الموضوع: مقالات!
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2013, 10:38 PM
المشاركة 10
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والقوادح قسمان:
قسم ينقض هذه العقيدة ويبطلها، فيكون صاحبه كافراً نعوذ بالله. وقسم ينقص هذه العقيدة ويضعفها.
فالأول: يسمى ناقضاً، وهو الذي يبطلها ويفسدها، ويكون صاحبه كافراً مرتداً عن الإسلام، وهذا النوع هو القوادح المكفرة، وهي نواقض الإسلام، وهي الموجبة للردة، هذه تسمى نواقض.
والناقض يكون قولاً، ويكون عملاً، ويكون اعتقاداً، ويكون شكاً، فقد يرتد الإنسان بقول يقوله أو بعمل يعمله، أو باعتقاد يعتقده، أو بشك يطرأ عليه، هذه الأمور الأربعة كلها يأتي منها الناقض الذي يقدح في العقيدة ويبطلها، وقد ذكرها أهل العلم في كتبهم وسموا بابها: "باب حكم المرتد".
فكل مذهب من مذاهب العلماء، وكل فقيه من الفقهاء ألف كتباً في الغالب عندما يذكر الحدود يذكر "باب حكم المرتد"، وهو الذي يكفر بعد الإسلام، ويسمى هذا مرتداً، يعني أنه رجع عن دين الله وارتد عنه، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) خرجه البخاري في الصحيح[12].
وفي الصحيحين[13]: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنهما فلما قدم عليه قال: أنزل وألقي له وسادة، وإذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهودياً فأسلم، ثم راجع دينه - دين السوء - فتهود، فقال معاذ: لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله، فقال: انزل، قال: لا أنزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به أبو موسى رضي الله عنه فقتل))، فدل ذلك على أن المرتد عن الإسلام يقتل إذا لم يتب، يستتاب فإن تاب ورجع فالحمد لله، وإن لم يرجع وأصر على كفره وضلاله يقتل، ويعجل به إلى النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه))[14].
فالنواقض التي تنقض الإسلام كثيرة منها:
الردة بالقول:
مثل سب الله، هذا قول ينقض الدين، وهكذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني اللعن والسب لله ولرسوله، أو للعيب والتنقص، مثل أن يقول: إن الله ظالم، إن الله بخيل، إن الله فقير، إن الله جل وعلا لا يعلم بعض الأمور، أو لا يقدر على بعض الأمور، كل هذه الأقوال وأشباهها سب وردة عن الإسلام.
فمن انتقص الله أو سبه أو عابه بشيء فهو كافر مرتد عن الإسلام - نعوذ بالله من ذلك - وهذه ردة قولية، إذا سب الله أو استهزأ به أو تنقصه أو وصفه بأمر لا يليق، كما تقول اليهود إن الله بخيل، إن الله فقير ونحن أغنياء، وهكذا لو قال إن الله لا يعلم بعض الأمور، أو لا يقدر على بعض الأمور، أو نفى صفات الله ولم يؤمن بها، فهذا يكون مرتداً بأقواله السيئة.
أو قال مثلاً: إن الله لم يوجب علينا الصلاة فهذه ردة عن الإسلام، فمن قال: إن الله لم يوجب الصلاة فقد ارتد عن الإسلام بإجماع المسلمين، إلا إذا كان جاهلاً بعيداً عن المسلمين لا يعرف فيعلم، فإن أصر كفر، وأما إذا كان بين المسلمين، ويعرف أمور الدين، ثم قال: ليست الصلاة بواجبة فهذه ردة، يستتاب منها فإن تاب وإلا قتل.
أو قال: الزكاة غير واجبة على الناس، أو قال: صوم رمضان غير واجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب على الناس، من قال هذه المقالات كفر إجماعاً، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل نعوذ بالله من ذلك، وهذه الأمور ردة قولية.
ومنها الردة بالفعل:
والردة الفعلية مثل ترك الصلاة، فكونه لا يصلي وإن قال: إنها واجبة، لكن لا يصلي هذه ردة على الأصح من أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) رواه الإمام أحمد، والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح[15]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) أخرجه مسلم في صحيحه[16].
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالة قدره رحمه الله: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي[17] وإسناده صحيح. وهذه ردة فعلية، وهي ترك الصلاة عمداً.
ومن ذلك لو استهان بالمصحف الشريف وقعد عليه مستهيناً به، أو لطخه بالنجاسة عمداً، أو وطأه بقدمه يستهين به، فإنه يرتد بذلك عن الإسلام.
ومن الردة الفعلية كونه يطوف بالقبور يتقرب لأهلها بذلك، أو يصلي لهم أو للجن، وهذه ردة فعلية، أما دعاؤه لهم والاستعانة بهم والنذر لهم فردة قولية.
أما من طاف بالقبور يقصد بذلك عبادة الله، فهو بدعة قادحة في الدين، ووسيلة من وسائل الشرك، ولا يكون ردة، إنما يكون بدعة قادحة في الدين إذا لم يقصد التقرب إليهم بذلك، وإنما فعل ذلك تقرباً إلى الله سبحانه جهلاً منه.
