(طريق الخلاص.. يكمن في تعميق الذات وتنقيتها من ذل الحياة.. ومهاناتالقمع) هذا هو (الطيب صالح) كما جاء على لسان أحد أبطاله وكأنه يصف رؤيته لذاته. حينما تراه تظنه لأول وهلة قرويًا قادمًا لتوه إلى المدينة.. ولو حدثته ستجدهالمفكر المبدع, كلماته تنم عن وجد صوفي أصيل, وتتسم بالزهد والورع وحبه للناس, وحبالناس له. بل إن سيرة المؤلف وأقواله الدالة على مواقفه وعلى تجربته الإبداعيةتضطلع بوظيفة نَصِّية مصاحبة, وتشكل عتبة من أهم العتبات المنفتحة على عوالمهالإبداعية. فـ (الطيب) واحد من كبار المبدعين العرب الذين عرفهم العالم كنموذجلكاتب نجح في فرض ثقافة الجنوب على الشمال, ومازالت روايته الأشهر (موسم الهجرة إلىالشمال) تحظى باهتمام القارئ العربي في كل مكان نظرًا لأنها كانت إحدى الرواياتالعربية التي نجحت في نقل الأدب العربي للعالمية بقدر ما كانت تعبيرًا مفعمًابالمحلية السودانية. تشتم من كلمات نقاده ومريديه رائحة (الطيب) وحالة الود التيأشاعتها كتاباتهم عنه, هؤلاء الذين أحبوا (الطيب صالح) روائيًا وإنسانيًا وأقامواله فوق الورق ما يشبه المهرجان أو الاحتفال الذي أتى أشبه بدفقة حب لكاتب كبيريستحقه. صاحب الوجه الأبنوسي, مبدع, متواضع كالعشب لاتزال في ضحكته تلك البراءةالطفولية التي تجدها لدى العباقرة. الحوار مع عقله متعة حقيقية, فهذا العقل يحملحضارة بأكملها, يتسلح بها, ويقاوم, ويواجه, ويعادي إذا لزم الأمر.. أما وجدانهالنبيل, فيطارحك الشعر, فهو عاشق للغة الراقية.. عربيًا إفريقيًا شرب من ماء النيل, ولم ينس لونه ولا طعمه, عندما سافر إلى لندن وشرب من مياه التايمز الإنجليزي بقيإفريقيا عربيا وإنسانا وفيا لجذوره الأصيلة وكأنه إحدى المدن الدافئة التي ما إنترها حتى تلقي عصا الترحال وتضع حدًا نهائيًا لأسفارك. وشاعرية (الطيب) تنبع مندوامة السحر الفني والفكري ومن مرتفعات عالية من الخيال الإبداعي لروائي عظيم تطربطربًا حقيقيًا بما فيها من غزارة شعرية رائعة. فالطيب صالح شاعر في ثوب روائي وذلكما يجعل الحوار معه بالغ الصعوبة, التقته الصحفية المصرية سوسن الدويك, وكان هذاالحوار:
  • (لا أظن أنني أكتب لأقص على الناس قصة حياتي) هذه إجابتك عن السؤال الدائم حول (مصطفى سعيد) بطل روايتك (موسم الهجرة إلى الشمال).
    ولا جدال في أن النص الأدبي ليس سجلاً لسيرة الكاتب.. ولا ينبغي لها أن تكون.
- ولكنه لدى التحليل الأخير هو محصلة لتفاعلات الكاتب الذاتية في جدلهمع المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يتحرك, ويكتب فيه.
وتجارب الكاتب وذكرياته وعلاقاته الاجتماعية وميوله الفكرية والفنيةتشكل المادة الخام التي يستمد منها الكاتب رؤاه, وعوالمه القصصية والروائية, وذلكفي محاولة للرد على بعض النظريات الحداثية في الأدب التي تذهب في مسماها لعزل النصالأدبي عن كاتبه إلى حد التضحية بالكاتب والإعلان عن موت المؤلف إمعانا في نفيالغائية والقصدية, وكل ما هو مشترك عن الكتابة الأدبية كما ذهب إلى ذلك الأديبوالناقد رولان بارت.
  • إلى أي مدى إذن يقترب منك (مصطفى سعيد), أم أنه بعيد تماما عن الطيب صالح?
- لا ليس بعيدًا نهائيًا.. لأن كل شيء يكتبه الكاتب له صلة بنوع مابه.. ولكن أيضا وبتعبير الكاتب الإنجليزي العظيم (جراهام جرين) الكاتب يجب أن يقطعالحبل السري الذي يربطه بالتجربة ويتركه يختلط بأشياء كثيرة, و(مصطفى سعيد) له صلةبي, بقدر ما لـ (محيميد) في (ضو البيت) من صلة بي.
  • أهلك.. قالوا لك: (والله يا هو.. دا كلامنا ذاتو لكن فيهو شوية لَوْلَوَةْ) قلت لهم: (هذه اللولوه) هي التي يسمونها فنًا!!
    هل هذا هو الوجه الآخر لأنصاف الحقائق التي تحدثت عنها?
- بالضبط.. وهذا الحديث الذي ذكرته صحيح.. فهذا قريب لي اسمه محبوبالمبارك, شخصية ظريفة وهو لم يسمع بـ (الإبداع) أو شيء من هذا القبيل ولا يعرفالقراءة ولكنه طلب من أحد الشباب المتعلمين بالقرية أن يقرأ له الرواية, فقرأهافوجده كأنه (كلامه) وهذا التعبير (دا كلامنا ذاتو, لكن فيهو شويه لولوه) على قدربساطته فهو يشير إلى بساطة الناس وفطرتهم الذكية, وهؤلاء(ناس مش لعبة)!! وأناأسميهم خبراءالحياة.
  • (السودان.. أحمله بين جوانحي أينما ذهبت, هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي) هكذا قلت وكأنك تحمل السودان بين الجوانح, ولا نحس أنك فارقته ولا لحظة.
    ما موقع السودان على خريطة حياتك?
- السودان.. (الهوية) ولدت في أرضه, فيه مهبط رأسي, ويقال إن مهبط رأسالإنسان يظل عالقًا به, ومازلت أرتبط بقريتي الدّبة في الشمال الأوسط من السودان, ولأنني اغتربت عن السودان فالغربة تؤكد إحساس الانتماء..صحيح أنني أرى أن الوجودالجسدي بالمكان ليس مهمًا خصوصًا بالنسبة لكاتب أو لفنان, ولكن إحساس الغربة موجودعندي وأتعامل معه بطرق مختلفة.. تعاملاً لا يخلو من عنصر الوجع ولكن ليس وجعًادائما أو مستمرًا في الـ 24 ساعة في اليوم.. أحيانًا أنساه!!
  • قلت: (هذه البيئة.. هي التي خلقت عالمي الروائي) هكذا يبدو أنك تعلق أهمية خاصة على مرحلة الطفولة والقرية.. فإلى أي مدى لعب هذان العنصران دورًا في صياغة عوالمك الإبداعية?
- أعتقد أن الشخص الذي يطلق عليه كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع فيأعماقه, والإبداع نفسه ربما فيه البحث عن هذه الطفولة, والأدب برمته بحث عن فردوسضائع.. وقد كان عالم الطفولة بالنسبة إلي فردوسًا, كان هو العالم الوحيد الذيأحببته دون تحفظ, وأحسست فيه بسعادة كاملة, والحسرة الكبرى في حياتي أن طفولتي فيالقرية لن تعود مرة ثانية!!
فالقرية هي عالم مصغّر من السودان (الميكرو كوزم), العمل الأدبي الذيأبدعه, ولما أريد أن أقوله عن السودان وعن العالم العربي, هي المسرح.. المادةالخام.. هي النافذة على الكون.
وهذا ما فعلته في (عرس الزين) فهي قريبة جدا من الواقع, ومرات أميتهكما فعلت في قصة (ود حامد) وكنت ألعب بالشخصيات كما يلعب المخرج بالشخصيات فيالمسرح.
غير أن في هذا العمل طبعًا عنصر الفن المتعمد.
الفن المتعمد
  • ماذا تعني بتعبير (الفن المتعمد)?
- الفن المتعمد..أي الدفع بالشخصية إلى أقصى مدى ممكن, وأقصى حدودتتحمَّلها.
وهذا التعبير أي (الفن المتعمد) والدفع بالشخصية لأقصى درجات تحملهاأول من قاله (بلزاك) الفرنسي, وأنا أحب بلزاك جدًا, ولي بعض الجهد الإبداعي فيهذاالصدد.
  • هناك من يرى أن لديك اقتناعًا بأن أسلوب التوسل بالتراث لتلوين الرواية العربية بلون محلي هو السبيل إلى إظهار خصوصيتها, وإثبات انقطاع صلاتها بأنماط الرواية الغربية السائدة.. هل ذلك صحيح?
-لا.. لا.. ليس أنا.. ولا يعجبني تعبير (التوسل) وتصورهم هذا خاطئ, فكأنهم يعتقدون أن التراث شيء موضوع عندنا في مخزن, وأحيانًا نفتح عليه ونأخذ منهمثلا.. وهذا خطأ وغير صحيح.
فالتراث معجون فينا, والناس يحملون تراثا يمثل امتدادا لبعض الأشياءولديهم إحساس بذلك, ولعلك لاحظت مثلا الأسماء نفسها في الروايات (عبدالقادر ولدمحجوب) بحيث يصلح الاسم لمجموعة عوالم وليس لشخص معين ممتد لعشرات السنين, وليستحكاية التراث هذه التي يرونها, وأعتقد أن بعض إخواننا الأكاديميين هم من يقولونبهذا الرأي ولكن بالنسبة لي ليس لدي هذا الإحساس ولا أتعامل بهذه الآلية, أنا لديعالم (مادة خام) موجودة وآنا آخذ منها.
طبقات الشخصية
  • هناك آخرون يرون (أن روايتيك الأوليين (موسم الهجرة إلى الشمال), و(عرس الزين) وجدتا رواجًا داخل العالم العربي وخارجه ورفعتا منزلتك إلى مصاف أعلام الرواية العربية, الأمر الذي دفع بك إلى سبر واقع مجتمعك في روايتك الأخيرة (بندر شاه) لتعرب عن المسائل الجوهرية التي تشغل بالك, ولتقوي علاقة لحوقها بالنص الخاص, وتلون نسيجها بلون مرويات التراث الشعبي) ما رأيك?
- إلى حد ما, ولكن ليس الرواج الذي وجدته في (عرس الزين), و(موسمالهجرة) هو الذي دفعني لعمل ذلك.. لا.. ولكن هي رؤية في زمن مختلف فهذا مجتمعمترابط يتحول, له متحولات متعددة, وأنا أكتب أعمل كعالم الآثار في الحفريات, حتىتبدو لي الحقيقة في طبقة إنسانية معينة, وهكذا أظل أحفر, حتى تظهر لي أشياء أخرى, وأمور أخرى لها طبيعة التراكم وهذا الحفر لا نهائي, ولا أحد يصل لنهايته.
  • أول كتاباتك كانت في لندن بالفعل, إذن الغربة لعبت الدور الرئيسي في دفعك للكتابة?
    وربما هذا هو تبرير إعجاب القراء العرب والغربيين بها. ما رأيك?
- أنا واضح جدًا في طريقتي في الكتابة, ولست كاتبًا شديد الإحساسبالقارئ أو الناقد, ولا أنتج إبداعي بهدف الاستمرار في السوق أو من أجل النقاد لا.. لا.. أنا أكتب كما يحلو لي, وبحرية كاملة. لا.. أرفض هذا التفسير نهائيا.. فإذا وجدما أكتبه هوى لدى القراء.. فهذا يرجع للقارئ, وإذا لم يجد هذا الهوى فقد يأتي زمانآخر ويجد!