ومن الكفر الفعلي كونه يذبح لغير الله، ويتقرب لغيره سبحانه بالذبائح، يذبح البعير أو الشاة أو الدجاجة أو البقرة لأصحاب القبور تقرباً إليهم يعبدهم بها، أو للجن يعبدهم بها، أو للكواكب يتقرب إليها بذلك، وهذا مما أهل به لغير الله، فيكون ميتة، ويكون كفراً أكبر، نسأل الله العافية من ذلك، هذه كلها من أنواع الردة والنواقض عن الإسلام الفعلية.
ومنها: الردة بالاعتقاد:
ومن أنواع الردة العقدية التي يعتقدها بقلبه وإن لم يتكلم بها ولم يفعل، بل بقلبه يعتقد، إذا اعتقد بقلبه أن الله جل وعلا فقير، أو أنه بخيل، أو أنه ظالم، ولو أنه ما تكلم، ولو لم يفعل شيئاً، هذا كفر بمجرد هذه العقيدة بإجماع المسلمين. أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد بعث ولا نشور، وأن كل ما جاء في هذا ليس له حقيقة، أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد جنة أو نار، ولا حياة أخرى، إذا اعتقد ذلك بقلبه ولو لم يتكلم بشيء، هذا كفر وردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك وتكون أعماله باطلة، ويكون مصيره إلى النار بسبب هذه العقيدة.
وهكذا لو اعتقد بقلبه ولو لم يتكلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بصادق، أو أنه ليس بخاتم الأنبياء وأن بعده أنبياء، أو اعتقد أن مسيلمة الكذاب نبي صادق، فإنه يكون كافراً بهذه العقيدة.
أو اعتقد بقلبه أن نوحاً أو موسى أو عيسى أو غيرهم من الأنبياء عليهم السلام أنهم كاذبون أو أحداً منهم هذا ردة عن الإسلام، أو اعتقد أنه لا بأس أن يدعي مع الله غيره كالأنبياء أو غيرهم من الناس، أو الشمس والكواكب أو غيرها، إذا اعتقد بقلبه ذلك صار مرتداً عن الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[18]، وقال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[19]، وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[20]، وقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[21]، وقال: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[22]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[23]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فمن زعم أو اعتقد أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره من ملك، أو نبي، أو شجر، أو جن، أو غير ذلك فهو كافر، وإذا نطق وقال بلسانه ذلك صار كافراً بالقول والعقيدة جميعاً، وإن فعل ذلك ودعا غير الله واستغاث بغير الله صار كافراً بالقول والعمل والعقيدة جميعاً، نسأل الله العافية من ذلك.
ومما يدخل في هذا ما يفعله عباد القبور اليوم في كثير من الأمصار من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، وطلب المدد منهم، فيقول بعضهم: يا سيدي المدد المدد، يا سيدي الغوث الغوث، أنا بجوارك اشف مريضي، ورد غائبي، وأصلح قلبي، يخاطبون الأموات الذين يسمونهم الأولياء، ويسألونهم هذا السؤال، نسوا الله وأشركوا معه غيره - تعالى الله عن ذلك - فهذا كفر قولي وعقدي وفعلي.
وبعضهم ينادي من مكان بعيد وفي أمصار متباعدة يا رسول الله انصرني ونحو هذا، وبعضهم يقول عند قبره: يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله: المدد المدد، انصرنا على أعدائنا، أنت تعلم ما نحن فيه، انصرنا على أعدائنا. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، إذ لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه، هذا من الشرك القولي والعملي، وإذا اعتقد مع ذلك أن هذا جائز وأنه لا بأس به صار شركاً قولياً وفعلياً وعقدياً نسأل الله العافية من ذلك. وهذا واقع في دول وبلدان كثيرة، وكان واقعاً في هذه البلاد، كان واقعاً في الرياض والدرعية قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت لهم آلهة في الرياض والدرعية وغيرهما، أشجار تعبد من دون الله، وأناس يقال: إنهم من الأولياء يعبدونهم مع الله، وقبور تعبد مع الله.
وكان قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه موجوداً في الجبيلة حيث قتل في حروب الردة أيام مسيلمة، كان قبره يعبد من دون الله حتى هدم ذلك القبر ونسي اليوم والحمد لله بأسباب دعوة الشيخ محمد قدس الله روحه وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل الجزاء.
وقد كان في نجد والحجاز من الشرك العظيم والاعتقادات الباطلة، ودعوة غير الله ما لا يعد ولا يحصى، فلما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، أي قبل ما يزيد عن مائتي سنة، دعا إلى الله، وأرشد الناس، فعاداه كثير من العلماء الجهلة وأهل الهوى، لكن الله أيده بعلماء الحق، وبآل سعود - رحم الله الجميع - فدعا إلى الله، وأرشد الناس إلى توحيد الله، وبين لهم أن عبادة الجن والأحجار والأولياء والصالحين وغيرهم شرك من عمل الجاهلية، وأنها أعمال أبي جهل وأمثاله من كفار قريش في عبادتهم اللات والعزى، ومناة، وعبادة القبور، هذه هي أعمالهم، فبين رحمه الله للناس، وهدى الله على يديه من هدى، ثم عمت الدعوة بلاد نجد والحجاز وبقية الجزيرة العربية، وانتشر فيها التوحيد والإيمان، وترك الناس الشرك بالله وعبادة القبور والأولياء بعد أن كانوا يعبدونها إلا من رحم الله، بل كان بعضهم يعبد أناساً مجانين لا عقول لهم ويسمونهم أولياء، وهذا من عظيم جهلهم الذي كانوا واقعين فيه.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا